بالقطع من حق أي مواطن مصري أن يترشح لأي منصب أو موقع في هذا الوطن الذي ينتمي إليه باعتباره ابنا من أبنائه،....، وهذا الحق يندرج علي كل مواطن يري في نفسه الصلاحية لهذا المنصب، شريطة أن تتوافر لديه الصلاحية بالفعل، وأن يكون أهلا للمنصب. وبالقطع لا يكفي فقط الجزء الأول، أي أن يري هو في نفسه الصلاحية للمنصب، والأهلية للمكان، أو أن يري بعض الناس من أصدقائه، أو مريديه، إذا صح التعبير، أنه صالح للمنصب، وأهل للمكان،....، ولكن الأمر يقتضي أن تتوافر لديه الصلاحية، والأهلية، طبقا لما هو وارد في الدستور، والقانون بخصوص ذلك. هذا هو المعمول به في جميع الترشيحات الخاصة بالانتخابات في أي مكان من العالم، وفي أي دولة من الدول، سواء كانت هذه الترشيحات وتلك الانتخابات لأدني أو أصغر أو أبسط المواقع، أو لأرفعها، وأعلاها، قدرا وموقعا، ومكانة. وبغير ذلك يصبح الأمر مجرد مزحة، أو فكاهة، أو نوعا من السفه والاستعباط،....، وهذا لا يصح ولا يجب أن يكون علي الإطلاق في مسألة مثل الترشيح أو في قضية مثل الانتخابات مهما كان موقعها أو الهدف منها، سواء كان الأمر متعلقا بانتخابات الاتحادات الطلابية، أو النقابات المهنية، أو المجالس الشعبية المحلية، أو الوحدات الحزبية، وصولا إلي الأمانات الحزبية، وانتهاء بانتخابات مجلسي الشعب والشوري. وفي كل تلك الانتخابات، يكون الترشيح لها متاحا لكل من تنطبق عليه الشروط ومن تتوافر فيه الصلاحية، والأهلية للمنصب أو المكان محل المنافسة، وفقا لما هو وارد في ذلك، سواء في اللائحة الخاصة، أو القوانين المنظمة،....، وفوق ذلك كله، ومن قبله وبعده، وفقا لما هو وارد في هذا الشأن في الدستور. هذه قضية محسومة، ولا تقبل الجدل أو النقاش، كما أنها لا تقبل التفافا علي الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك في الترشح للانتخاب في كل تلك الأماكن والمناصب فما بالنا بالترشح لأرفع المناصب وأعلاها قدرا في أي وطن من الأوطان، وأي دولة من الدول،....، وهو منصب رئيس الدولة وزعيم الوطن. وفي هذه الحالة، علي وجه الخصوص، أوقن أن المنطق الوحيد والمقبول منا جميعا نحن أبناء هذا الوطن، يقول بأن المرشح لهذا المنصب الرفيع يجب أن يكون مثالا يحتذي به في الالتزام بالقانون والدستور وليس أقل من ذلك علي الإطلاق.
وانطلاقا من ذلك، وتأسيسا عليه، يدهشني أشد الدهشة تلك الضجة التي يحاول البعض افتعالها، هذه الأيام، ومنذ فترة دامت شهورا، حول الترشيح لرئاسة الجمهورية،....، ويستوقفني بقوة، ذلك الإصرار الواضح من هؤلاء البعض علي قلتهم للإيحاء بأن هناك قضية خاصة بذلك الأمر، وأن الضجة لها ما يبررها، بوصفها انعكاسا طبيعيا، وإفرازا تلقائيا لهذه القضية، وأن الدخان الذي يحاولون الإيحاء بوجوده، ناتج عن نيران موجودة بالفعل ،....، وهذا كله للأسف غير حقيقي، وليس موجودا علي أرض الواقع،....، ولكنه للأسف موجود وبقوة في نفوسهم، هم فقط، وفي عقولهم، هم فقط. وفي هذا الإطار، رأيناهم يعمدون إلي الترويج وبإلحاح شديد، لفرضيات خاطئة مغلوطة، وباطلة،....، وليس لها أساس، أو وجود علي أرض الواقع علي الساحة السياسية، والاجتماعية ثم أخذوا يقيمون عليها العديد من النتائج، والتداعيات، متجاهلين عن عمد تلك البديهية التي يعرفها الجميع، بأن ما بني علي باطل، هو باطل،....، ومتجاهلين في ذات الوقت، أنها مجرد أوهام سيطرت علي عقولهم، وصورت لهم إمكانية فرضها علي الجميع بالضجة العالية، وكثرة الإلحاح المرضي، والنفخ فيها بصفة دائمة بهدف التضخيم ولفت الانتباه، وجذب الاهتمام.
وإذا ما نظرنا إلي حقيقة هذا الأمر، بعيدا عن محاولات خلط الأوراق الجارية أمامنا الآن، وبعيدا أيضا عن الضجة المفتعلة والمتعمدة، وحاولنا التدقيق فيه بموضوعية متجردة، لوجدنا أن هناك عدة نقاط لابد من التوقف عندها، وإلقاء الأضواء عليها، حتي تستبين الأمور، وتتضح الصورة. الأولي: أن الحديث الآن عن الانتخابات الرئاسية في مصر يأتي في غير أوانه، وفي غير سياقه، حيث إن مدة الرئاسة الحالية تمتد إلي الربع الأخير من عام 1102، وهو ما يعني أن الوقت مازال مبكرا جدا علي أن توضع هذه القضية موضع الطرح والنقاش، حيث إنه مازال أمامنا ما يقارب العام ونصف العام أو يزيد قليلا. والثانية: أن البرنامج الرئاسي الذي حاز ثقة الجماهير، وتم انتخاب الرئيس عليه يجري تنفيذه في جميع نواحيه وبنوده، ويسير بخطي متسارعة علي جميع مستوياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحقق نتائج واضحة وملموسة علي أرض الواقع، من خلال ما تم إنجازه في الأعوام التي مضت منذ البدء في تنفيذه، في إطار الخطة الشاملة والمحدد لها ست سنوات، ومازال باقيا منها عام ونصف علي الأقل. والثالثة: أنه بينما المعمول به في جميع النظم الديمقراطية في العالم، والتي يعتبرها أصحاب الضجة المفتعلة، مثالا يحتذي به في مسألة الترشح والانتخابات، هي الالتزام الكامل بنصوص الدستور والقانون، والمراعاة الكاملة بأن تتوافر فيمن يريد خوض الانتخابات لهذا المنصب الرفيع، جميع الصلاحيات المنصوص عليها والواردة في الدستور، حتي تكون لديه الأهلية لخوض هذه الانتخابات أو الترشح لخوضها، نجد أن هؤلاء المثيرين للضجة المفتعلة يفعلون عكس ذلك علي طول الخط،....، وليس هذا فقط، بل ويطالبون بتعديل الدستور كي يتوافق مع ما يريدون،...، ولكنهم في ذلك أيضاً لا يريدون الإلتزام بما جاء في الدستور بهذا الخصوص.
أي أن المطلوب من وجهة نظر ورؤية هؤلاء المثيرين للضجة هو أن يتم إعادة تفصيل مواد الدستور حتي تصبح علي مقاس رؤيتهم، ومن يختارونه لخوض الانتخابات، متجاهلين أن الدستور قد تم تعديله بالفعل خاصة تلك الفقرات والبنود الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية في إطار الإصلاحات الدستورية التي تمت بالفعل،....، ومتجاهلين أيضا أن الدساتير لا يتم تفصيلها أو تعديلها كي تناسب مقاس الأشخاص، بل إن المنطق والشرعية يحتمان أن تتوافق قناعاتهم ومواقفهم وسلوكياتهم تجاه أي قضية من القضايا، مع ما هو وارد بشأنها في الدستور والقانون. ومتجاهلين في ذات الوقت أن هناك طرقا، ووسائل وأساليب منصوصا عليها في الدستور، لتعديل أي بند من بنوده، أو مادة من مواده، إذا كان ذلك واردا أو مطروحا، بوصفه ضرورة علي المستوي القومي، تحتمها متغيرات اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية، عامة وأساسية، تستوجب التعديل أو التغيير في الوثيقة الأساسية المنظمة والحاكمة في الدولة المصرية وهي الدستور. وأحسب أن هؤلاء جميعا يحاولون تجاهل مدي الغرابة اللافتة للنظر، والداعية للعجب، في المشهد الذي يحاولون فرضه علينا كواقع الآن ومنذ شهور، والمتمثل في ذلك الهابط علينا، بعد طول غياب واغتراب عن مصر كلها، وعن العمل في الشارع السياسي بطوله وعرضه، ليطرح نفسه كمرشح محتمل للرئاسة خارج إطار جميع النظم والقواعد المنظمة لذلك، وفقا للقانون والدستور،....، ثم يطالبنا بتعديل هذه النظم وتلك القواعد، كي تتوافق مع مواصفاته، وتتفق مع حجمه ومقاسه،...، وأحسب أن ذلك في حد ذاته يخرج عن نطاق العقل والمنطق، وليس معمولا به علي الاطلاق في أي دولة من الدول، تحترم دستورها وقوانينها.
وفي هذا الخصوص، أحسب أنه من الضروري القول بوضوح شديد، وشفافية كاملة، أنني لست مع الذين يهاجمون أي مرشح مفترض لأي منصب، أو أي مصري يريد أن يطرح نفسه لخوض الاتنخابات، في أي موقع، أو لأي منصب، لمجرد القول عنه، أو منه، أو ممن أعطوا لأنفسهم الحق بالتحدث باسمه أو نيابة عنه، و ما تواتر هنا وهناك عن أنه يفكر، أو يرغب، في الترشح للرئاسة، أو لغيرها، في مصر، وأنه يترقب الفرصة، ويهييء نفسه لخوض الانتخابات القادمة في الربع الأخير من العام القادم. وأري أن هذا حق كل مواطن، الذي كفله له الدستور، والقانون، إذا ما استوفي الشروط المؤهلة لذلك، وسار في الإجراءات الواجبة، بنص الدستور، وحكم القانون في هذا الشأن، وفقا لما هو معلن، وما هو معروف. وذلك انطلاقا من كون هذا المرشح، أولا وأخيرا، مواطنا مصريا، له نفس الحقوق، وعليه نفس الواجبات، التي يتمتع بها، ويلتزم بها، أي مواطن مصري آخر، بلا زيادة، ولا نقصان، وتنطبق عليه نفس الشروط، وذات الإجراءات، التي نص عليها الدستور، وكفلها القانون، لكل مصري يريد أن يترشح لهذا المنصب الرفيع، ويريد خوض الانتخابات من أجل ذلك. ولست مع الذين يقولون، بأن أي مرشح افتراضي، لا يصح له الترشح، لكونه من أصحاب الجنسية المزدوجة، لسبب بسيط،....، وهو أني من المصدقين لأي مواطن مصري، إذا ما قال، إنه مصري فقط، وليس له جنسية أخري، سواء كانت نمساوية، أو أمريكية، أو غير ذلك. نعم أصدق كل من يقول ذلك،....، ومن حقه علي كل الناس أن يصدقوه إذا ما قال ذلك، وأكده، كما أن من حقه علينا، وعلي غيرنا، أن نصدق ما يقول، طالما أنه ليس هناك من الوقائع، والوثائق، ما يؤكد كذب الرجل، أو ينفي ما يقول. ولست ممن يوافقون علي القول بأن أي مواطن، لو كان غائباً عن مصر لسنوات طويلة، ليس من حقه أن يطرح نفسه علي الساحة السياسية كفاعل نشط علي هذه الساحة، بحجة أن ذلك لم يكن في يوم من الأيام موضع اهتمامه، أو محل انشغاله، طوال الثلاثين عاما الماضية التي قضي أغلبها خارج مصر،....، وعدم موافقتي علي ذلك القول رغم وجاهته، ومعقوليته، ترجع في جوهرها وأساسها لرفضي التام للجور علي الحقوق المشروعة لكل المواطنين، في إطار الدستور والقانون.
ولست أيضا من الساعين إلي التقليل من شأن أي مرشح أو راغب في الترشح، أو التخفيف من وزنه، فذلك لا يصح، ولا يليق، ولا يجب السعي إليه بأي حال من الأحوال،...، بل علي العكس من ذلك، أري أنه من الضروري والواجب أن يتوافر لكل مرشح أو راغب في الترشح كل الاحترام اللائق، والتقدير المستحق من العامة والخاصة في مصر، بوصفه مواطنا مصريا يري في نفسه الجدارة لهذا المنصب، وتنطبق عليه كافة الشروط المؤهلة لذلك، وفقاً للدستور والقانون. وأحسب إننا لا نحتاج إلي القول، بأنه يتساوي في ذلك كل المصريين بلا استثناء، ودون تمييز، سواء في ذلك من عمل في الداخل في أي موقع من المواقع، أو عمل في الخارج، وتبوأ مركزا دوليا مرموقا، وحصل نتيجة لذلك، علي أعلي جائزة تقدير دولية وهي جائزة نوبل. ولكني أقول في ذات الوقت، وبكل الوضوح والمباشرة، إن جائزة نوبل رغم احترامنا الكبير لها وتقديرنا البالغ لمن حصلوا عليها، لا تعطي ميزة في الانتخابات ولا تعد علي الإطلاق جوازا للمرور إلي أي منصب، كما أنها بالقطع ليست شهادة إعفاء تضع الحاصلين عليها في مرتبة فوق الدستور والقانون أو تجيز لهم عدم الالتزام بنصوص الدستور أو الخروج عن أحكام القانون، في أي شأن من الشئون، أو أي أمر من الأمور،....، وهذه بديهية، أعتقد أننا جميعا ندركها ونؤمن بها.
وقد قصدت أن أقول ذلك بكل الوضوح والشفافية والمباشرة، حتي يكون راسخاً في أذهاننا جميعاً أن هناك قواعد وأسس محددة وقواعد معروفة تنظم عملية الترشح للانتخابات، وتسري علي كل المواطنين بلا تفرقة ودون تمييز، وفقا لنصوص الدستور والقانون، وإن كل المصريين في ذلك سواء بسواء. وقصدي في ذلك واضح، وأراه ضرورة لازمة، في ظل ما نسمعه ونشاهده، طوال الأيام والأسابيع الماضية، من رغبة جامحة استولت علي أفراد »الجوقة« أو الجماعة التي التصقت بأحد المرشحين المفترضين، منذ هبوطه في مصر، بعد الاغتراب والبعاد، للهجوم علي كل من يتناول حالته بالنقاش أو البحث، من قريب أو بعيد، بدعوي أن ذلك ينطلق من رغبة في التهجم عليه، أو الحط من شأنه. والغريب أن هؤلاء يتجاهلون في ادعائهم هذا، تلك البديهية التي تقول بأنه من الضروري، بل والواجب، علي كل مهتم بالشأن العام في مصر، وكل من يعمل في الصحافة أو الإعلام، أن يتناول حالة المرشح الإفتراضي، بالبحث، والفحص، والدراسة، هو وأفكاره، ورؤاه، ومشروعه، إذا كان لديه شيء من ذلك، طالما أنه وضع نفسه هذا الموضع، وطرح نفسه هذا الطرح. والقصد واضح أيضا، في ظل ذلك الإدعاء الخاطيء الذي يروج له البعض ممن التصقوا بهذا المرشح الإفتراضي، الهابط علي مصر بعد طول غياب،...، إنه وهم وحدهم المالكون للحقيقة، والمحتكرون لها، وإنه وهم وحدهم، المنادون بالإصلاح، والداعون للتحديث، والراغبون في التغيير،...، وأن أحدا دونهم لا يملك الحق في الحديث عن ذلك، أو القول بغير ذلك.
والآن،...، أحسب أنه بات واضحاً لنا جميعاً، إننا أمام محاولة خبيثة، وفجة لاختطاف نداءات التجديد ومساعي الإصلاح، ممن بدأوها وبشروا بها، وعملوا من أجلها، وأخذوا في تنفيذ ذلك وفقا لخطة واضحة، وبرنامج شامل، حصل علي ثقة الشعب، وموافقة المجتمع، منذ خمس سنوات، ويتم تنفيذه بالفعل وفقا للبرنامج الزمني المحدد والمعلن.