ان المشرع المصري أكد علي مبدأ حرية اقتناع القاضي في الدعوي حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته فالقانون أمد القاضي في المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجريمة أوعدم ثبوتها والوقوف علي حقيقة علاقة المتهمين ومقدار اتصالهم بها وللمحاكمة تجزئة الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن اليه من أقوال الشهود وتطرح مالا تثق فيه من تلك الأقوال اذ مرجع الامر في هذا الشأن إلي اقتناعها وحدها ومن المقرر ان تقدير الادلة بالنسبة الي كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الإدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلي متهم وعدم اطمئنانها إلي الادلة ذاتها في حق متهم أخر، وإذا كان الاصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوي التدليلية لعناصر الدعوي المطروحة علي بساط البحث إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها ان تشق طريقها لابداء الرأي فيها، وهذه المسائل الفنية تقتضي الاستعانة بالاساليب الفنية التي كشف عنها العلم الحديث في اثبات الجريمة ونسبتها إلي المتهم. ولذلك يقوم الخبير بالدور الرئيسي في عملية الاثبات فظهور الادلة العلمية أدي إلي تعظام دور الخبراء والقيام بدور فعال في ابداء خبرتهم الفنية وإذا كان التطور العلمي له دور فعال في ظهور ادلة علمية جديدة قد تبدو غريبة علي التكوين القانوني للقاضي إلا أن هذا التطور العلمي من وجهة نظرنا لا يتعارض مع مبدأ حرية القاضي في تكوين عقيدته. وذلك فيما يتعلق بالظروف والملابسات التي وجد فيها هذا الدليل العلمي أما في قيمة الدليل من الناحية العلمية فلا حرية للقاضي بشأنها أي لا حرية للقاضي في مناقشة الحقائق العلمية الثابتة إلا أنه في مقدور القاضي أن يطرح مثل هذا الدليل علي الرغم من قطعيته من الناحية العلمية إذا وجد أنه لا يتسق منطقيا مع ظروف الواقعة وملابساتها، فمبجرد توافر الدليل العلمي لا يعني ان القاضي ملزم بالحكم مباشرة دون بحث الظروف والملابسات بالادانة او بالبراءة فالدليل العلمي ليست ألية معدة لتقرير اقتناع القاضي بخصوص مسألة غير مؤكدة إلا أنه لن يرتاح ضمير القاضي ازاء الدليل العلمي الا باختيار الخبير القادر علي إصدار الرأي الفني في الوقائع اللازمة لإصداره ولن يتأتي ذلك إلا بوجود الخبير الذي تتوافر لديه ثقافة الوصول للحقيقة واراحة ضمير القاضي من خلال المامه بالوقائع موضوع الفحص والمامه بالتطور التكنولوجي الذي صاحب السلوك الاجرامي وكيف ان المتهم حالياً يستخدم معطيات العلوم الحديثة في ارتكاب الجريمة. وفي النهاية فإن الجزاء الجنائي هو اخطر الجزاءات جميعا يصيب الناس في ارواحهم واشخاصهم واموالهم وكيانهم الادبي ومن ثم يجب التزام الحرص الشديد والتحقيق الكامل والوصول الي اليقين الأكيد قبل اصدار الحكم بادانة انسان، وهذا اليقين المطلوب هو اليقين القضائي والذي يقوم علي عنصرين الأول شخصي ويتمثل في ارتياح ضمير القاضي للادانة والثاني موضوعي وهو يعني ان يكون الدليل الذي أقنع القاضي هو افضل دليل ممكن للبرهنة علي ثبوت الواقعة، فيقتنع به أي انسان يتوافر لديه العقل والمنطق اي ان يحمل الدليل بذاته معالم قوته في الاقناع فالادانة تنتج من الدليل الذي اقنع القاضي ليكون حكمه في النهاية هو عنوانا للحقيقة.