»..عندما تحين ذكري رحيل أبي الكاتب والمفكر محمد زكي عبد القادر في شهر مارس، أشعر بالحنين إلي رسائله التي كان يكتبها لي وأنا ما أزال شابا في مقتبل العمر.. فأعيش معها أسعد اللحظات..« الاثنين: عندما بلغت الخامسة والعشرين، ولم أفكر في الزواج، تلقيت رسالة من أبي الكاتب الراحل محمد زكي عبد القادر يحثني فيها علي الزواج، وأنا بدوري أهدي هذه الرسالة إلي كل شاب عازف عن الزواج ويؤثر حياة الوحدة والعزوبية، وأدعوه إلي قراءتها، والتعمق في معانيها وفلسفتها.. يا بني: أجعل غايتك من الحياة أن تنشيء أسرة سعيدة، أن تضم إلي أحضانك زوجة تعيش معها عيشة الطهارة والنور، كن حريصا فلا تبذل عصارة نفسك وقلبك وكل ما أودعت فيك الطبيعة من صحة وحيوية في اللهو والمتع والرغبات الرخيصة، وثق أن الذي يفعل ذلك يؤذي نفسه وسمعته، ويحكم علي مستقبله بالشقاء والألم، ولئن كان الشباب لا يعبأ بشيء فإن الشيخوخة تعبأ بكل شيء.. لئن كان الشباب لا يهزه العواصف، فإن الشيخوخة تهزها النسمة الضعيفة! وأنت في شبابك اليوم تنتظرك شيخوخة لا ريب فيها، حين تذهب قوتك ويأتيك ضعفك، حين تجول ببصرك فيما قدمت يداك فلا تجد إلا إسرافا ولهوا ورجسا يرسب كله في آخر العمر فيصيبك بالوهن والمرض والعجز، وتتلفت حولك فلا تجد ذراعا حانية تضمك، ولا صدرا حنونا يحمل عنك أوزار حياتك، فبنات الهوي اللائي صاحبتهن في شبابك لا يعرفنك اليوم ولا يطرقن بابك لأنه باب عاجز محطم، تضطرب قدماه في الحياة!! أما زوجتك فشريكتك علي البأساء والنعيم.. في أحضانك وأنت شاب، وبجانبك وأنت شيخ، قطعتما معا طريق الحياة، فتآلف قلبكما، وامتزجت نفساكما، إنها الكنز الذي تحتفظ به ليوم شيخوختك، ليوم حاجتك وضعفك.. وأطفالك هؤلاء الذين يملأون عليك الحياة نعيما، ويجعلونها فردوسا، ويوم تدرك شيخوختك يكونون قد شبوا رجالا تقر عيناك بهم، وتغمضهما الاغماضة الأخيرة، وخيالاتهم المحبوبة تحيط بك فتملأ حياتك، كما تملأ موتك أحلاما ونورا! فكر في الزواج وأعمل له، اجعله هدفك في الحياة، لا تفعل كما يفعل بعض الشباب، تقضي وقتك في اللهو والمتعة الزائلة وفي تخيلات غرامية تضني جسدك وعقلك وتصيبك بالأمراض والعلل، وتسرق وقتك الذي هو عماد مستقبلك وسعيك. لا تفعل كما يفعل آخرون، تستهويهم فتاة لعوب فيبذلون تحت أقدامها عصارة قلوبهم وأفئدتهم، ولا تحاول إغراء الفتيات من ذوي الأسر الكريمة، وتغزو قلوبهن المطمئنة، وتقودهن إلي الإثم والخطيئة فتهدم البيوت السعيدة الآمنة. ما أجدرك أن تسمو برجولتك عن كل هذه الصغائر، وأن تجعل حياتك حيث أرادتها الطبيعة، وحيث رسمها الله الذي خلقك.. تعمر الأرض وتزيدها بهجة وجمالا. رحم الله الآباء ! الثلاثاء: قال لي والدموع تكاد تقطر من عينيه: مسكين الأب الذي يتقدم به العمر، فهو إما ميسور الحال وعنده مال وفير، وفي هذه الحالة يجد نفسه محاطا برقابة شديدة من أفراد أسرته، هي أشبه بالاعتقال خوفا من أن يتصرف في هذا المال وإما أن يكون فقيرا يعيش حياته عالة علي غيره، وهنا يهرب منه الأقربون، ويتنكر له الأكثرون، وقد يبر به الأقلون علي كره ومضض، وكأنه لم يسهر الليالي لكي يفي بما يحتاجه أولاده وزوجته، وكأنه لم يحزن ويتألم إذا أصاب أحدهم مرض أو مكروه، كل هذا يصبح منسيا، وما أسرع ما ينسي الإنسان!! ويستأنف الرجل الذي جاوز السبعين من عمره حديثه قائلا: وما أكثر ما أوصت الأديان بالآباء والأمهات.. رفعتهم في مصاف القديسين والقديسات.. ولكن للأسف الشديد لا الفقر ينفع في إثارة العطف علي الأب، ولا الثروة تنفع في حمايته من الأذي منهم، ولا الدم المشترك حفظ أصحابه من تبادل الحقد والكراهية!! ثم يضرب الرجل كفا بكف ويقول في أسي: رحم الله الآباء والأمهات، ومن فضل الله عز وجل أن جعل الدنيا قصاصا، فليتذكر الأبناء أنهم قد يشربون يوما من الكأس نفسها!! قانون النجاح.. في الحياة ! الأربعاء: أمنية أي إنسان في الحياة أن يصبح شخصية مرموقة ومشهورة لها مركزها وأهميتها ووزنها في المجتمع وأن يكون معروفا بالاستقامة والجدية والخلق الكريم والتمسك بالمباديء ولكن ما أبعد الفرق بين هذه الأمنيات والحقيقة والواقع، فإن معظم الناس تنتهي حياتهم وهم مغمورون لا يعرفهم أحد ويقضون الجانب الأكبر منها في السعي وراء المكاسب السريعة والمطامع والشهوات لا يأبهون بالخلق أو الفضيلة.. ولا يستطيعون مقاومة ما في داخل نفوسهم من نوازع الضعف والإغراء.. والشيء الذي يفصل بين الفضيلة والرذيلة خيط رفيع، ولكنه شديد المتانة، ذلك لأنه يستند إلي أربع قواعد قد يستهين بها البعض ولكننا إذا أمعنا النظر فيها لوجدناها أضمن السبل إلي النجاح والقوة.. هذه القواعد نادي بها أحد حكماء الزمن القديم وهي: أن تحفظ كلمتك وأن تفي بديونك وأن تكون مثابرا ومواظبا وأن ترد ما تستعيره من غيرك.. إن حفظك واحترامك لكلمتك معناه أن تفي بما وعدت به فهناك من الناس الذين يكثرون في الوعود وإذا جاء وقت الوفاء بها وجدتهم يحاولون التملص منها بشتي الوسائل.. الكذب والتحايل والخداع.. وهذا ما يأباه الخلق الطيب الكريم. وإذا نظرت إلي القاعدة الثانية وهي الوفاء بديونك فإنها تنطوي علي أسمي نوازع الخير والفضيلة، والدين هنا قد يكون مالا أو عرفانا بالجميل، أو حقا للوطن الذي تنتمي إليه أو للجماعة التي تعيش بينها. أما أن تكون مواظبا وتعرف مواعيدك وتحرص عليها فإنها خصلة قل أن توجد في الكثيرين رغم أنها لا تكلف شيئا!! وعن القاعدة الرابعة وهي أن ترد ما تستعيره من غيرك فقد تتداخل في القاعدة الأولي ولكن المقصود بها أن تكون أمينا علي حاجات وممتلكات الغير التي استعرتها لفترة محدودة.. وعلينا ردها في موعدها. هذه هي الفضائل اليومية التي إذا استطعت أن تحققها كللت مساعيك وأعمالك بالنجاح، وأحبك الناس وسعوا إلي معرفتك ومعاونتك وأصبح اسمك نظيفا ساطعا كضوء الشمس.. فما أحوجنا في هذه المرحلة بالذات ونحن نخطو نحو النمو والتقدم أن نتمسك بهذه القواعد الأربع فإن مصيبتنا تجيء من الأخلاق أكثر مما تجيء من الفقر والجهل!! الشحاذ الفيلسوف...! الخميس: السلام عليكم.. وعليكم السلام.. بما أن يدك اليمني خالية، فإن الآداب الشرقية تحتم عليك أن تصافحني!! من أنت.. إنني لا أعرفك.. وماذا تريد؟ أرجوك لا تخاطبني بهذه اللهجة، فأنا رجل أصنع الخير للعالم، ولي إخوة صغار، لاحظ إنني لا أقول عندي أولاد صغار كما يقول غيري من الشحاذين إن إخوتي الصغار يريدون العشاء.. مالك تنظر إلي هكذا، ألا يعجبك كلامي، وما دمت أنا لا أملك ثمن عشائهم، فلماذا لا تدس يدك في جيبك وتخرج ورقة بخمسة جنيهات، وتعطيها لي؟ أذهب وأطلب من شخص آخر غيري هذا الطلب!! قلت لك لا تخاطبني بهذه اللهجة يا حضرة، فأنا لست شحاذا عاديا وأدفع الخمسة جنيهات بالتي هي أحسن!! وإذا لم أدفع فماذا ستصنع أنت!! أنك تكون قد أهنت كرامة الإنسانية المعذبة، وأغضبت ملائكة الرحمة في مضاجعهم السماوية، فحرمت نفسك من دخول الجنة!! ويقول الراوي: وانتهزت فرصة انهماكه في الحديث، وقفزت في أول أتوبيس وصل إلي المحطة، وبذلك حرمت نفسي من دخول الجنة، وتخلصت من غلاسة هذا الشحاذ الفيلسوف!! الوجه الآخر للحب!! الجمعة: هي: هل تحبني؟ هو: أنت تعرفين كم أحبك. هي: لماذا تحبني؟ هو: لجمالك الباهر .. وعينيك الساحرتين. هي: هل بحثت عن حقيقة هذا الجمال؟ هو: لماذا أرهق نفسي بالبحث ما دمت سعيداً به. هي: ألم تفكر فيما يخفيه وراءه؟ هو: لا أفهم ماذا تقصدين؟ هي: أقصد من الناحية البيولوجية!! هو: أرجو أن توضحي كلامك هي: هذا الوجه الجميل الذي تراه أمامك وهاتان العينان الساحرتان ، هل تعرف ماذا يختفي وراءهما من شرايين وأوعية دموية وأنسجة وأعصاب؟ هو: لا أريد أن أعرف .. ويكفيني ما أشاهده فيك من جمال. هي: أنت تهرب من الحقيقة! هو: أنا لا أهرب .. إن معرفتي بالحقيقة قد تفسد علي سعادتي وخيالي وأحلامي. هي: هل تعرف حقيقة الحب؟ هو: أعرف أنه مصدر للسعادة. هي: ألم تفكر فيما يخفيه وراءه من نفاق وخداع وكذب وخيانة! هو: ولكني سعيد بالحب .. فلماذا أشغل نفسي بهذه الأوهام والشكوك. هي: إنها الحقيقة التي تكشف لنا الحب الصادق من الحب الكاذب. هو: تقصي الحقيقة والبحث وراء كل شيء يفسد هذا الجمال ويحوله إلي قبح. هي: إن معرفة الحقيقة عنصر أساسي في الحياة. هو: إذا بحث الإنسان عن حقائق الأشياء .. لما وجد في الدنيا شيئاً واحداً جميلاً! هي: ما عدا الحب! هو: ألم تقولي منذ لحظات أن الحب أيضاً له وجه آخر؟ هي: حتي لو كان كذلك ، فهو أجمل شيء في الوجود ، ولا يستطيع إنسان أن يعيش بغير حب! ابتسم للحياة ! كانوا ثلاثة علي مائدة الشراب أيام شبابهم، الشاعران شوقي وحافظ ابراهيم، أما الثالث فقد كان شيخا معمما، وإذ انبعث صوت المؤذن يؤذن للعشاء، ألقي الشيخ المعمم الكأس من يده ونهض للوضوء والصلاة، فقال شوقي علي الفور: الشيخ قام يصلي ونحن نشرب عنه، فأتم حافظ الكلام قائلا: تقبل الله منا، ولا تقبل منه.. ذهب أحد الأشخاص إلي مكتب زواج يطلب زوجة غنية مهما يكن شكلها، وحدد له المكتب موعدا ليري العروس المرشحة، فلما رآها أخذ يهمس في أذن الموظف: يا سيدي إن شعرها أكرت، وعيونها عمشاء، وأسنانها مخلوعة وسيقانها ملتوية.. فقاطعه الموظف قائلا: تكلم بصوت مرتفع.. إنها طرشاء أيضا!!