أحسب اننا جميعا نلاحظ الكم الهائل من المهاترات والحجم الكبير للضجة السائدة والمثارة من جانب بعض القوي السياسية، وبعض المرشحين الذين جانبهم التوفيق في الانتخابات التي انتهت جولتها الاولي منذ يوم وبعض يوم. وأحسب أنه اصبح لافتا للانتباه ايضا تلك المحاولات المبذولة من بعض أجهزة الاعلام، وفي بعض الصحف الخاصة وبعض القنوات الفضائية للترويج لحدوث مخالفات جسيمة في العملية الانتخابية.. والادعاء بعموم وشمولية هذه المخالفات بما يعطي انطباعا عاما بغيبة الانضباط عن العملية الانتخابية، وغياب الشفافية والنزاهة فيها. وبالرغم من توقعنا، قياسا علي السوابق المألوفة من هذه الصحف، وتلك الفضائيات ذات الميل شبه الدائم للنيل من مصر، أن تزداد الضجة ساعة بعد ساعة، وان ترتفع حدة المهاترات يوما بعد يوم، وحتي الأحد المقبل موعد جولة الإعادة،...، إلا اننا لابد ان نقول بوضوح، ونسجل بأمانة ان ما جري في مصر يوم الاحد الماضي 28 نوفمبر كان في محصلته النهائية فعلا ايجابيا يستحق الاشادة به، ويستحق التوقف أمامه بالتقدير والتأييد والمساندة.
لا نقول ذلك مجاملة للجنة العليا للانتخابات، التي نظمت وأدارت واشرفت علي العملية الانتخابية لأول مرة في تاريخ مصر، بكل أمانة وشرف ومسئولية، رغم ان ذلك حدث ويستحق الاشادة والتقدير. ولا نقول مجاملة لوزارة الداخلية ورجال الشرطة الذين وفروا التأمين الكامل للمقار الانتخابية في كل الدوائر ووفروا الامن للناخبين، والحماية للمرشحين طوال اليوم وبامتداد عملية التصويت والفرز، وتحملوا رزالات كثيرة واستفرازات أكثر وكانوا علي أكبر قدر من المسئولية والحيدة والحزم والوعي ايضا. ولا نقوله أيضا مجاملة للاعلام الرسمي للدولة في التليفزيون والاذاعة الذي قام بجهد هائل لمتابعة العملية الانتخابية في كل الدوائر وفي كل محافظات ومدن ومراكز وقري مصر ونقلها علي الهواء مباشرة منذ لحظة بدئها في الثامنة صباحا، وحتي عملية الفرز، وجعلها شفافة أمام الجميع، مما أوقع أجهزة الاعلام ذات الغرض ، والفضائيات ذات المرض في حرج بالغ ونال من مصداقيتهم. ولكننا نقوله للدولة المصرية بكل مؤسساتها وأجهزتها السياسية والتنفيذية والأمنية، التي اعلنت منذ البداية ضمان اكبر قدر من النزاهة والشفافية للانتخابات وقد فعلت.
ونحن هنا لا نقول بأنه لم تكن هناك بعض الاخطاء شابت مجريات العملية الانتخابية في بعض الدوائر، ولا ندعي انه لم تكن هناك بعض السلبيات عكرت صفو بعض الدوائر الانتخابية، كما اننا ايضا لا ننكر وقوع بعض عمليات العنف في بعض دوائر الصعيد والوجه البحري والقاهرة، ولا نقول بأنه لم تكن هناك اشتباكات وتشابكات بالايدي وبالسلاح في بعض هذه الدوائر . ولكننا نقول ان هذا حدث، ولكنه لم يكن عنفا ممنهجا من قبل اي جهة من الجهات في الدولة، ولم يكن علي الاطلاق في اطار خطة موضوعة من جانب أحد أو جهة تابعة للحكومة، أو اي جهاز يمت لها بصلة رسمية أو غير رسمية. ولكنها في مجملها وتفاصيلها، كانت أحداثاً فردية، تعود في مجموعها، الي المرشحين، ومن يناصرهم، او يلتفون حولهم، من الاقارب، والعصبيات، او الموالين، أو حتي المستأجرين في بعض الحالات،...، وجميعها تقريبا كانت تستهدف المرشح المنافس وأنصاره، وسط سخونة العملية الانتخابية، وما تؤدي اليه من الانفعال الزائد عن الحد، أو الخارج عن حدود السيطرة. وفي كل هذه الأحوال، ورغم انها في مجموعها لا تمثل الا نسبة محدودة جدا من اعداد اللجان الانتخابية علي مستوي الجمهورية،...، إلا ان الشرطة تصدت لها بحزم وبكل الجدية الواجبة،..، وفي الحالات التي ادت الي المساس بسلامة صناديق الانتخابات، او شبهة العبث بها، قامت اللجان العامة بالغاء هذه الصناديق فورا، وتجنيبها من عملية فرز الاصوات،..، اما الحالات التي زادت عن ذلك ووصلت الي شبهة العبث بعدد كبير من الصناديق، فقد تم الغاء الانتخابات بهذه الدوائر او تلك، بعد الرجوع الي اللجنة العليا للانتخابات. وهذه كلها تثبت الالتزام المعلن والواضح من جميع المسئولين عن العملية الانتخابية بالحفاظ علي سلامتها، والنأي بها عن اي شائبة، او تقصير، وان تكون بالشفافية والحيدة الواجبين.
وفي هذا الاطار لابد ان نشير الي ذلك السقوط المدوي لجميع الدعاوي التي روج لها البعض بسوء القصد، طوال الاسابيع والايام الماضية ، مؤكدين علي ان يوم الانتخاب سيكون يوما دمويا، وسيكون يوما مشهودا في التزوير والعنف، وكأننا علي شفا حرب أهلية،...، ولكن ذلك لم يحدث، وخاب فألهم. وكان القصد السيء واضحا، وهو ترويع المواطنين، ودفعهم دفعا لعدم المشاركة في الانتخابات، والنأي بأنفسهم عن التواجد في ساحة المعركة، او الحرب المتوقعة من جانب هؤلاء المبشرين بالسواد وإسالة الدماء. وكان القصد أيضا ترسيخ الفهم المغلوط والخاطيء في اذهاب عموم الناس، واقناعهم بعدم جدوي المشاركة في العملية الانتخابية، طالما ان اصواتهم سيتم تزويرها مع سبق الاصرار والترصد. وفي هذا الشأن لابد ان نؤكد علي ان خيبة هؤلاء تعود في المقام الأول الي وعي المواطنين، من عموم الناس في مصر، الذين اسقطوا هذه الدعاوي، ولم يلتفتوا الي تلك الشائعات، وكشفوا بحسهم الوطني الخالص مدي الكذب والادعاء، وسوء القصد في ذلك كله، فكانت مشاركتهم هي ابلغ رد علي هؤلاء المرضي،..، وكانت مشاركتهم تعبيرا واضحا ومؤكدا علي ثقتهم في قدرة مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية علي ادارة العملية الانتخابية باكبر قدر من الشفافية والنزاهة.
وفي ذلك المقام لابد ان نشير ايضا، الي الحكمة والوعي الذي اتسمت به ادارة الحزب الوطني الديمقراطي، وهو حزب الاغلبية، لمجريات العملية الانتخابية منذ بدايتها، وطوال يوم الانتخابات، والحرص الشديد من جانب الحزب علي التزام جميع اعضائه وكوادره في جميع الدوائر الانتخابية، بأقصي قدر من الهدوء في ظل تعليمات واضحة ومؤكدة للكل بعدم الخروج عن القانون، وعدم الانزلاق الي المهاترات والعنف، الذي يسعي البعض لاستدراجهم اليه،...، ولقد كان لذلك اثر بالغ لمسناه جميعا في مجريات الامور يوم الاحد.
واحسب انه لابد من الاشارة الواضحة ايضا في هذه القراءة السريعة لما حدث وما جري يوم الانتخابات الي ظاهرة بدأت تفرض نفسها علي الساحة السياسية المصرية في الاشهر الماضية، وقبل العملية الانتخابية التي جرت الأحد الماضي، وهي التواجد المحسوس والملموس والظاهر علي ارض الواقع للاحزاب السياسية، واقصد هنا الاحزاب الشرعية للمعارضة، والتي تواجدت في الشارع بشكل واضح، وشاركت بفاعلية في الانتخابات، وهو ما كان له بالغ الاثر في انزواء غيرهم من القوي غير الشرعية، وكشف اغراضهم واهدافهم ونواياهم. واذا كان لنا ان نتحدث بوضوح وشفافية في ذلك، وهذا ضروري ولازم، فلابد ان نقول ان تلك الظاهرة الايجابية تعود في جزء كبير منها الي ذلك التطور والتحديث الكبير الذي جري في الحزب الوطني خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما دفع بالاحزاب الي البدء في تطوير نفسها، والسعي للتواجد علي الساحة وبين الجماهير، وهذا شيء جيد لا بد من دعمه ومساندته، حيث انه يؤدي بالقطع الي دعم وتعميق الديمقراطية، التي هي في حقيقتها نتاج مباشر للتعددية، التي تتأكد بوجود احزاب قوية.
ونقول لجميع المرشحين الذين خاضوا غمار الانتخابات انه في كل سباق عادل، او منافسة شريفة، لابد ان يكون هناك من يفوز، ومن لا يحالفه الحظ، او من لم يصبه التوفيق، وعلي الجانبين، وفي كلتا الحالتين، حالة التوفيق، او عدم التوفيق، لابد من بحث النتائج بموضوعية، والوقوف علي دلالاتها، وما تشير اليه،...، ومعرفة الاسباب والمقدمات التي أدت اليها. والانتخابات في حقيقتها، وجوهرها، سباق حر وديمقراطي بين ممثلي الاحزاب، والقوي السياسية في المجتمع، في تنافس شريف للحصول علي ثقة الناخبين والوصول الي البرلمان، كنواب للشعب وممثلين له، ومعبرين عن رؤاه وأرأئه ، في جميع القضايا، والمواقف الوطنية والقومية. وهم في ذات الوقت الحاملين لمسئولية الرقابة والتشريع،... وهي مهام ثقيلة المبني، جسيمة المعني، تحتاج الي عقل راجح، وحكمة بالغة، وقدرة علي التواصل مع الجماهير، والإحساس بهم، والتفاعل معهم، وخدمتهم، وتلبية احتياجاتهم، وحسن التعبير عنهم،..، وقبل ذلك ومن بعده القدرة والكفاءة علي القيام بمهمة الرقابة، وتحمل مسئولية التشريع. ومن هنا فاننا نتمني ان يكون من فاز بثقة الجماهير علي قدر المهمة والمسئولية،...، وان يدرك من لم يوفق ان عليه ان يبذل اقصي الجهد كي ينال ثقتهم في المرة القادمة.
والآن ... إذا كان لنا ان نحيي احداً في هذا اليوم فمن الواجب علينا ان تكون التحية لشعب مصر.، والدولة المصرية، وذلك تقديرا للشعب الذي كان علي قدر كبير من الحكمة والوعي بحيث افسد علي المغرضين غرضهم،..، وأيضا تقديرا مستحقا لأجهزة الدولة ومؤسساتها التي التزمت بما وعدت به من الشفافية والنزاهة، وأوفت بما وعدت.