احياناً فرز القمامة ينقذ من شبح البطالة زجاجات متناثرة.. أكوام من الكرتون .. أرض لزجة من كثرة ما تشربته من مواد مختلفة ..انه المشهد اليومي الذي أعتادت احسان علي رؤيته يوميا لاكثر من 8 سنوات منذ أن وطأت قدماها هذا المكان،هذا العالم اختارته بمحض ارادتها وأصبح هوكل حياتها خاصة بعدما تزوجت رجلا يعمل زبالا. اكثر من 12 ساعة تقضيها احسان بين اطنان القمامة وتحديدا الزجاج الذي تتخصص مع زوجها في فرزه حتي يتم طحنه وتحويله الي بودرة لتعيد المصانع استخدامه من جديد. ابتسامة رضا تعلو وجه احسان ذات ال 25 عاما وهي جالسة بين أكوام القمامة هذا المشهد الذي قد يكون مقززا للبعض يصبح بالنسبة لها هو عالمها الذي لا تعرف غيره. منذ أكثر من 8 سنوات تركت احسان قريتها بعد وفاة والديها لتجد نفسها وحيدة ومسئولة عن نفسها،هربت من جحيم أقاربها الذين أرادوا تزويجها بالاجبار من احد ابناء اعمامها لتجد نفسها تتسلل ليلا وتركب اول قطار قادم الي القاهرة وتتعرف علي أحدي فتيات السوء التي ارادت استغلال ظروفها وعرضت عليها العمل معها كفتاة ليل،علامات تعجب ومشاعر خوف تملكت احسان في هذه اللحظة لتقرر بعدها ان تبدا في البحث عن عمل تكسب منه قوت يومها، وقادتها الصدفة الي التعرف علي شخص يعرض عليها العمل في جمع القمامة ..تفكر احسان بان هذا العمل أشرف لها من الطريق الاخر. السابعة صباحا هوالوقت الذي تبدا فيه احسان عملها هي وزجها ليقوما بجمع القمامة من المربع المخصص لهما في طرة ثم يقومون بنقله وبعد ذلك يتم الفرز. لا تخجل احسان من عملها وتري انه أفضل بكثير من المتاجرة بنفسها من أجل حفنة جنيهات،فرغم الرائحة الكريهة والامراض التي قد يتسبب بها الا انه عمل شريف ولا يعيبه شيء لكنها تتمني ان يتم الاعتراف بنقابتهم لكي توفر لهم تأمينا صحيا يضمن لها الرعاية هي وابنائها اذا حدث لها مكروه. وفي اثناء رحلتنا للتعرف علي اهالي العزبة لفت انتباهنا صبي يقف علي صخرة مرتفعة تطل علي الشارع الرئيسي غارقا في احلامه وفي عينيه العديد من الطموحات والامنيات،وعندما أقتربنا منه لنجد الدموع تملأ عينيه لايتعدي عمر جمال 13 عاما وبرغم هذا السن الصغير الا ان تجاربه التي عاشها تجعله وكأنه في الستين من عمره، يسرد قصة ارتباطه بهذه المهنة ويقول هربت من الملجأ الذي كنت اعيش به منذ ان كان عمري 5 سنوات بعد أن تعرضت للضرب والتعذيب ويضيف : في الشارع الموجودين تعرفت علي طفل اخر يدعي محمود كان يعمل زبالا وعندما علم بظروفي عرض علي العمل معه وفعلا توجهنا الي أحد كبار العزبة ورويت له ظروفي ومن وقتها وانا لا اعرف مهنة اخري سوي جمع القمامة واعتبر كل الموجودون هنا أهلي واصدقائي، ويواصل لولانا أحصل في اليوم الواحد علي 50 جنيها ولا يستطيع أحد التعدي علي منطقة الآخر،كنت احزن في البداية لاصبحت القاهرة مغطاة بأطنان من القمامة واتمني ان يقدر الناس مهنتنا والا يستخفوا بها..ويسرح جمال بخياله بعيدا ويخبرنا بأحد احلامه ويقول: كل ما أحصل عليه أقوم بتوفيره لاقوم بشراء سيارة في المستقبل وهذا أهم حلم لدي ولن اتنازل عن تحقيقه. «أستر بناتي»..بهذه الكلمات لخص لنا عم عادل ما يتمناه بعدما حفر الزمن علي وجهه علامات الكبر ولم يطرق خالد بابا الا وطرقه فهوعائل أسرته الوحيد والتي تتكون من 6 أفراد ،نهش المرض جسده حتي أصبح نحيلا لايقوي علي حمل ما تلقيه الدنيا علي عاتقه،فيوما تلوالاخر تزداد الهموم والمسئوليات فمسئولية 4 بنات في هذا الزمن امر لا يستهان به،لم يجد خالد أمامه سوي ان يجمع القمامة ملابسه المهلهلة وملامحه البسيطة تعطيك انطباعا أن هذا الرجل لا يهمه نفسه بل يدرك ان القادم من العمر ليس علي قدر ما مضي لذا فما يجنيه من جمع القمامة هوكل ما يملك من اجل تكاليف زواج بناته ووسط أكوام القمامة المتراكمة التي تملأ أرجاء المكان، والرائحة الكريهة تنبعث منها، كان هناك طفلان يتقاذفان «علب الكرتون» ويلهوان بها، ضحكاتهما غير مسموعة فصوت ضجيج ماكينات رفع القمامة كان أعلي من صوتيهما، حاولنا التحدث معهما واقترب احدهما وكان يدعي كريم. علي الرغم من ان مظهره الخارجي قد يكون منفرا لبعض الاشخاص الا أن ابتسامته الطفولية البريئة جعلتنا نقترب منه اكثر، وقال انه يعمل في مهنة جمع القمامة منذ ولادته، عمره الآن 12 عاما ويقوم بمساعده ابيه الذي يعمل «فواعلي» في منطقة السيدة عائشة، لديه 5أشقاء ووالدته سيدة مسنة وترقد بالمنزل نظرًا لكبر سنها ومرضها التي تعالج منه، وقال انه يقوم بالاستيقاظ مبكرا لكي يقوم بمهام عمله، حيث انه يقوم بفرز القمامة وتصنيفها ووضعها داخل الاجولة الخاصة بها . ويوضح شحاته المقدس شيخ الزبالين ان تاريخ العزبة يرجع الي عام 1948 عندما نزح اباؤنا من مختلف محافظات الصعيد اليها هربا من ظلم كبار القوم وذلك قبل ثورة 1952 وفي ذلك الوقت كان اليهود والاقباط يقومون بتربية الخنازير ..بدات العزبة بنحو40 شخصا حتي وصلت الي 500 شخصا وبعدها قامت ثورة 52 وثم جاء الانفتاح وظللنا نقوم بتربية الخنازير خاصة وانها يتغذي علي القمامة والمواد العضوية وعن العقبات التي واجهتهم يقول في عصر مبارك وتحديدا في اخر 10 سنوات تعاقدت الحكومة المصرية مع شركات اجنبية تعاقدات طويلة المدي لمدة 15 عاما وما جنيناه علي يد هذه الشركات هوالخراب فقط فهذه الشركات لم يكن في اهتمامها سوي الاستثمار فقط ورغم توافر كل الامكانيات بها الا ان الشباب المصري عزف عن العمل بها حتي لا يعمل في النهاية «زبال»،الامر الذي ادي الي تراكم القمامة في مختلف الشوارع. لهذا اقترحنا علي الحكومة الاستغناء عن خدمات الشركات الاجنبية، اوالصبر عليها حتي الانتهاء من عقودها في فبراير 2017.