تقدم المستشار مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض و العضو الاحتياطي بلجنة الخمسين ممثلا عن القضاة امس بالمقترحات النهائية لقضاة مصر حول نصوص فصل السلطة القضائية في الدستورللجنة الخمسين برئاسة عمرو موسي . و تمثلت تلك المقترحات في معوقات استقلال القضاء والمقدمة إلى لجنة الخمسين ..أولا : يؤكد قضاة مصر على ضرورة إفراد فصل خاص بالسلطة القضائية في الدستور، والممثلة في القضاء والنيابة ومجلس الدولة، ويقترحون أن تكون نصوصه على النحو التالي : مادة 157 : السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل في شئون العدالة أو القضايا جريمة لاتسقط بالتقادم. مادة 158 : القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، وسن تقاعدهم سبعون عاما، ولاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويختص القضاء بالفصل في كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى، ويفصل دون غيره في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائه، ولايجوز ندب أعضائه لغير جهات أعمالهم. مادة 159 : يكون للقضاة ميزانية مستقلة تدرج في الموازنة العامة رقما واحدا، ويكون لرئيس مجلس القضاء الأعلى سلطات وزير المالية في تحديد أبواب تلك الميزانية، ولرئيس مجلس الدولة ذات الاختصاصات فيما يتعلق بميزانية مجلس الدولة، ويؤخذ رأيهم في مشروعات القوانين المنظمة لشئونهم، وتقر بموافقة ثلثي أعضاء السلطة التشريعية في حالة اعتراض القضاة على مشروعات القوانين، وينظم القانون تلك الخطوات. مادة 160 : جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام والآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية. مادة 161 : النيابة العامة جزء لايتجزأ من القضاء، وأعضائها غير قابلين للعزل، تتولى التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين من بين أقدم ثلاث نواب لرئيس محكمة النقض أو أقدم ثلاث رؤساء لمحاكم الاستئناف تاليين جميعا في الترتيب لاعضاء مجلس القضاء الأعلى، ويدخل معهم في الاختيار النواب العموم المساعدين إذا انطبقت عليهم شرط الأقدمية، وذلك بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، ويصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيينه. مادة 162 : يكون للقضاة مجلس أعلى يؤلف من رئيس محكمة النقض رئيسا، ومن أقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف والنائب العام، يختص بسائر شئون القضاة وأعضاء النيابة العامة من تعيين ونقل وندب وإعارة وتأديب، وينظم القانون حدود تلك الاختصاصات بعد أخذ رأي الجمعيات العمومية للمحاكم والنيابات. مادة 163 : لمجلس الدولة ولاية القضاء العامة في المنازعات الإدارية، وهو يقضي في القرارات الباطلة بالإلغاء والتعويض والطعون التأديبية، ويتولى الإفتاء ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات التنظيمية التي تقترحها الحكومة أو يحيلها إليه أحد مجلسي البرلمان، وأعضائه غير قابلين للعزل، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى. مادة 164 : يكون تعيين قضاة مجلس الدولة وترقيتهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم وتأديبهم من اختصاص المجلس الخاص على الوجه المبين في القانون. ويؤكد قضاة مصر على أن تلك الضمانات هي الحد الأدنى المتفق عليه عالميا في مواثيق استقلال القضاء والدساتير العالمية، ولا تمثل أي نوع من الاستثناءات، لأن استقلال القضاء ليس ميزة للقاضي، ولأن القاضي الذي يأمن على مصيره وعمله ومصدر رزقه هو الذي يأمن معه المواطن المصري إذا ما وقع عليه ظلم أو حيف أن يرد عنه هذا الظلم ويعطيه حقه دون انتقاص. و اضاف ان ثانيا فيما يتعلق بالنص المقترح من بسط الحصانة القضائية على السادة المحامين، فيشير مقدم هذه المذكرة إلى أن هذا المقترح سبق وأن طرح بلجنة نظام الحكم ورفض بأغلبية من لهم الحق في التصويت، ثم أعيد طرحه مرة أخرى على اللجنة بمعرفة السيد نقيب المحامين دون سند من نصوص اللائحة الداخلية التي تبرر ذلك، ويؤكد القضاة أن الحصانة القضائية هي صفة لصيقة باستقلال السلطة القضائية لحماية القاضي من تعسف السلطة التنفيذية، أو تربص السلطة التشريعية إذا ما سارت الأمور في غير اتجاه العدالة، ومن ثم فهي ليست ميزة للقاضي، أما المحامي وهو يمارس مهنة حرة يعبر فيها عن مصالح موكليه فيتمتع بالحماية الكافية من أي تجاوز قد يقع عليه أثناء أداء عمله بالمحاكم، إذ أن نصوص قانون المحاماة تضمنت الضمانات الكافية التي تكفل حماية المحامي أثناء أداء عمله بالمحاكم أو في أي جهة أخرى في أمان واطمئنان، واستثنت المحامين من سلطة القاضي في ضبط وإدارة الجلسة حينما تقع بها جريمة، وتكون هذه الجريمة المرتكبة من محامي فلا يجوز للقاضي حينئذ أن يوقع عليه العقوبة في الحال طبقا للسلطة الممنوحة له في جرائم الجلسات وفقا للقانون، وكل ما له أن يحرر مذكرة بما ارتكبه المحامي من أفعال ويحيلها إلى النيابة التي تتولى التحقيق مع المحامي في حضور ممثل النقابة، ولايجوز تفتيش مكتب المحامي إلا بحضور أحد أعضاء النيابة، وأي جريمة تقع على المحامي أثناء تأدية وظيفته يعاقب مرتكبها بالعقوبات المقررة بالجرائم التي ترتكب ضد القضاة أو الموظفين العموميين أثناء تأدية وظيفتهم، إذن الحصانة القضائية ليس لها أي سبب لبسطها على المحامي أثناء عمله بالحاكم خاصة وقد خلت الدساتير العالمية من أي نص يبسط للمحامي أي حصانة أثناء عمله بالحاكم لما قد يسببه ذلك من إخلال بنظام الجلسة، لاسيما وأن عدد السادة المحامين المقيدين بالنقابة يصل إلى نصف مليون محامي وفي المقابل لايزيد عدد القضاة في مصر بما فيهم أعضاء النيابة على خمسة عشر ألفا، ومن ثم فإن إضفاء الحصانة القضائية على نصف مليون محامي حتى ولو كانت أثناء تأدية عملهم بالمحاكم لن يتسبب إلا في زيادة المشاكل والإخلال بنظام الجلسات، وقد يشكل في النهاية دولة داخل الدولة، وهو ما يرفضه القضاة بصورة قاطعة لما فيه من مساس باستقلال السلطة القضائية وإهدار المبادئ الأساسية للعدالة. وثالثا فيما يتعلق ببعض المطالب الفئوية الأخرى التي يطالب بها الخبراء، قولا منهم أن الخبير هو القاضي الفني ويشارك القاضي في إرساء العدالة، فهذا القول مغلوط إذ أن القاضي لاشريك له في إصدار حكمه ولاسلطان عليه في ذلك إلا ضميره والقانون، ونصوص قانون الإثبات تحدد المأموريات والمهمات الفنية للخبير التي يتبع فيها المحاكم، ولاسلطان لأي جهة إدارية أو لوزير عليه أثناء عمله المكلف به من المحكمة طبقا لنصوص قانون الإثبات وقانون تنظيم الخبرة، والذي كفل له الضمانات الكافية له أثناء أداء عمله، وأي قول خلاف ذلك لاسند له من واقع أو قانون، وأي مطالبة ببسط الحصانة القضائية عليهم أثناء أداء عملهم هو مطلب فئوي لامعنى له ويفتح الباب على مصراعيه لسائر الجهات والنقابات الأخرى في المطالبة بحصانة مماثلة. رابعا أن مقترح إنشاء مفوضية عليا للعدالة الانتقالية في الدستور من شأنه خلق قضاء استثنائي موازي يسلب اختصاص القاضي الطبيعي، وهو ما ينال من استقلال القضاء ويفتئت على حق المواطنين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، ذلك أن مجرد الموافقة على إنشاء مفوضية عليا للعدالة الانتقالية بالدستور سوف يترتب عليه إصدار مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي يروج له حاليا، ويتصدر نصوصه انشاء مفوضية عليا للعدالة الانتقالية من أربعة قضاة حاليين أو سابقين وعشرة أعضاء آخرين من الشخصيات العامة والإعلام وحقوق الانسان والأزهر والكنيسة ولهم جميعا الحصانة المقررة لأعضاء السلطة القضائية، وعلى إنشاء محكمة خاصة تختص بمعاقبة المتهمين بارتكاب جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات عن الفترة من عام 1981 ولمدة خمس سنوات تالية على صدور القانون تزاد مدة أخرى مماثلة لهذه المدة إذا اقتضى الأمر ذلك لتصبح عشر سنوات، ويحدد القانون أنواع الجرائم التي تخضع لاختصاص محكمة العدالة الانتقالية، وللمفوضية أن تطلب من النيابة اتخاذ الإجراءات التحفظية للمتهمين بتلك الجرائم، وأن تطلب من المحكمة المختصة وقف الموظف العام المتهم بارتكابها واستثناءا من قانون الإجراءات لها الحق في إعادة محاكمة من سبق محاكمته، وهو ما يتعارض مع ما جاء بنصوص الحقوق والحريات والحق في مثول المواطن أمام قاضيه الطبيعي، وللمفوضية الحق في العفو عن الجرائم وللمجني عليه التنازل والتصالح فيما وقع عليه من جرائم فيما عدا القتل والشروع فيه، ويجوز المصالحة مع المتهمين في النهاية، بما يعني عودة قانون الغدر وحماية الثورة والعصف في النهاية بفكرة استقلال القضاء والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ومنها الحق في التقاضي. واكد المستشار مدحت سعد الديم بان قضاة مصر إلى أن الدستور ليس وثيقة معدة للإغراق في التفصيلات أو الاستغراق في المطالب الفئوية وإنما هو القانون الأسمى المبين لحقيقة العلاقة بين الحاكم والمحكوم.