قام جوهر فتوي القرضاوي علي قوله: "وأعتقد ان أي إنسان شرب من هذا المشروب ما شرب فلن يسكر، ولذا لا يحرم القليل منه". اي بعبارة اخري، ان هذا القليل درجات فمنها ما مازال للخمر من اثر لطبيعته كشراب مسكر ومنها ما تنتهي منه هذه الطبيعة. وقد اعتمد القرضاوي في هذه الفتوي علي منطق حجة الاسلام ابو حامد الغزالي في قوله: "لا تعجل علي أحد بالتخطئة، ولا تبادر بالتجهيل، فربما عاد عليك ذلك وأنت لا تشعر، فلكل عالم عورة، وله في بعض ما يأتي به احتجاج". صحيح ان الاجتهادات ليست معصومة، لكن التعرض لها ينبغي ان يكون علي أساس علمي وبالنقد البناء. وعلي الرغم من ان تعدد الآراء هو من طبيعة الفقه الإسلامي، وقد حصل ذالك بشكل واقعي وتمثل ذلك في تعدد المذاهب الفقهية. بناء علي هذا نقول ان المسئولية درجات تمتد من اعظمها الي اقلها ضررا حتي الجزء من الضرر الذي له طبيعة المباح، وهو امر مختلف عن منطق الرخص التي تقول منطقيا بالاباحة تحت شروط معينة. ولكن للاسف لا يعترف المنطق السائد للمسئولية السياسية والدستورية بالدرج رغم اعتراف الدستور بمبادئ الشريعة كمصدر للتشريع، وهي المبادئ التي اساسها الاسس المنطقية تنبع من الفقه الاسلامي والذي يعترف في صياغاته المنطقية الحديثة بمنطق التدرج القيمي من التجريم حتي الاباحة بشكل نسبي ومتغير. ولو قدر لنا ان نعتبر مسألة الخمر التي أثارها الشيخ القرضاوي، فيمكن القول بأن معالجة هذه المسألة، في بعض جوانبها، تناسب المنطق التقليدي، فهو ثنائي القيم. والخمر محرمة لذاتها، وإذا اعتبرنا الإسكار الناتج عن الكحول، فلا بد من تحريم أي مقدار من أي خمر يحتوي الكحول. أما الرأي الآخر، والذي يعتبر المقدار المسكر، فيناسبه العمل وفق منطق الضباب، لأنه يقف أمام عوامل متعددة تنتمي إلي فئات ضبابية، ولن ينفعه المنطق التقليدي، فهو أمام مسألة قيم الصدق فيها متعددة، من النوع الصادق جداً، والصادق بعض الشيء، والكاذب، وهكذا. لو اعتمدنا علي فكرة تدرج القيم نقول ان المسئولية السياسية والدستورية درجات ايضا. هذا المدخل لبناء نموذج جديد للمسئولية الوزارية السياسية والدستورية قادر علي تفعيل وتعميق فكرة المراقبة البرلمانية للوزراء يعتمد في جانب هام ضرورة اعادة الوصل السببي بين منطق المسئولية في القانون الجنائي ومنطق المسئولية في القانون المدني. حيث نجد عدم وصل منطقي وقانوني بين المنطقين. فنجد ان المسؤلية الجنائية تقوم جزاء الإضرار بمصالح المجتمع وفيها يتعين توقيع عقوبة المسئول زجرا له وردعا لغيره وتتحرك فيها الدعوي الجنائية عن طريق النيابة العامة بوصفها ممثلة المجتمع في الدعوي العمومية ولا يجوز التنازل عنها ولا التصالح فيها وحماية للحرية الفردية فلا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون. أما المسئولية المدنية فهي جزاء علي الإضرار بالمصالح الخاصة التي يكفي لحمايتها التزام المسئول بتعويض الضرر بناء علي طلب صاحب الشأن الذي يحق له التنازل عنه أو التصالح بشأنه.. ويستمر التحليل.