نادينا كثيرا في لجنة الخمسين بأن لاستقلال القضاء حدا أدني من الضمانات متفقا عليه في مواثيق استقلال القضاء والدساتير العالمية، وأنها لاتمثل أي نوع من الاستثناءات، لأن استقلال القضاء ليس ميزة للقاضي وانما هو ضمانة للمواطن، ولأن القاضي الذي يأمن علي نفسه وأسرته ومصدر رزقه يأمن معه المواطن علي حقه إذا ما وقع عليه ظلم أو حاق به حيف، ولكن لاحياة لمن تنادي، فعلي الرغم من تسليم المقترحات النهائية للقضاة حول هذه الضمانات وبيان المعوقات التي تنال من استقلال القضاء إلي السيد رئيس لجنة الخمسين والأمين العام ومقرري اللجان النوعية قبل مناقشة نصوص السلطة القضائية، إلا أن هذه المقترحات لم تطرح للمناقشة أثناء جلسات التصويت الأخيرة. أولا: خرجت نصوص السلطة القضائية في مشروع الدستور بعد التصويت عليها مشوهة مبتورة، وخلت من ضمانات استقلال القضاء علي النحو التالي: 1. لم تأخذ اللجنة بإفراد فصل خاص للسلطة القضائية ممثلة في القضاء والنيابة ومجلس الدولة، بعد أن وافقت لجنة نظام الحكم بالإجماع علي هذا المقترح، وإنما جاءت نصوص السلطة القضائية مجتمعة وأدخلت فيها المحكمة الدستورية والهيئات القضائية الأخري والمحاماة والخبراء، بما يؤدي إلي تفتيت السلطة القضائية كما هي معروفة في الدساتير العالمية ودساتير مصر السابقة علي دستور 2012 المعطل، فوقعت اللجنة في ذات الخطأ الذي تردت فيه الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور 2012. 2. الميزانية المستقلة لم يرد النص بها للسلطة القضائية منفردة، وإنما أدخل فيها الجهات والهيئات القضائية كلها فيما عدا المحكمة الدستورية العليا التي أفردت لها اللجنة نصا خاصا بالميزانية المستقلة، ومن المفارقات الساخرة أنه بينما أخضعت اللجنة نص الميزانية المتعلقة بالسلطة القضائية والجهات القضائية الأخري لرقابة السلطة التشريعية قبل إدراجها رقما واحدا، فقد جاء النص بإفراد ميزانية مستقلة للمحكمة الدستورية العليا تدرج رقما واحدا دون ذكر أي قيد عليها كمناقشة بنودها في البرلمان مثل السلطة القضائية، وهو تكرار للخطأ الوارد بنصوص الدستور المعطل، والذي لم يمنع النص فيه علي استقلال الميزانية من أن يصدر مجلس الشوري المنحل قانون الموازنة مقيدا سلطات الجهة التي لها ميزانية مستقلة في أن تضع بنودها إلا في حدود 5٪ بينما ترك 95٪ منها في يد السلطة التنفيذية ممثلة في وزير المالية، فتغولت بذلك السلطة التنفيذية والتشريعية علي السلطة القضائية. 3. تجاهلت اللجنة النص علي سن تقاعد القضاة في الدستور رغم النص عليه في عدد من الدساتير العالمية حماية للقاضي من العزل، وحتي لايصبح تحت سيطرة أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية، كما حدث في ظل النظام السابق الذي عقد العزم علي عزل ثلاثة آلاف وخمسمائة قاض بإصدار قانون يخفض سن التقاعد إلي ستين عاما، لكن النظام سقط قبل أن يصدر هذا القانون وتسقط السلطة القضائية. 4. أكد النص الذي توافقت عليه اللجنة علي تحديد مدة عمل النائب العام بأربع سنوات، وهو نص معيب ومنقول من دستور 2012 المعطل، الغرض منه إضفاء الشرعية علي الإعلان الدستوري الباطل الذي أصدره الرئيس السابق وعزل النائب العام بمقتضاه. ثانيا: بقدر ما تم الانتقاص من استقلال القضاء في نصوص الدستور الذي توافقت عليه لجنة الخمسين في جلسات التصويت الأخيرة، فقد تم إسباغ نوع من الحماية ببسط الحصانة القضائية علي المحامين أثناء أداء عملهم ولبعض الفئات الأخري كمحامي الإدارات القانونية والخبراء، مع أن الحصانة القضائية هي صفة لصيقة باستقلال السلطة القضائية لحماية القاضي من تعسف السلطة التنفيذية أو تربص السلطة التشريعية إذا ما سارت الأمور في غير اتجاه العدالة، ومن ثم فهي ليست ميزة للقاضي، أما المحامي فهو يمارس مهنة حرة يعبر فيها عن مصالح موكليه فيتمتع بالحماية الكافية من أي تجاوز قد يقع عليه، لأن نصوص قانون المحاماة تضمنت الضمانات الكافية التي تكفل حماية المحامي أثناء أداء عمله بالمحاكم.