· هدوءه وغموضه.. والقواعد المرعبة في جهاز المخابرات المصرية تحول دون تفكيره في التورط في نزاع أو منافسة علي السلطة · صلاح نصر وفؤاد نصار مثال واضح علي رفض رؤساء المخابرات الحاسم لمواقع متقدمة في السلطة هناك أسباب وراء طرح البعض لفكرة الإنجليزي ديفيد بلير الذي كتب في «ديلي تليجراف» أن سليمان لديه قدرة استثنائية علي التعامل مع الأزمات السياسية والدبلوماسية · إدارته لأهم الملفات الدبلوماسية والسياسية من مهام منصبه وليست تكليفات أو تدخلاً في عمل من أعمال الحاكم · هل يروج النظام للكلام عن ترشيح شخصيات ذات ثقل لإتمام سيناريو التوريث؟ ربما اختلف الكلام عن رئيس مصر القادم منذ 2005، وهو أمر طبيعي تماماً بعد التعديلات الدستورية التي حدثت في نفس السنة، فقبل التعديلات الدستورية كان الكلام عن من القادر علي الصعود إلي كرسي الرئاسة بعد الرئيس مبارك، الذي امتنع ومازال يمتنع عن تعيين نائب له ،الأمر الذي جعل الكلام يتجه كثيراً عن الشخص المرشح لهذا المنصب ، باعتبار أن نائب الرئيس هو الرئيس اللاحق كما تعودنا في مصر بعد التعديلات الدستورية بدأ الكلام يأخذ شكلا جديدًا، وبدأ الرأي العام يتحدث ويتكهن بالرئيس القادم، بل إن الحديث عن المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة بدأ يتزايد كلما ابتعدنا عن 2005 واقتربنا من 2011 موعد الانتخابات الرئاسية القادمة. ومن الطبيعي أن تتحدث وسائل الإعلام عن الرئيس القادم لمصر، ومن ثم تتحدث عن المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة ،والذي سيخرج منهم الرئيس ،وفي وسط الكلام عن المرشحين للرئاسة ظهر تيار قوي يتحدث عن ترشيح الوزير عمر سليمان للرئاسة، بعد أن كان الكلام من قبل عن اقتراب الرجل من منصب نائب الرئيس، الأمر الذي يطرح علينا سؤالين الأول هو : هل من الممكن أن يترشح اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية لمنصب الرئيس ..؟ أما السؤال الثاني فسأطرحه وأحاول الاجابة عنه بعد الاجابة علي السؤال الأول. نأتي للسؤال الأول : هل من الممكن أن نستيقظ في صباح أحد الأيام القادمة لنقرأ في الصحف ونطالع في الفضائيات خبر ترشيح عمر سليمان للرئاسة، مثلما يردد كثيرون .. في الغالب الإجابة "لا" .. والنفي هنا مبني علي عدة أسباب.. أولها التركيبة النفسية لرؤساء أجهزة المخابرات ،فهم أشخاص لا يسعون إلي السلطة ولا يتطلعون إليها، وهذا جزء من تركيبتهم النفسية والتي تساهم بقوة في ترشيحهم لهذا المنصب الحساس ،فلو كانوا ممن يمتلكون هذه التطلعات لما اختيروا لهذا المنصب ،فغالباً لا يأتي رئيس المخابرات العامة إلا من المخلصين لعملهم فقط وأحب أن أدلل علي كلامي بموقفين الأول يخص "صلاح نصر" أشهر رؤساء الجهاز (والذي أدار المخابرات من 1957 إلي 1967)، فعندما طلب منه جمال عبد الناصر عقب هزيمة 67 أن يتولي مسئولية وزارة الحربية خلفاً للمشير عبد الحكيم عامر ،رفض "نصر" بل إنه قدم استقالته بعدها بأيام من منصبه كرئيس للمخابرات العامة، وكانت هذه الاستقالة هي الأخيرة له ،حيث سبق وأن قدمها من قبل عدة مرات ولكن عبد الناصر كان دائم الرفض ،إلا أنه قبل الأخيرة. أما الموقف الثاني فهو يخص اللواء فؤاد نصار (رئيس المخابرات العسكرية أثناء حرب أكتوبر الشهيرة ورئيس المخابرات العامة من 1981 إلي 1983) والذي رفض الحصول علي قرار جمهوري ليبقي في منصبه كرئيس للمخابرات العامة بل وأصر علي الخروج في سن المعاش، وهو نفسه الرجل الذي كان يرفض قرار السادات بتعيينه كرئيس للمخابرات العسكرية في 72 إلا أنة أمام إصرار الرئيس الراحل قبل المنصب. وأعتقد أن الموقفين يظهران تركيبة الرجال الذي يتم اختيارهم لهذا المنصب الحساس. أما السبب الثاني فله علاقة بسن الرجل الذي بلغ 74 عاماً ، أي أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية وهو صاحب 76 عاماً ،وفي اعتقادي أن شخصية عمر سليمان (أطول من تولي هذا المنصب حيث يتولي رئاسة المخابرات منذ 16 عاماً) لا تسمح له بالاقدام علي مثل هذا التصرف، الذي قد ينقص من رصيده وتاريخه. السبب الثالث أن الرجل ليس برجل سياسة ولا ينتمي إلي أي حزب بما في ذلك الحزب الوطني، ولم يلعب السياسة من قبل رغم إلمامه بكل تفاصيل اللعبة علي المستويين الداخلي والخارجي، ولن ابالغ إن قلت إنه أحد محركي الأحداث في منطقة الشرق الأوسط علي أقل تقدير ،بحكم منصبه (فهو يرأس أرفع وأهم جهاز معلوماتي في مصر بل وفي الشرق الأوسط) ،ولكن الالمام بقواعد اللعبة وحده لا يضمن له النجاح ولا يشجعه علي الترشيح لهذا المنصب، وربما يجعله يمتنع عن دخول هذه اللعبة ، كما أن الرجل رغم سيرته وسمعته الطيبتين في الشارع إلا أنه مازال غامضاً علي المستوي السياسي (وهو التعبير الذي استخدمه دانيال سليمان المُحلل السياسي لهارتس في وصف سليمان) ،فعلي أي أساس سينتخبه المواطن أو يرفض انتخابه. سبب رابع يكمن في عدم وجود نية عند "سليمان" في الوصول لكرسي الرئاسة ،وقبل أن يواجهني أحد بعدم القدرة وعجزي عن التفتيش في النوايا، دعوني أطرح سؤالين أولهما لماذا لم يحاول سليمان ومن قبله أي رئيس مخابرات سابق اقتناص السلطة وهو أمر ليس بعسير علي رئيس أكبر وأهم جهاز معلومات في البلاد..؟، أما السؤال الثاني لماذا يترك الرئيس مبارك شخصا يرغب أو حتي يفكر في الوصول إلي السلطة وهو أمر يضعه في قائمة منافسيه في منصب حساس وخطير كهذا كل هذه السنوات ، والآن حاول أن تضع نفسك مكان الرئيس مبارك وأجب عن سؤالي التالي هل تأمن علي حياتك قبل مستقبلك السياسي في ظل وجود منافس لك علي السلطة في منصب رئيس المخابرات العامة..؟ أليس من الضروري والحتمي أن تتخلص منه أو علي أقل تقدير تبعده وتأتي بمن هو أهل للثقة والخبرة حتي تأمن علي حياتك ومن ثم تتفرغ لأمور الحكم والسياسة وأنت مطمئن ،وهي صفات تتوافر في عمر سليمان الذي أنقذ حياة الرئيس من حوادث اغتيال عديدة لا يعرف الرأي العام منها إلا محاولة أديس أبابا الشهيرة. بالتأكيد هناك أسباب وراء طرح البعض لفكرة ترشيح "سليمان" للرئاسة لخصها الكاتب الانجليزي "ديفيد بلير" الذي كتب في "ديلي تليجراف" ان "سليمان" لديه قدرة استثنائية علي التعامل مع الأزمات السياسية والدبلوماسية وهو ما ظهر في الملف الاسرائيلي الفلسطيني والحوار بين فتح وحماس، وكذلك إدارته بحرفية شديدة للملف الدبلوماسي مع السودان وليبيا والسعودية، ويضيف "بلير": "إن نجم الوزير سليمان بزغ بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث أصبح إحدي الشخصيات الأكثر تأثيرا في ملفات الشرق الأوسط لعلاقات الشراكة القوية التي كونها مع الأجهزة الاستخباراتية في العالم، بالإضافة إلي نجاحه في تطوير المخابرات المصرية صاحبة الحضور الواضح والقوي في معظم دول العالم من خلال السفارات المصرية" ،والحقيقة أن كلام الكاتب الانجليزي رغم صحته لا يعني أن الرجل ينوي خوض الانتخابات الرئاسية أو الاقتراب لعالم السياسة من أساسه ،كما اعتقد "بلير" ومن يتفق معه ،ولكن الكلام يعني أن "سليمان" رئيس مخابرات قوي جدا وهو أمرمسلم وإلا لما احتفظ برئاسة الجهاز طيلة السنوات ال 16، وحتي لا يتخيل البعض أن إدارة الرجل لمثل هذه الملفات التي سبق وذكرناها بمثابة إعلان غير رسمي عن تأهيله للجلوس علي كرسي الرئاسة أو لعب أي دور سياسي آخر ،فالحقيقة أن سليمان يدير هذه الملفات بصفته رئيساً للمخابرات العامة وليس بأي صفة دبلوماسية أو سياسية ،كما أدار من قبله رؤساء الجهاز السابقين الملفات المشابهة، ومن كل ما ذكرناه أعتقد أن فكرة ترشيح الرجل للرئاسة أصبحت مثل مبني يحاول شخص لا يحترف مهنة البناء والتشييد أن يبنيه بلا أساس ولا أسس.. ويبقي السؤال: تري لماذا يتم الترويج والكلام عن ترشيح سليمان للرئاسة وهو لم يعلن بأي شكل من الأشكال رغبته في ذلك؟ هناك احتمالان ثالثهما جهل بعض المروجين بحقائق الأمور ورغبتهم في كتابة ما هو غريب وغير متوقع ليبهروا به قراء غير متخصصين ، أما الاحتمال الأول فهو ميراث لدي كثير ممن كتبوا ذلك من الكتاب المصريين والعرب يكمن في داخلهم ويتمثل في أنهم مازالوا يؤمنون بأن الحل دائما سيأتي من المؤسسات الوطنية العسكرية مثل المخابرات والجيش وبقيادة أحد أبناء هذه المؤسسات. أما الاحتمال الثاني وهو تطبيق عملي لنظرية المؤامرة ،فيكمن في أن النظام يرسم سيناريو محكما لتوريث الحكم ،من خلال طرح بعض الأسماء التي تلقي حب واحترام الشارع المصري ،ليحقق ثلاثة أهداف أولها صرف النظر عن التوريث نفسه..وثانيها عمل دعاية إيجابية للنظام السياسي الذي يظهر في شكل نظام ديمقراطي لا يحتكر السلطة ولا يصادر حق أحد في الترشيح للانتخابات الرئاسية (وهنا وقبل أن يسأل أحد ولماذا لا يستخدم النظام في خطته هذه اشخاص ينتمون للمعارضة ..؟ يأتي الرد بسيطا، فالجميع يعلم حقيقة التعديلات الدستورية وهي أنها لن تتح الترشيح لأي شخص لا يرغب الحزب الوطني في خوضه الانتخابات وبالتالي فإن اسما مثل عمر سليمان لن يفكر أحد في أن النظام سيعرقل ترشيحه في الانتخابات وخاصة أن الغالبية وقتها ستتخيل أن ذلك يتم بناء علي ترتيبات مسبقة وليست مجرد رغبة شخصية عند الرجل). وثالث هذه الاهداف هو تمهيد الطريق إلي كرسي الرئاسة أمام جمال مبارك ، بوضعه في قائمة أفضل المرشحين أمام الرأي العام، مع شخصيات مثل عمر سليمان وعمرو موسي وغيرهما ،ليأتي موعد الترشيح فيترشح "جمال" ولا يترشح أحد ممن تم الترويج لترشيحهم أمام الرأي العام، فيصبح جمال بمفرده أمام مرشحين لم يسمع أحد عنهم ولم يشغل الرأي العام باله بهم من أساسه ،ويصبح انتخاب جمال أمرا لا مفر منه ،باعتباره المرشح الوحيد الذي يعرفه المواطن في مواجهة مرشحين لا يعرف أحد عنهم شيئاً.