انتهت أمس معركة انتخابات مجلس الشعب التي شغلت اهتمام نسبة كبيرة من الرأي العام. والنتائج النهائية لن نعرفها اليوم أو غداً، وإنما سيتأخر إعلانها إلي ما بعد انتخابات الإعادة علي الدوائر التي لم تحسمها الجولة الأولي. لا نملك أكثر من الأماني الطيبة لمجلسنا التشريعي القادم. كثيرون أنا من بينهم نتمني، علي سبيل المثال، ألاّ نكرر المجالس السابقة: أغلبية كاسحة، وأقلية زاعقة تنشغلان بين الحين والحين بمعارك عنيفة، ترفع فيها الأحذية، ويلعن آباء نفر وأجداد النفر الآخر، وفي النهاية تفرض الأغلبية قراراتها ومشروعات قوانينها، في حين تظل الأقلية مكتفية بصخبها، وحدتها، وهجماتها علي الحكومة، وتحرشاتها بنواب الأغلبية! أتمني مجلساً مختلفاً، تمثل فيه معظم إن لم يكن كل أحزابنا السياسية الشرعية. ولا نتوقع تمثيلاً كبيراً لكل حزب من تلك الأحزاب التي لا يحضرني عددها الرسمي لحظة كتابة هذه السطور وإنما يكفي التمثيل بعدد من المقاعد يتناسب مع شعبية الحزب في الشارع السياسي. وهذا التمثيل »الرمزي« للأحزاب الجديدة ليس معيباً وإنما علي العكس قد يشجع قادتها علي بذل المزيد من الجهد الحزبي، السياسي، قد يكسبها المزيد من الشعبية مما يزيد بالتالي من عدد مقاعدها في المجالس القادمة. مجلسنا القادم سيكون مثل كل المجالس التشريعية في الدول الديمقراطية. كثرة في عدد نواب حزب عريق تمكنه من الفوز بأغلبية كاسحة، أو متواضعة، إلي جانب ممثلي أحزاب أخري تشكل المعارضة الجادة التي لا غني عنها. إذا جاءت المعارضة قوية وقادرة علي تهديد الأغلبية المتواضعة، فيكون أمام الأخيرة إما أن تتحالف مع الأحزاب الصغيرة لتقوي من صوتها أمام الأقلية، وإما أن تفشل في جذب تحالف الآخرين وفي هذه الحالة تتقلص أغلبيتها مع تصاعد فرص المعارضة في قلب الوضع علي طريقة: الكراسي الموسيقية. كل المؤشرات تؤكد أن المجلس الجديد سيكون »شكل تاني«. فعدد النواب ارتفع إلي أكثر من 500 نائب، بعد »كوتة« المرأة التي جاءت بها التعديلات القانونية التي تأخرت طويلاً. لأول مرة سيكون هناك عشرات السيدات يقمن بدورهن تحت القبة، وجئن بالانتخاب وليس بالتعيين فقط. وعلي ضوء التجربة.. ومع إثبات المرأة النائبة ذاتها، و قدراتها، وأهمية مشاركتها باعتبارها تمثل نصف الشعب المصري فقد تزداد حماسة الرأي العام لإنجاح التجربة، من خلال منحها أصوات الناخبين بأكثر من الأصوات التي يحصل عليها المرشح المنافس، مما ينهي مبرر »الكوتة«، وتخوض المرشحات المعارك الانتخابية ضد منافسيها من رجال أو نساء.. والفوز فيها يكون للأصلح الأفضل بلا تفرقة في النوع، أو الجنس، أو العقيدة. أثير جدل لم ينته عن تخصيص »كوتة« أخري للمصريين »الأقباط«. وكالعادة.. اختلفنا حول هذا الاقتراح. هناك من يرحب بالاقتراح الذي سينهي الكثير من إحباط الأقباط. وهناك من يحرص علي فصل الدين عن الدولة، ويري أن تخصيص »كوتة« للأقباط يتنافي مع هذا الحرص. وهناك من الأقباط من يرفض الكوتة حتي لا يكون فيها »تهميش« لمكانة الأقباط كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وهناك أيضاً الوسط بين المؤيدين لكوتة الأقباط وبين المعارضين لها. بمعني التعامل معها مثل التعامل مع »كوتة« المرأة. أي لفترة زمنية محددة وضرورية لتشجيع الأقباط علي المشاركة السياسية والحزبية والانتخابية.. والمنتظرة من جميع المواطنين المصريين. وعندما يتحقق هذا فلن يكون المصريون الأقباط في حاجة إلي »كوتة«، فأمامهم الساحة الحزبية في انتظارهم، وتكون نتائج أعمالهم في خدمة، وصالح، مجتمعهم التفاف المواطنين حولهم، ومنحهم أصواتهم الانتخابية لمن يثقون في عطائهم وليس لمن يتوهمون أن استمرار جلوسهم تحت القبة هو »ضرورة حتمية« لا مفر، ولا فكاك، منها!.