ما أروع أن يكون في حياتنا مشروع طموح وثاب كمكتبة الاسرة - التي ترعاها - في إيمان ودأب وصبر - السيدة الفاضلة سوزان مبارك الساعية بإصرار واقتدار إلي جعل القراءة روحاً تضئ جوانحنا، ونوراً يهدي خطواتنا، وطاقة تعبر بنا هموم الحاضر، وتجذب همتنا إلي اجتياز عتابات الغد بقوة وثقة، لانها أيقنت بقدرة قطرات الصدق علي أن تصنع نهراً عذباً إذا ما تجمعت وتراكمت في دأب وانتظام، وذلك هو بعينه ما يحاول فعله مشروع مكتبة الاسرة علي مدي سنوات عمره المقترب من العقدين، فقد أتاح للآلاف القارئة التعرف علي مئات العناوين الخلابة التي كان اقتناؤها بالنسبة إلي الكثرة حلماً بعيداً عصياً علي التحقيق، فجعلته مكتبة الاسرة واقعاً نابضاً حياً، وقطفاً دانيا جنياً، أقول هذا بمناسبة انتهائي من قراءة الترجمة العربية المبدعة لرائعة شاعر الانجليزية الفذ »جون ملتون«: »الفردوس المفقود« التي أنجزها قلم الناقد الكبير والمترجم القدير الدكتور محمد عناني، وتصدت مكتبة الأسرة إلي إصدارها في طبعة شعبية زهيدة السعر جداً، رغم عدد صفحاتها المتضخم لاحتوائها علي النص الكامل للملحمة التي تعد علامة حقيقية في التراث الإبداعي للانسانية، فمع عبقرية »ملتون«، ومقدرة »عناني« الفذة حلقت طوال اسبوعين في السماوات الملائكية، وجبت الافاق الاثيرية، علي متن نص بالغ الروعة والجاذبية، ورغم انني كنت في إجازة نقاهة إجبارية فرضها عليّ علامة الطب الدكتور »جلال السعيد« إثر عملية في القلب، إلا أنني لم أشعر بالملل المعتاد في مثل هذه الظروف، فقد أنقذني نص »ملتون« الذي أطل عليّ من نافذة »عناني« علي جناح مكتبة الأسرة من ضيق الانحباس في المنزل، وأعانني علي الخروج من مناخ المرض ومضاعفاته إلي رحب الإبداع الحقيقي الجميل، ولقد شرح لي المترجم القدير الدكتور محمد عناني - عملياً - ما قرأته منسوباً إلي شاعر الألمانية العظيم »فولفجانج جوته«، حين أطلع علي الترجمة الفرنسية لروايته »آلام الفتي فرتر«، فوصفها بأنها إبداع جديد لنصه الذي خطه قلمه، وإعادة أكتشاف له، وهذا - تماما - ما صنعه قلم عناني في فردوس »ملتون« المفقود.