مسكين سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، أجبرته الظروف علي ان يدفع فاتورة مقتل والده مرتين، انسانيا وسياسيا، الأولي تجاوزها علي الاقل بحكم الزمن والثانية تمثل مأزقا لا فكاك منه. فهو رئيس حكومة في دولة الرقم الصعب فيها حزب الله، الذي يختال بتاريخه في مواجهة إسرائيل، وينسي أنه منذ عدة سنوات متورط حتي أذنيه في صراع داخلي لا ينتهي، دفعته إلي احتلال العاصمة بيروت في مايو 8002 نتيجة خلاف حزبي، ويومها سقطت معه كل شعاراته عن سلاح المقاومة ومازال يعلن علي رؤوس الاشهاد انه مستعد لاعادة التجربة بصورة أعنف بعد ترسانة الأسلحة التي تزود بها بعد حرب 6002 ولا تقارن بقدرات الجيش اللبناني ذاته. فقد صوابه بعد ان فقد بريقه منذ عدة أشهر علي ضوء تسريبات اعلامية في صحف أمريكية وألمانية وفرنسية وحتي إسرائيلية تتحدث عن تورط عناصر من الحزب في عملية اغتيال رفيق الحريري وتعددت الاسماء التي لا تتجاوز 3-4 أشخاص، آخرهم صهر عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله الذي اغتيل في دمشق منذ عامين، تتحدث التسريبات عن قرب صدور قرار الاتهام، من المحكمة الدولية خلال اسابيع وبعدها راح حزب الله يخوض معركته الاخيرة داخليا علي الأقل، واستغل تبرئة سعد الحريري لسوريا من تهمة اغتيال والده، وتحميله لما اسماه »شهود الزور« مسئولية توتر العلاقات مع دمشق، فخلقوا من هذه القصة هالة لا يستحقها - ووضعها في موضع مقابل المحكمة الدولية. لم يقبل الحزب بالمعلومات التي نقلت إليه عبر مبعوثين دوليين آخرهم وزير الخارجية الفرنسي منذ أيام بان قرار الاتهام سيقتصر علي ادانة أفراد ولن يمتد إلي حزب أو حتي طائفة، لم يرتح إلي تطمينات سعد الحريري بانه لن يقبل بقرار يعتمد علي أدلة إسرائيلية أو معلومات قدمها شهود الزور، أو قرار مسيس يستهدف النيل من المقاومة، وبدأ الحزب يتحدث عن معادلة جديدة للاستمرار في الحكومة مقابل التخلي عن المحكمة أما الحكومة فهي معطلة منذ عدة أشهر، لم تنجح حتي في اقرار الموازنة العامة طالما ظل من بين أعضائها من يستمرئ المشاركة فيها، والانتماء للمعارضة في وقت واحد وتحول العمل بها إلي »حوار طرشان« لا يؤدي إلي نتيجة، والمحكمة الدولية قصة أخري، فهي تتعرض لهجوم منظم للنيل منها، ولم يتوقف حسن نصر الله لحظة ليسأل نفسه لماذا الآن، وحزبه قد وافق علي المحكمة منذ سنوات واتخذ الهجوم عدة أشكال، اتهام »بالتسيس« رغم ان القرار لم يصدر بعد، واستعمال »سلاح التخوين« عندما اعتبر نصر الله ان التعاون معها خيانة تماثل التعاون مع إسرائيل، والتآمر علي المقاومة والدعوة للمقاطعة، ويدرك الحزب انه يطلب رابع المستحيلات عندما يسعي إلي تراجع سعد الحريري عن المحكمة، فهي لم تعد خاضعة لتسوية محلية أو إرادة فردية، فقد تم انشائها بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهكذا فقد وضع الحزب لبنان كله في مأزق لا يملك أحد لا في لبنان ولا خارجه آلية الخروج منه ولم يبق سوي استخدام حزب الله »الحل العسكري« لقلب المعادلة اللبنانية، وهو قد أشار إلي »خيارات ميدانية« في مواجهة القرار، لبنان في انتظار الفوضي مع صدور قرار الاتهام، ولن يجدي معه، لا مظلات اقليمية ولا جهود دولية، المطروح فقط التعامل مع القرار ومواجهته امام القضاء.