قالها بتلقائية، أقله لن يظلمنا، فعكاشة رجل بسيط، ضمن آلاف.. آلاف من شعب مصر يمضغون الألم ويتحلون بالصبر علي كل ما يأتي من الله، وكان أملهم كبيراً فيما يبدو عليه الدكتور محمد مرسي من تقوي وصلاح وقرب من ربه، ولكني بعد عشرة أشهر، قابلت عكاشة الفلاح البسيط، ما بالك مكفهرا، علي وجهك حزن وفي عينيك إنكسار، قال: لقمة العيش ضنت، وما هو أكبر أن وعود »مرسي« كلها ذهبت في الهواء، واسترسل منفجرا، خلصنا من عصابة مبارك، وجاءت لنا عصابة الإخوان، وأخذ يقلب كفيه علي ما أنفق في تأييد »مرسي«، من وقت وجهد وشيء من مال قليل، حيث أقسم وهو يرفع وجهه إلي السماء أنه لم يتلق أي رشوة ليقول كلمة حق في أول انتخابات رئاسية حرة بعد ثورة يناير، لكنه نادم الآن ويريد أن يحاكم الدكتور محمد مرسي علي وعوده التي لم يف بها. وكم من أناس لم يكن يعرفون شيئا عن تاريخ التيار الإسلامي في مصر، وبذلوا في سبيل وصوله للحكم أقصي ما يملكون، وهم ينطوون علي حسن نية في أن هؤلاء لن يضروهم أبداً، ولكن لحظة الاختبار كانت عسيرة جدا، وانقلبوا اليوم بيقين أن ما جري خلال العام الماضي من خطايا ارتكبها من هم أولي بحربها ودفعها بعيدا من أن تلصق بمسلم، فما بالك بحاكم ينتمي إلي أهم فصيل إسلامي في العصر الحديث، تجتاحه حالة غضب شعبي جارف بسبب ظلم فادح لأعداد هائلة من هذا الشعب، وهو لا يعترف بأنه ظلم ويطالبهم بالصبر حتي يجرب فيهم مرة أخري.. لقد أساءوا إلي الإسلام الذي هو منهج الفطرة وعنوان الضمير الإنساني، ونور الدروب المظلمة، ومن حيث لا يحسبون تلبسوه شكلا وتجردوا منه جوهرا، فأصبح الذين أيدوهم بنفس فطرة الإسلام السمحة، يسحبون هذا العهد والتأييد، نعم لقد استقر في ضمير هؤلاء الطيبين الذين اتخذوك رئيسا لهم، بأنك أخطأت في حقهم وحق الدين الذي لوحت به ورفعته شعارا لحل مشاكلهم ورفع شأنهم بين الأمم، إن عكاشة قال لي في ختام حديثه الغاضب: لا خير فيمن لا خير له في وطنه. السيسي أخيراً : اعترف أنني ظننت بالفريق أول السيسي ظن السوء في باديء الأمر، وأيقنت أنه لا مفر من قدر الله علينا، فمن سيزيح هذا الكابوس الذي جثم علي قلوب ملايين المصريين الذين يريدون عيشا كريما، فلم يكن أبدا لديهم أي مشكلة في أن يستمر الإخوان في الحكم بشرط العدل وتحقيق آمال المواطن البسيطة والتي قامت الثورة من أجلها، ولكن الأحداث عصفت بهذا الحلم، وفجأة وجدنا أنفسنا أمام قيادة إقصائية، لا يحكمنا رئيس واحد، الجرائم ترتكب تدريجيا حتي وصلت إلي أمننا القومي، وأصبح الوطن مهددا من عصابات إرهابية من الداخل ومن الخارج، قولوا بحق الله، هل تحكم بلد عظيم كمصر بتنظيم دولي، ويكون مندوبهم في الرئاسة عشرات من أعضاء هذا التنظيم، من هنا بدأ اليأس يدب في قلوب الناس، ومن هنا بدأ النداء، لماذا تأخر الفريق السيسي، لماذا يترك البلاد سادرة في حزنها، لكنها اللحظة التي تتفجر كالينابيع بكل ما هو عذب قراح.. شعب يثور لا ينكر مشهده التاريخي إلا الأعمي، وجيش وطني يقوده رجل صادق ومعه صديقون يحمون الشعب من نزق الإرهاب وحماقة مرشديه. التهامي ورد الاعتبار أتذكر اليوم الذي دعوناه إلي الموسم الثقافي بجامعة الأزهر، وقدمته علي أنه الرجل الذي يقف للفساد بالمرصاد، ولأول مرة تحدث اللواء محمد فريد التهامي رئيس هيئة الرقابة الإدارية عن الحالة السيئة التي عليها الجهاز الإداري بمصر، وكان لقاءٍ ساخناً في صراحة شديدة، تدين عصر مبارك، وبرغم ما قدم هذا الرجل من قضايا فساد كبيرة أراد البعض تصفية حسابات معه، لكن الله أكبر من مكرهم.