لا أعرف من أين استمد »اياد علاوي« أكبر الفائزين في الانتخابات العراقية الأخيرة كل هذا التفاؤل الذي غلّف به حديثه أمس الأول مع القناة الإخبارية الأمريكية: »CNN«؟! قد نتذكر أن »اياد علاوي« كان قد رأس إحدي الحكومات العراقية السابقة، وأسس حزباً أسماه:»الكتلة العراقية« وخاض تحت قائمته معركة الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث فازت »العراقية« ب 91مقعداً بزيادة مقعدين عن كتلة »ائتلاف دولة القانون« التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي الحالي »نوري المالكي« وهي الحكومة التي فعلت، وتفعل، كل شيء وأي شيء ما عدا الالتزام بالقانون! المفروض أن يتولي »علاوي« تشكيل الحكومة الجديدة، اعتماداً علي فوزه بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وهي النتيجة التي سارع »المالكي« بالتشكيك فيها، والطعن في العملية الانتخابية بأكملها! رفض النتيجة لم يكن بالكلمات فقط، وإنما بالتفجيرات والسيارات المفخخة التي تودي بأرواح العشرات، وجرح المئات بشكل شبه يومي! تفاؤل »علاوي« شجع أحد أنصاره علي أن يؤكد لإحدي الفضائيات أن »هذه التفجيرات الإجرامية كشفت للشعب العراقي عن الفارق الكبير بين أمن واستقرار وسيادة القانون في المجتمع الديمقراطي، وبين الفوضي والعنف وقتل الأبرياء وهدم الممتلكات وتخريب البلاد«. وانتهي الرجل من توضيح معالم التفرقة بين الديمقراطية والإرهاب، ليبشر العالم بأن أنصار الديمقراطية يقصد »الكتلة العراقية« بزعامة »علاوي« كسبوا تأييد غالبية الشعب العراقي بعكس الكتل الأخري التي لا تملك سوي ترسيخ الفوضي.. في طول البلاد وعرضها! وبدرجات أعلي في التفاؤل غير المنطقي.. سمعنا تصريحات »علاوي« مع ال: سي إن إن مؤكداً أنه القادم لا محالة، وأنه يحتاج إلي شهرين تقريباً للانتهاء من تشكيل الحكومة، رغم أن أحداً لم يكلفه بهذا التشكيل حتي هذه اللحظة! وتبلغ »الثقة في الذات« أقصاها عندما يضيف »إياد علاوي« معرباً عن رغبته في تشكيل حكومة غير تلك التي يتحدث عنها، ويخطط لها، ويفرض نفسه عليها، منافسوه من كل دين، وملة، ومذهب، ومنظمة، وعصابة! المنافسون وعلي رأسهم نوري المالكي يبشرون بحكومة وحدة وطنية! أي نفس الحكومة التي شكلها المالكي ولم تحقق لا وحدة، ولا وطنية.. حتي لحظة كتابة هذه السطور! المهم أن يظل ممثل »المالكي« في الحكومة. شأنه شأن ممثلي كل »الوحدويين«، »الوطنيين« بدءاً بلسان حال ملالي طهران، ومحاطاً من فلول البعثيين الذين تصورناهم أمواتاً فإذ بهم أحياء في عمان ودمشق ولندن وستكهولم وفلوريدا.. وغيرها، وصولاً وانتهاء بممثلي: السنة العرب، والشيعة الإيرانية، والأكراد الأتراك، وتنظيم القاعدة، وشباب طالبان المشرق العربي، وأشاوس »حزب الله اللبناني«، و»حركة حماس الغزاوية«! هذا التصوّر لحكومة »وحدة وطنية« يرفضه المرشح الدستوري، والقانوني، والشرعي، لتشكيل الوزارة القادم: »اياد علاوي«. فمن رأيه أنه »لا يمكن أن تكون لدينا حكومة وحدة وطنية فحسب، لأنها ستكون حكومة بلا فعالية مثل حكومة المالكي الحالية«. أما عن طبيعة الحكومة المثالية التي يحتاجها »عراق اليوم« فيزيل »علاوي« الستار عن أسرارها، قائلاً لكبيرة المراسلين الدوليين بشبكة CNN : »إننا نريدها حكومة يمكنها أن تعمل، وأن توفر الأمن، والأمان، والاستقرار، والديمقراطية، لهذا البلد«. ولم يكتف »علاوي« بهذا القسط الكبير من التفاؤل غير الواقعي في حديثه عن »حكومته« التي قرر أن يعكف علي تشكيلها خلال الشهرين القادمين وإنما أضاف إليه جرعة قوية لتلاصقه، والتحامه، مع آمال وآلام المارة في الشوارع العراقية، مؤكداً أن فوز كتلته بالانتخابات التشريعية الأخيرة جاء نتيجة طبيعية لملل العراقيين من الصراعات الطائفية، والحروب المذهبية، وأنهم يقصد الأغلبية الكاسحة للشعب العراقي يريدون الآن حكومة علمانية تعمل بحرفية، ومهنية، حتي تمكنهم من الخروج من عنق الزجاجة إلي رحاب الله الواسعة. كلام جميل. رائع. عيبه الوحيد أنه لا أحد يصدقه، ولا أحد يتوقعه. كيف يمكن لهذا الأحد أن يصدقه، ومتي يتوقعه، وهو يسمع، ويقرأ، ويري يومياً عن انفجارات تهز المدن، وتدمر القري، وتقتل المئات وتجرح الآلاف، و المدمرون المخربون يتبارون، ويتنافسون، ويتصارعون علي من منهم الأكثر وطنية، و وحدوية؟! إبراهيم سعده [email protected]