الرقابة النووية: لا مؤشرات على تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية بمصر    نسب تنفيذ تقترب من الاكتمال.. رئيس "إجيماك" يتفقد محطتي NDHPS بالدلتا الجديدة    انخفاض الطلب على حديد التسليح محليا يدفع لنمو الصادرات 20% فى الربع الأول من 2025    رئيس وزراء باكستان للرئيس الإيراني: الاستفزازات الإسرائيلية الصارخة تهديد خطير للاستقرار الإقليمي والعالمي    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    أتلتيكو مدريد يقترب من ضم نجم دفاع ليفربول    بتواجد عربي.. تفاصيل حفل افتتاح كأس العالم للأندية 2025    وزارة التربية والتعليم تعلن استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة 2025 وتصدر تعليمات صارمة لضمان الانضباط    السعودية تنشئ غرفة عمليات خاصة وتضع خطة متكاملة لخدمة الحجاج الإيرانيين    وزير الأوقاف يفتتح المقر الجديد لنقابة القراء بحلمية الزيتون    جهاد حرب: 3 سيناريوهات محتملة للتصعيد الإيراني الإسرائيلي    اليوم بدء عرض مسلسل "فات الميعاد"    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    مولينا: متحمسون لانطلاقة المونديال ومستعدون لمواجهة باريس سان جيرمان    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    17 شهيدا في قصف للاحتلال الإسرائيلي على عدة مناطق في قطاع غزة    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيان، واعتذار، ورجاء !!
نشر في الأخبار يوم 19 - 10 - 2014

رأيتُ مناسبا - وربما لازما - أن أكتب هذه السطور لتكون بمثابة بيان وتوضيح واعتذار لأصدقاء وزملاء يلتقون اليوم في «القاهرة» بهدف تكريم بعض المحاربين القُدامي في صفوف المهنة.
إنني عرفت متأخرا - وبمحض مصادفة - أن اسمي كان بين الأسماء التي تفضلت الهيئات المعنية - اتحاد الصحفيين العرب والنقابات المستقلة - ووضعتها علي القائمة المقترحة للتكريم. ولم أكن قد أُبلغت بذلك، أو عرفت به، إلي جانب أنني كنت بالفعل قد ارتبطت ببرنامج آخر مختلف يأخذني خارج مصر لثلاثة أسابيع، تبدأ اليوم بالتحديد، وهذا البرنامج الآخر يتضمن مواعيد ولقاءات واجتماعات تتعدد أسبابها، مع حالة نشاط سياسي - دولي وإقليمي - تتوافق عادةً مع اقتراب عيد الميلاد وبداية عام جديد، فهذه الفترة دائما لحظة تكثيف شديد، وحيوية زائدة تحاول أن تلحق وتنظم وتتصرف قبل أن يحل موسم الإجازات، ويهجر صنَّاع القرار مواقعهم إلي دفء البحار في الجنوب، أو سفوح الجليد في الشمال.
وبالنسبة لصحفي يتمني أن يظل موصولا بعالمه وعصره قدر ما يتسع له الجهد والعمر، فإن الاعتذار عما تم ترتيبه والارتباط به - تصعب استعادته بسهولة، وقد لا تعود فرصته إلا عندما يبدأ فصل جديد في السياسة الدولية، وهذا الفصل يبدأ عادةً بخطاب «حالة الاتحاد» الذي يقدمه الرئيس الأمريكي إلي الكونجرس في أواخر شهر يناير من كل عام، وبعده تلف عجلة السياسة الدولية وتعود للدوران.

وحين تبدَّت أمامي الإشكالية الدقيقة لاحتمال حصار - بين غياب عن مناسبة لها معناها، وبين ارتباطات لها مواقيتها - فقد بادرت إلي الاتصال بالصديق الكبير الأستاذ «ضياء رشوان» (نقيب الصحفيين المصريين)، لأن نقابته كانت السبَّاقة بالفضل إلي وضع اسمي علي قائمة المرشحين.
وسمعت من الأستاذ النقيب عندما اتصلت به أنه كان علي وشك طلب لقاء يحدثني فيه عن التفاصيل والملابسات، وبالفعل فقد اتفقنا علي موعد في اليوم التالي، وسعدت وشرفت باستقباله (الأربعاء 15 أكتوبر)، ومعه اثنان من أعضاء مجلس النقابة هما الصديق العزيز الأستاذ «جمال فهمي»، والنقابي القدير الأستاذ «كارم محمود».
وكان النقيب كريما ورقيقا ومستفيضا في شرحه، ورحت بصدق - لا يخلو من حرج - أطرح أمامه موقفي وحيرتي بين ما فكروا لي فيه، وبين ما خططت لنفسي.
وكان مجمل ما طرحت كما يلي:
1- من الناحية العامة فربما كان هناك من يستحق التكريم في العالم العربي وفي مهنة الصحافة بالتحديد - لكن السؤال هو ما إذا كانت اللحظة الراهنة موعده المناسب، فهذه لحظة تضيق فيها صدور الناس بكل شيء وأي شيء، وسواء كان التقدير صائبا أو خائبا فإن الإعلام يتحمل جزءا من المسئولية.
وعلي أيامنا فقد كان الدرس الأول في أدب اللغة العربية يعلمنا «أن البلاغة هي مراعاة مقتضي الحال»، ومقتضي الحال هذه اللحظة لا يستدعي تكريم أحد - لا بصفحة من الورق مذهبة، أو بقطعة من المعدن مزركشة!!
2- ومن ناحية مبدئية فإن لي رأيا معلنا في تكريم أي صحفي، مؤداه أن القارئ أو المتابع لهذا الصحفي هو من يملك تقييم عمله، سواء كان بالحبر علي ورق أو بالضوء علي شاشة - ويكون التقييم بالإقبال علي ما يقدِّمه ذلك الصحفي أو بالإعراض عنه، وليس هناك غير ذلك معيار دقيق أو أمين، وقد كان من هنا اعتذاري الدائم عن أوسمة ونياشين واحتفالات وشهادات، رأيتها في أبسط الأحوال خارج سياقها، ذلك أن للتكريم في العادة هدفين: هدف التشجيع العطوف أو هدف الذكر الحميد: وأولهما - وهو التشجيع - فات أوانه لصحفي قرب نهاية يوم طويل. وثانيهما - وهو الذِكر الحميد، فالجدير به أن ينتظر المقادير ولا يسبقها، علي الأقل لكي يكون الحساب مستوفيا لزمانه، وظني بعموم أنه يصعب تقييم دور أي رجل في مجال العمل العام، لأن سجله مفتوح طالما هو موجود، وأي حساب حقيقي، لا يتأتي إلا بعد ختام نهائي!!
3- إنني من الناحية الواقعية وبصرف النظر عن الناحية المبدئية لقيت كثيرا من الحفاوة، وجدتها فيَّاضة، خصوصا في الشهور الأخيرة، ولديَّ شعور بالعِرفان لكل حرف ولكل كلمة ولكل سطر كُتِبَ وقيل عني، ومع ذلك فقد تمنيت ورجوت أن يظل صدق الشعور ونُبْلَ القصد بالميزان، وأظنني - بالصراحة وبالحرج أيضا - قلتها عندما سعدت بزيارة «الأهرام» بعد أربعين سنة من البعاد: «إنني أخشي أن تصبح شدة الحفاوة نوعا من المراثي تسابق المقادير».
ورفض الكِرام ما سمعوه من قولي، كما لاحظت رفضا له من جانب كثيرين رأوا علي شاشات فضائية ال «سي بي سي» تسجيلا وافيا لتلك الزيارة للأهرام - لكني كنت صادقا فيما عبرت به عن نفسي، عارفا بالفضل لأصحابه، ممتنا ومتأثرا إلي أبعد الحدود.
4- قلت للنقيب الكبير ولمن معه إنني من الناحية العملية فوجئت بالموضوع كله، وقد كان يشرفني أن أشارك مناسبته حاضرا يرحب بالزملاء والأصدقاء المكرمين من مصر ومن العالم العربي - علي أن الرياح جاءت من اتجاه آخر، وهبت عبر البحر إلي أمكنة بعيدة.

سألت النقيب الكبير ورفاقه بعد حوار طويل: وإذن ما العمل؟!!
وأجرينا عرضا للمنافذ والمخارج، وكان بينها اقتراح بأن نترك الأمور علي مسارها وكأن شيئا لم يكن، بمعني أن يقترح من يقترح تكريم من يريد، وأن يلحظ من يلحظ غياب من يغيب، ثم إن الزحام سوف يشتد، والستار سوف ينزل، ويعود الجمع من حيث أتي، ويذهب المسافر إلي حيث يقصد، وتنطفئ الأضواء، وينقضي الأمر!!
ولم نصل معا إلي نتيجة محددة، ولم أصل بعدهم إلي تصرف أستريح إليه، ثم تكشَّف أمامي أن الأمر لا يحتاج إلي منافذ أو مخارج، وإنما يحتاج إلي وضع الحقيقة أمام أصحاب الحق فيها، وكذلك أكتب هذه السطور - بيانا وشرحا واعتذارا - وفي نفس الوقت ترحيبا - وحفاوة ودعاء ورجاء.
والبيان والشرح والاعتذار لها جميعا أسباب مفهومة، وأما الدعاء والرجاء، فله داعٍ آخر.

لكي أكون محددا فإن مهنة الصحافة في ظني تواجه مشكلة أصعب وأعقد، من كل ما تعرضت له منذ عرفتها بلادنا أواسط القرن التاسع عشر.
والحقيقة أن مطالب الدعاء والرجاء ملخصها أن المهنة الآن واقعة في أزمة مصداقية، عصفت بالكثير مما يستوجب الحرص عليه أمام قارئ ومشاهد يسأل كل منهما نفسه الآن: «إذا كان صحيحا ما نري ونعيش، فكيف يكون صحيحا ما نقرأ ونسمع؟!!».
وأعرف كما يعرف الجميع أن بيت الصحافة العربية واقع وسط مدينة السياسة العربية التي ضربتها الزلازل، وأصابت كل موقع فيها بغير استثناء، أي أن البيت الصحفي العربي أصابه ما أصاب المدينة السياسية العربية، وتحولت به إلي عشوائية آيلة لسقوط تاريخي مخيف، حتي وإن لاحت علي أطراف الخراب ناطحات سحاب تبدو من بعيد وهمًا يرسمه سراب!!
والصحافة العربية وسط هذا المشهد المزعج معرضة للتهم، أو علي الأقل مُطالَبة بحساب، وبدون أن نشغل أنفسنا الآن بتوزيع المسئوليات، فدعونا نسأل: أليس صحيحا أنه في طبيعة هذه المهنة وفي دورها أن تمارس وظيفتها تحت كل الظروف، سواء في ذلك ما تصنعه الطبيعة، أو ما يصنعه البشر؟!!
أليس صحيحا أن المهنة - ومهما كان ما أصابها - مكلفة بالعمل في أعقاب الزلزال وفي وسط الحطام، وحتي في خضم مستنقعات الدم.
ذلك صحيح - والصحيح بعده أن البيت الصحفي العربي وأهله في ذلك الوضع، وعليهم تكليفه، وفي اختصاصهم واجبه.

والآن.. أهلا وسهلا بالقادمين إلي «القاهرة»، ولهم جميعا اعتذاري لأنني لست بينهم، ثم بعد ذلك اقتراحي عليهم أن يختصروا مراسم التكريم في أضيق الحدود، وأن يكرسوا النهار كله والليل - إذا استطاعوا - لكي يفكروا ويفتشوا ويسألوا:
«كيف يمكن للمهنة - وفي هذه الظروف - أن تكون آخر ريشة في آخر جناح يقدر علي الطيران في أجواء مضطربة، علَّها تكفر عن نصيبها من المسئولية باكتشاف ممر مفتوح إلي مستقبل ممكن - بدلا من مستقبل مستحيل؟!!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.