في مثل هذه الايام قبل 55 عاما كان السودانيون يحتفلون بإعلان دولتهم المستقلة.. والآن يستقبل السودان هذه الذكري بين يدي خطب جلل وعاصفة أحنت أمامها كل الرءوس .. فخلال أيام قلائل يقول الجنوبيون كلمتهم ويعلنون رغبتهم اما البقاء ضمن السودان الواحد الكبير وهو ما بات مستبعدا أو الانفصال وقيام دولة جديدة تولد من رحم الصراعات والانقسامات التي استعصت علي الحل سنوات وعقودا. لم تكن العادة في مثل هذه الايام ان تعلق الزينات في الشوارع أو تقام الولائم والاعراس لكن الناس كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم بالسعادة والرضا والزهو بأكبر منجزات وطنهم في التاريخ الحديث.. وفي هذا العام تخيم سحابة قاتمة اسمها استفتاء الجنوب علي كل الرؤوس مء حلول الذكري.. فلم يدل الساسة بالبيانات المعتادة باستثناء القليلين منهم. علي النقيض من ذلك نظمت أحزاب المعارضة احتفالا نكست فيه الاعلام وكأن الوطن في حالة حداد.. هذا بالنسبة للشمال أما في الجنوب فلم يهتم أحد منهم بالذكري لا علي المستوي الرسمي ولا الشعبي. ويقول الدكتور محمد محجوب هارون مدير مركز دراسات السلام في جامعة الخرطوم إنه يشعر بأسف بالغ لهذه المفارقة العجيبة "عندما يبدأ تقسيم السودان في نفس توقيت ذكري استقلاله". ويضيف أن الطبيعي ان تقترن هذه المناسبات بتعزيز الوحدة والتطلع الي مستقبل اكثر اشراقا يسوده الاستقرار والسلام لكن ما يحدث في السودان هو العكس..ويشير الدكتور محمود يعقوب رئيس الهيئة العامة للحزب الديمقراطي الموحد الي ان هذا الاقتران بين الذكري والاستفتاء يبرز الفارق بين "مباديء الآباء الذين حققوا الاستقلال والوحدة وقاوموا كل سلطة دكتاتورية" وبين الابناء والاحفاد الذين اصبح الوطن في عهدهم قاب قوسين او ادني من التفكك. ومن جهته يقول سعد نصر الدين القيادي في التحالف الوطني السوداني "اقف حزينا علي اعتاب وطن سلمه لنا آباؤنا وقادتنا سليما ديمقراطيا وقد فرطنا فيه" مضيفا "هذه مسئوليتنا وحدنا وسيذهب الجزء الجنوبي العزيز علي قلوبنا الي اجل غير مسمي وقد تتشظي اجزاء اخري من السودان بعد حين." وقال ياسر عرمان نائب الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان ان استقلال السودان مناسبة وذكري وطنية وتاريخ مشترك لكل السودانيين ولن يسقط من ذاكرة الوطن بحلول يوم الاستفتاء الاحد القادم. واضاف ان جميع السودانيين خاضوا معا معارك ضد الاستعمار البريطاني سواء في الشمال او الجنوب. وقال مبارك الفاضل المهدي القيادي في حزب الامة "نستشرف الذكري الخامسة والخمسين لاستقلال بلادنا وفي قلوبنا غصة لانفصال الجنوب«. وحتي علي المستوي الشعبي يشعر الناس بالحزن ويتعجبون للمفارقة وينظرون اليها بتحسر شديد وحزن بالغ. وتقول ندا ابو سن وهي ناشطة سابقة في الحركة الشعبية لتحرير السودان انها تشعر بحزن عميق وهي تلحظ الفارق بين ذكري الاستقلال في الاعوام السابقة وهذا العام.. اما فايز الشيخ نائب رئيس تحرير صحيفة اجرس الحرية السودانية فيلخص مشاعره بالقول ان كل شيء حزين حتي نهر النيل.