وكأننا نتقدم للخلف باتجاه زمن ديليسبس، فتصاغ الاتفاقات مع الاجانب وكأنها املاءات وعقود اذعان، لا تعترف الا بمصالح الطرف الآخر، اما مصالح مصر وسيادتها وامنها وحقوق شعبها، فلا وزن ولا قيمة ولا اعتبار لها!! المفاجأة المذهلة التي كشفت عنها التحقيقات اثناء فحص ارصدة المسئولين رهن التحفظ، اصابت رءوس الكثيرين بالدوار. لقد اختاروا مع سبق الاصرار والترصد ان تكون ودائعهم المليارية في أقبية بنك بعينه، ميزته الرئيسية انه لايخضع لرقابة البنك المركزي، ولا يجوز التجميد أو الحجز علي الاموال المودعة فيه! منتهي الوطنية، والحرص علي تفعيل مبدأ الشفافية.. أليس كذلك؟ بم يمكن تفسير هذه النوعية من التصرفات مهما كانت درجة حسن النية، وليس »العبط«؟ كانوا يتوقعون ان تلك اللحظة آتية لاريب فيها، ولان »الاحتياط واجب« اختاروا دون تردد ان يكون ما جمعوه من ثروات يصعب تصور حجمها أو أساليب الحصول عليها في »الحفظ والصون«! لكن »رب ضارة نافعة« فما فعلوه يفرض فتح الملف بكامله، فوضع المصرف العربي الدولي »المحل المختار« لودائعهم ليس الاستثناء الوحيد، فهاك بنوك اخري »علي راسها ريشة«. وبالتالي فانها خارج السيطرة الوطنية باي صورة. وكأنها قواعد اجنبية محظور علي اي مواطن الاقتراب من اسوارها!. لن ألجأ للتشكيك، ومهما كانت قوة الشبهات التي تحيط بهؤلاء، والاموال التي حرصوا علي ايداعها بعيدا عن العيون، بل وحرمان الاقتصاد الوطني من الاستفادة منها، وسوف نتمسك بقاعدة »المتهم برئ حتي تثبت ادانته«.. ولكن ماذا عن هذا الوضع شديد الشذوذ لبنوك تعيد للاذهان عصر الامتيازات الاجنبية، بعد ستة عقود من ثورة قامت من أجل تحرير الوطن من كل قيوده، وأجبرت المحتل علي الرحيل من قواعده الي غير رجعة؟ ثم ان الذين قبلوا بصياغات مهينة، تنتهك حقوق مصر علي أرضها تحت مسمي »اتفاقية دولية« لابد ان يحاسبوا، وقبل ذلك لابد من وقفة حازمة حاسمة لإزالة هذه الوصمة، فكل من يعمل تحت سماء مصر لابد ان يخضع لقوانينها، ولايسمح له بالمساس بحقوقها، او الاقتراب بأي شكل من سيادتها بكل ما تعنيه الكلمة من معان.. المصرف العربي الدولي، بنك يتمتع منذ تأسيسه في 4791 بوضع خاص، يمنحه مزايا وحصانات غريبة، مريبة، تحفز كل صاحب مال يتطلع الي ابعاده عن رقابة المؤسسات المصرية الوطنية في مصر، علي الهرولة الي خزائنه، فهي كالجب العميق الذي يتسع لمليارات يعلم الله كيف تم مراكمتها وبأي وسائل وتحت أي ظروف؟! الاتفاقية التي جعلت من المصرف العربي الدولي كيانا اشبه بالقاعدة الاجنبية الخارجة علي الدولة بكل سلطاتها ومقوماتها، حتي في الخضوع للقضاء المصري، والبرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات، وبالطبع البنك المركزي، أن وقت الغائها فورا، واقتصادنا الوطني هو الرابح، فخلال نحو 73 عاما لم يتجاوز استثماراته في مصر النصف مليار دولار لا تمثل الا اقل من نصف في المائة من امواله! واذا كان محافظ البنك المركزي يؤكد ان رجال الاعمال لم يحولوا اموالهم للخارج. وقد يصدق ذلك علي البنوك الخاضعة لرقابة واشرف »المركزي« لكن ما الذي يضمن ان المصرف »الخارج عن سيطرته« يتصرف كما يتصور السيد المحافظ؟ المصرف العربي الدولي - ببساطة شديدة - علي أرض مصر لكنه منزه ومحصن تماما امام القانون الوطني، والرقابة الوطنية و.. و.. وباختصار فانه ليس بنكا كباقي البنوك، ولكنه بامتياز اقرب إلي مفهوم القاعدة الاجنبية!!