هؤلاء الناس عاشوا احداث ثورة 25 يناير لحظة بلحظة دون ان يشاركوا فيها .. فرض عليهم محال اقامتهم بالعمارات الكائنة حول ميدان التحرير ان يعيشوا لحظات الثورة »اجباريا« مرت عليهم ساعات من الرعب عندما كانت تدوي صوت الطلقات الحية وألسنة الدخان الاسود الناتج عن القنابل المسيلة للدموع وشاهدوا لحظات معارك الحجارة والجمال كما عاشوا لحظات الانتصار ونشوة الاحتفال بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك .. كانوا يصلون الليل بالنهار في شرفات مساكنهم يتابعون الاحداث لحظة بلحظة ويقدمون بعض الاطعمة والادوية للثوار وشاركوا مشاركة فعالة في الاحداث بمنعهم مصوروا قناة الجزيرة من دخول مساكنهم لالتقاط بعض المناظر وتفاصيل الاحداث بعد ان شاهدوا مبالغة هذه القناة في نقل وقائع الثورة .. عاش الاطفال والكبار منهم لحظات تاريخية لم تعشها مصر من قبل من خلال النوافذ واسطح العمارات .. التقينا بهم وقصوا لنا حكايات تشبه حكايات اللجان الشعبية في مساعدة الثوار وتقديم الطعام والشراب والدواء واستقبال البعض منهم ممن انهكهم المرض والسهر والبقاء في الميدان مدة 18 يوما وهذه هي تفاصيل الحكاية،، ميدان التحرير يعتبر العقار رقم 1 بالميدان والذي نصبت اسفلة اذاعة الثورة المحلية من اهم العقارات الموجودة بالميدان حيث يمكنك من خلاله رؤية قلب القاهرة واهم منشأتها مثل كوبري قصر النيل وشارع القصر العيني والمتحف المصري.. ويحتوي علي 32 شقة يقطن بها 11 اسرة بينما تم تخصيص الباقي لانشطة تجارية وعيادات ومن بين المقيمين به وتحديدا بالطابق التاسع اسرة مكونه من ثلاثة افراد وهم علي شمس مهندس بترول وزوجته اسماء علي ونجلهما رامز ..وهم من ضمن الاسر التي لم تغادر مسكنها اثناء الثورة علي عكس 7 اسر بالعقار من فضلوا المغادرة والعيش لدي اقاربهم خوفا علي انفسهم .. يصف المهندس علي شمس الايام ال18 وهي عمر الثورة بأنها ايام اختلط فيها الخوف والرعب مع الفرح عايشها من خلال فتحات شرفات منزلة ..قائلا ان هذه الاحداث اجبرته علي المكوث في المنزل وعدم الذهاب الي عمله خوفا من تعرض اسرتة لاي خطر كما كان يقوم بشراء احتياجات المنزل بكميات في الصباح الباكر حتي لا يضطر الي النزول مرة اخري وهو نفس حال زوجته ونجله اللذين لم تتخطي اقدامهما لعتبة المنزل وقت الاحداث .. واضاف انه لم يذهب الي عملة سوي 3 مرات فقط طوال فترة ال18 يوما لا يقضي فيها سوي ساعتين فقط ليعود مسرعا الي اسرته. قناة الجزيرة.. ممنوع ! كما اكد المهندس علي انه تلقي عرضا من قناة الجزيرة لتتمكن من التصوير ونقل الاحداث من خلال شرفات منزله في مقابل منحه شيكا علي بياض ليضع فيه المبلغ الذي يريده الا انه رفض وارجع ذلك بسبب عدم مصداقية القناة وتهويلها في نقل الاحداث مشيرا إلي انه اذا سمح لها بالتصوير هو اوغيره تعتبر »خيانة« للثورة ولبلده .. بينما تمني بأن يستضيف التليفزيون المصري في منزله لنقل الصورة من قلب الاحداث بواقعية علي عكس ما كان يقدمه في بداية الثورة .. وتقول زوجته اسماء انهم تعرضوا لهجومين علي منزلهم من قبل بعض البلطجية كان اولها عندما طرق اكثر من 15 شخصا باب منزلهم في يوم جمعة الغضب 28 يناير ويحملون صناديق من زجاجات المولوتوف مصرين علي الدخول الي شقتهم لكي يتمكنوا من رشق المتظاهرين بالميدان لتفريقهم الا انها رفضت دخولهم واكتفوا بتقديم المياه لهم بناءً علي طلبهم واضافت انهم عندما غادروا باب منزلهم توجهوا الي سطح العقار وقاموا بالقاء زجاجات المولوتوف علي المتظاهرين حتي ان احدي الزجاجات سقطت في بلكونةالمنزل وكادت ان تتسبب في حريق الا انهم تمكنوا من اطفائها كما تعرضوا لاختناقات نتيجة ادخنة القنابل المسيلة للدموع التي القتها الشرطة انذاك لتفريق المتظاهرين .. وتستطرد الزوجة ان الهجوم الثاني كان عقب خطاب الرئيس السابق مبارك بتفويض عمر سليمان بسلطات رئيس الجمهورية والذي اثار غضب المتظاهرين حيث قام عدد من الشباب بالطرق علي باب شقتهم للدخول الا انها رفضت دخولهم ايضا وبعدها قامت بمساعدة زوجها ونجلهما بوضع ترابيزة السفره خلف الباب كما وضعت الثلاجة خلف باب المطبخ واغلقت جميع نوافذ الشقة بالجنازير خوفا من تعرضهم لاي هجوم اخر. حماة الثورة ومن ناحية اخري حرص الاهالي علي تقديم المساعدات للمتظاهرين وحمايتهم من بطش قوات الامن في اول ثلاثة ايام من اندلاع الثورة فتقول منال عصمت المقيمة بالعقار رقم 9 بالطابق السادس انها ساعدت في حماية شباب المتظاهرين والسماح لهم في دخول شقتها اثناء مطاردة الشرطة لهم وملاحقتهم اثناء اختباءهم بداخل العقار.. واضافت انها كانت تعتبر هؤلاء الشباب كابناءها وكانت حريصة علي اعداد الطعام لعدد منهم والتبرع بالدواء للجان الطبية التي شكلها المتظاهرين .. كما انها لم تمانع من استضافة شباب الثورة في منزلها الا انهم اصروا علي افتراش ارض الميدان وجعله بيتهم حتي ان نجحوا في تحقيق مطالبهم المشروعة في مكافحة الفساد والتغلب علي الظلم الذي عاشت فيه مصر منذ سنين طويلة ... وقالت منال انها رأت مقتل احد جنود الامن المركزي وشاهدت لحظات فراقه للحياة علي يد مجموعة من البلطجية يوم 25 يناير حيث ظلوا يركلونه بالاقدام بطريقة وحشية ووصفت ذلك بانه من ابشع ما رأته عيناها في حياتها وكأنه فيلم سينمائي يعرض امامها.. ولم تقتصر يد المساعدة علي منال فقط بل امتدت من جميع سكان العقار.. فتقول الحاجة فوزية محمد ان بابها كان مفتوحا للمتظاهرين خاصة الشباب الذين كانوا يفرون هربا من بطش قوات الامن خاصة ليلة 25 يناير عندما بدأت قوات الامن في تفريق المتظاهرين في منتصف ليل ذلك اليوم حيث وصل عدد الذين اختبأوا داخل شقتها ما يقرب من 50 شخصا - علي حد قولها- وعندما يطرق ضباط الشرطة بابها يسألون عن ما اذا كان احد مختبئ بشقتها فكان ردها بالنفي ..واضافت ان هؤلاء الشباب ظلوا بمنزلها حتي الفجر ثم بدأوا يغادرون في مجموعات منفصلة.. وتصف الحاجة فوزية تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة انه كان بمثابة يوم عيد في ميدان التحرير حيث حضر اليها العديد من الشباب ليهنئونها واعربوا عن شكرهم لها لما قدمته لهم وحمايتهم .. واشارت إلي ان الاحتفالات التي عمت ميدان التحرير جعلت خوفها في اوقات الثورة يتبدل الي فرحة بانتصار الشباب. فنادق الميدان كانت للفنادق المطلة علي الميدان نصيب كبير في تلك الثورة .. فيقول عصام عطا صاحب احدي الفنادق انه كان يسمح لعدد من المتظاهرين في استخدام حمام الفندق والتليفون الارضي ليتمكنوا من طمأنة اهلهم عليهم خاصة بعد ان تم تعطيل شبكات المحمول والانترنت في اول ايام الثورة .. واكدعصام ان نسبة اشغال الفندق في تلك الايام لم تتأثر وارجع ذلك إلي ان شهر فبراير من الاشهر التي تنخفض فيها زيارة السائحين لمصر.. كما اوضح انه كان من النزلاء الجدد للفندق في تلك الايام مراسلين لوكالات اجنبية حتي يتمكنوا من تغطية الاحداث عن قرب ..وحول اكثر المشاهد الي اثرت فيه.. يقول عصام انه في بداية الثورة توفي شاب من المتظاهرين وعندما حضر والده قام عدد من الشباب بنقله الي الفندق وقبل ان يغادر اخبرني انه سوف يذهب لدفن ابنه الشهيد ويعود مرة اخر مع ابنه الاخر للتظاهر حتي نجاح الثورة.. واكد عصام ان النزلاء الاجانب حرصوا علي مشاركة المصريين في المظاهرات حيث قام سائحين يابانيين بالنزول الي الميدان ومشاركة المتظاهرين في القاء الحجارة علي قوات الامن اثناء الاشتباكات التي دارت بينهم .. وعبر عصام عن فرحته بنجاح الثورة التي وصفها بثورة شباب المثقفين الذين استطاعوا اسقاط النظام وضحوا بأرواحهم في سبيل مستقبل افضل لمصر. وحول مشاركة نزلاء الفندق في تلك الاحداث يقول الدكتور السيد الفقي انه كان يتبرع بغرفته في الفندق لعدد من المتظاهرين لكي ينالوا قسطا من الراحة بعد يوم شاق داخل الميدان ولم يكتف بذلك بل كان يقوم ايضا بالمساعدة في نقل المصابين الي مستشفي الميدان اسفل العقار.