تمثل زيارة فخامة الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية لمملكة البحرين علامة مهمة في العمل الدبلوماسي والتفاعل السياسي بين جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة ملك مملكة البحرين والرئيس محمد حسني مبارك، ذلك لان مصر والبحرين ارتبطتا بعلاقات وثيقة، وكانت مصر ليس فقط من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البحرين، واقامت علاقات دبلوماسية كاملة معها منذ عام 1791، بل انه يمكن القول بأن هذه العلاقات اتسمت بثلاث سمات رئيسة عبر مسيرتها. الاولي: انها علاقات رفيعة المستوي حيث الزيارات المتبادلة علي ارفع المستويات من حين لآخر، وفي لحظات تتعرض لها اي من الدولتين لمخاطر أمنية أو سياسية تكون قيادة الدولة الأخري سباقة في تأكيد عملي للتضامن معها من خلال الزيارات وغيرها من مظاهر الاتصالات والاعمال. الثانية: إنها علاقات يمكن وصفها بأنها »خالية من المشاكل والازمات« فليست هناك أية خلافات سياسية أو غيرها بين البلدين. الثالثة: انها علاقات ليس فقط عميقة علي المستويات الرسمية بل وايضا عميقة علي المستوي الشعبي المتعدد المستويات من تبادل ثقافي وإعلامي وسياحي وتعليمي وخبرات قضائية ودبلوماسية وأكاديمية وأمنية وغيرها. ويتعمق المستوي إلي العمل الشعبي غير الرسمي من خلال جمعية الصداقة المصرية البحرينية برئاسة الوزير والقانوني المشهور الدكتور مفيد شهاب. من هنا نقول إن هذه العلاقات لها تميز خاص من بين علاقات الدول، بل انها نشأت قبل استقلال البحرين حيث بدأت البعثات التعليمية المصرية للبحرين منذ اواخر العقد الثاني من القرن العشرين. بعبارة اخري ان هذه العلاقات اعتمدت اهم اداة من أدوات القوة الناعمة في علاقات الدول فيما بينها، وهي الاداة التعليمية والثقافية والإعلامية، ويروي كبار السن من شعب البحرين ومثقفيها قصصا تستحق التسجيل حول دور المعلمين المصريين ودور الصحف والمجلات المصرية في منتصف القرن العشرين في إثراء الفكر والوعي السياسي والثقافي في البحرين، وإن هذه الصحف كانت احيانا تهرب عن طريق الهند إلي البحرين في ظروف مرحلة ما قبل الاستقلال وبروز المد القومي العربي، ولكن مجلات غير سياسية مثل الرسالة للاديب المشهور أحمد حسن الزيات، وكتابات فكرية مثل كتابات طه حسين وسلامة موسي والعقاد، بل وايضا علماء متفتحون كانوا هم رواد النهضة المصرية والعربية الحديثة امثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وطنطاوي جوهري وغيرهم اثروا الفكر الادبي والسياسي والثقافي في البحرين. ولقد كان من حسن الطالع ان جائزة وزارة الإعلام والثقافة للعمل الصحفي التي رعتها الوزيرة المثقفة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة حصل عليها صحفي مصري تفوق علي العديد من الصحفيين المصريين والعرب ومن البحرين الذين تقدموا لنيل تلك الجائزة. كما ان احدي الجوائز المهمة، وهي جائزة يوسف علي كانو حصل عليها منذ بضع سنين المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة، وفي العام نفسه قرر مجلس ادارة الجائزة منح الباحث السياسي المصري الدكتور محمد نعمان جلال شهادة تقدير لمؤلفاته المتعددة وهذا التقدير تفوق قيمته الادبية الكثير من الجوائز المادية. نقول ذلك للتدليل علي عمق الصداقة البحرينية المصرية وتجذر الاخوة بين البلدين وتفاعل ثقافتهما وفكرهما، وهو الأمر الذي رعته باقتدار وحكمة قيادة الدولتين. ولقد عقدت جمعية الصداقة المصرية البحرينية اجتماعها السنوي منذ بضعة ايام في القاهرة برئاسة الدكتور مفيد شهاب وشارك فيها نخبة من المفكرين والباحثين والقانونيين المصريين، ومن بينهم الدكتور مجدي متولي امين عام الجمعية، ونتطلع في الوقت نفسه لقيام المثقفين والسياسيين البحرينيين بإنشاء جمعية صداقة بحرينية مصرية لتواكب انشطة نظيرتها علي الساحة المصرية وإنني اجد في كتابات كثير من الصحفيين والكتاب هوي مصريا واستمرارا للتعبير عن البعد القومي العربي ورائده الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. إن الاتصالات المتجددة بين البحرين ومصر تتعمق مع مرور الايام، وهي لاتواجه كما ذكرت اية مشاكل، ولعلني اشير إلي مشروع فكري رائد للمفكر البحريني العربي البارز الدكتور محمد جابر الانصاري وإلي أحد إصداراته المهمة بعنوان »تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي: مصر ومحيطها العربي« والذي صدر منذ سنوات قلائل وحظي باهتمام كبير في معرض القاهرة الدولي للكتاب وتم تكريم مؤلفه الدكتور محمد جابر الانصاري بأرفع الاوسمة الادبية في المعرض. ان الصداقة والاخوة المصرية البحرينية متجذرة ومتجددة وهي بمثابة نموذج لعلاقات الاخوة والصداقة العربية الإسلامية، وهي تعتمد العقلانية والحكمة والاعتدال في قضايا السياسة والدين، وفي الانفتاح الاقتصادي، والحرية والاقتصادية، وفي الثقافة والأدب، ولقد تحاورت مع بعض مثقفي مصر ومنهم الدكتور صلاح فضل والدكتوريحيي الجمل وغيرهما، ووجدت لديهم حبا عميقا للبحرين، وتقديرا لكتابه ومثقفيه وادبائه، ولعل الثقافة هي الركيزة العميقة للسياسة، والبذرة المتجددة الانبات والإثراء، لتجربة خصبة هي علاقات البحرين ومصر. كاتب المقال : عضو مجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية البحرينية