لم أكد أفرغ من مقالي حول بنات الصعيد حتي شعرت أن الامر يحتاج إلي سلسلة من المقالات يمكن بها تغطية الامر بجدية وفاعلية.. فالمسألة المتعلقة بالعمل يجب أن يدركها رجال الاعمال والمجتمع الاهلي وهما جناحان مهمان في منظومة العمل الوطني المخلص . وقد يكون مناسبا في هذا المقام ما تفضل به أ.د. أبوالفضل بدران عميد كلية الآداب بقنا جامعة جنوبالوادي من رؤية عميقة للقضية الحيوية يقول فيها »أثار مقالكم مناقشات عدة في أروقة الصعيد حول التطور الذي رصده بعينه اليقظة ليرصد ما يراه في الواقع لا مايشاهده في المسلسلات التي رسمت صورة نمطية للمرأة الصعيدية التي تبدو بلهاء تارة أو من النساء الدواهي الماكرات تارة أخري وكأن الجامعات لاتوجد في الصعيد ؛ فالمرأة في المسلسل تحمل السلاح وتلبس "البردة" ولكن المقال أعطي المرأة حقها ولعل في المناقشات مع طالبات جامعة جنوبالوادي ما يعطينا الأمل في غد أفضل، فالوعي والجرأة ومعرفة الحق والواجب سمات بدت في كلام الطالبات وهن أدري بمعرفة حقوقهن وواجباتهن. وربما جاء هذا المقال صدمة للذين يودون تثبيت الصورة النمطية للمرأة الصعيدية السينمائية والتليفزيونية.. لم يصدق أحد في حجازة أن امرأة استطاعت أن تقضي علي الحيوان الخرافي الذي يبقر بطون الرجال؟ لقد قاومته بمنجلها ويديها حتي تركته صريعا ، وكأنها أسطورة من زمن غابر.. وكم فرحت عندما كرّمها اللواء مجدي أيوب محافظ قنا ، وتمنيت لو أن كل قنائي بل كل مصري يكرّم هذه المرأة التي غدت رمز البطولة وكم فرحت عندما استمعت إلي مرشحات الحزب لنيل عضوية مجلس الشعب في إطار "الكوتة" النسائية فقد ذكرت أكثر من واحدة أنها تسهم في إتمام الصلح بين القبائل لاسيما في قضايا الثأر حيث تتهم المسلسلات التليفزيونية المرأة الصعيدية أنها من أهم أسباب توارث عادة الثأر والمحرضة الرئيسة عليه ، ولكنها اليوم في محافظة قنا تعمل علي إنهاء الخصومات بل يستعين بها أولو الأمر لتليين رؤوس النساء اللواتي يرفضن الصلح بين القبائل بحجة عدم أخذ الثأر قتلا ، فتذهب إليهن واحدة من جنسهن وتقنعهن أن هذا الثأر لا فائدة منه وأنهن أول من يكتوي بمرارة الفقد والتثكل والترمّل؛ لقد قطعت المرأة القنائية شوطا كبيرا في أخذ حقها فقد غدت عميدة كلية ووكيلة ورئيسة قسم وتكاد تكون نسبة أعضاء هيئة التدريس من الإناث مساوية للرجال في جامعة جنوبالوادي كما أنها صارت وكيل وزارة ومديرة وطبيبة وغير ذلك من الوظائف المرموقة.. ومن يذهب إلي أية مصلحة حكومية أو خاصة في قنا سيجد المرأة في كل الوظائف وهذا بفضل تشجيع القيادات في المحافظة ومنافسة النساء للرجال في أية وظيفة، وقد تفوقن في المدارس والجامعات علي الرجال. وحتي نصل إلي ما نرجو آمل أن نلقي الضوء علي مشكلات المرأة التي تحول بينها وسُلّم القيادة؛ وإذا كانت نسبة العاملات في مؤسسات الدولة تربو علي 70 ٪ قياساً بنسبة الرجال فلماذا لم تصل المرأة في مصر كلها إلي نسبة مُرضية في مجالات تولي القيادة ؟ وليست الإجابة يسيرة كي نختزلها في أمر ونغفل أموراً أخري لكن الواضح أن المجتمع الذي رضي تعليم المرأة وقبل أن تعمل ما تزال في ذهنه رجولة القيادة وتبعية المرأة ، والتراث الذي شرحه بعض الأجداد الذكور وخلّف منظّرين ساروا علي هوي الأجداد مُرجعين تلك الحيلولة بين المرأة والمناصب القيادية إلي متون يُشك في صحتها وإذا صحت فإنها تفتقر إلي شروح يقبلها ذو عقل، فراحوا تارة يرجعون ذلك إلي آراء رجال عُرفوا بعدائهم للمرأة؛ فالمرأة في أذهانهم رجس الخطيئة، وليست المرأة العفيفة الطاهرة؛ وساعدهم علي ذلك إعلام عالمي يري المرأة سلعة أو مروَجة سلعة!!