تتميز المجمعات الاستهلاكية بإنتشارها في جميع المحافظت والمدن والقري سواء في المناطق الشعبية أو الراقية لأن هدفها الأول هو السيطرة علي الارتفاعات غير المبررة في الأسعار خاصة أسعار السلع الغذائية التي تمس كل بيت في مصر وحوكمة وضبط هذه الأسواق. تبعية هذه المجمعات للدولة يعطي المستهلك الأطمئنان بأن للدولة يدا بيضاء لترويض إنفلات ما يخرج عن المألوف من السلع خاصة وأن هذه المجمعات تضم في عضوية مجالس إدارتها خبراء في نمط استهلاك كل صنف من أصناف السلع الاستهلاكية ويعلمون جيدا كيفية التعامل مع هذه الأنماط. مثال هذه الأنماط التي تختلف من سلعة إلي أخري ما حدث من بضع سنوات في أزمة توافر السكر وارتفاع أسعاره حيث طرحت المجمعات كميات كبيرة من السكر اختفت فورا وفي اليوم الأول من طرحها فعاودت الطرح في اليوم الثاني لكميات مشابهة فاختفت ولكن بزحام وإقبالا أقل وفي اليوم الثالث والرابع ذهبت الأزمة نهائيا وبقيت أطنانا من السكر في كافة المجمعات لأن نمط استهلاك السكر يوضح أنه في اليوم الأول من الطرح سيحاول كل مستهلك الحصول علي كميات كبيرة منه قد تصل إلي عشرة كيلوجرامات لكل أسرة ومنهم من سيحصل أيضا علي كميات لوالدته أو أقربائه فتختفي الدفعة الأولي فورا، ثم تأتي الدفعة الثانية فيحدث إقبالا ولكن بكميات أقل وطمعا في تخزين كل فرد لكميات تصل في أقصاها إلي عشرين كجم في كل منزل، وفي اليوم الثالث يجد المستهلك نفسه وقد أصبح لديه مخزون من السكر يكفيه لسنة قادمة كما أنه لن يجد لديه مساحات في المنزل تستوعب تخزين كميات أكثر من 20 كجم فيتبقي السكر في المجمعات دون اتهام لأصحاب المقاهي والكافتريات أو تجار السوق السوداء لأن نمط استهلاك كل سلعة محدد ومعروف جيدا لدي الخبراء ومعه أيضا سلوك الأفراد أثناء الأزمات لكل سلعة. وفي المقابل فإن وجود اختناقا في سلعة يومية أخري مثل رغيف الخبز يستغرق حلها شهورا طويلة بعكس أزمة السكر التي تحل تلقائيا في نحو أسبوع إذا لم يحدث فزعا من الدولة لكمية الإقبال خلال الأيام الأولي من مواجهة الأزمة، لأن الخبز كسلعة يومية تفقد المواطن ثقته في التصريحات الخاصة بشأن المخزون الإستراتيجي من القمح ومخزون المخابز من الدقيق فيؤدي ذلك إلي مضاعفة الفرد لاحتياجاته اليومية من الخبز بشراء ضعف ما تعود شراءه يوميا لسلعة يومية مهمة ولا بديل لها وتستمر طوابير الخبز لمدد قد تصل إلي ستة أشهر!، لذلك دائما ما يحذر خبراء بورصات الغذاء والحبوب من السماح بحدوث أزمة في رغيف الخبز لأن حلها يستغرق شهورا طويلة ويخلق إضطرابات أمنية ومشاحنات يومية وطوابيرا تزداد يوما بعد يوما يمكن أن تستغلها فضائيات خارجية كدليل علي أزمة غذاء في مصر. وبالعودة إلي دور المجمعات التعاونية والتي أعرف خصوصيتها عن قرب لأختياري عضوا بالجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بقرار من السيد رئيس الوزراء منذ نحو عامين والتي يقوم فيها أعضاء الجمعية العمومية بمحاسبة ومراجعة إنجازات وإخفاقات مجالس إدارات هذه الشركة القابضة الأم والتي تضم في عضويتها ثلاثة وعشرين شركة لكل شركة منها مجلس إدارة وجمعية عامة مصغرة ومنها شركات المجمعات التعاونية والتي يستغرق مناقشة دورها وميزانياتها وقتا كبيرا في الحساب كل عام وفي النهاية تكون الجهة الوحيدة التي يقوم الجهاز المركزي للمحاسابات بالثناء علي دورها المجتمعي في موقف لم نتعوده من هذا الجهاز الرقابي المحترم والذي يقدم متابعة دقيقة وحسابا عسيرا لأوجه الصرف والإنفاق لجميع هذه الشركات. ومنذ فترة ليست بالبعيدة قرر وزير الاستثمار السابق والذي تولي منصبه الرفيع في البنك الدولي تكليف أحدي الشركات الألمانية المتخصصة بدراسة أوضاع المجمعات التعاونية لتطوير أداءاها وتوسعة نطاق سيطرتها علي الأسواق لضمان دورا قويا للحكومة للسيطرة علي أسواق الغذاء في دولة معظم شعبها من الفقراء ومحدودي الدخل. وأفادت هذه الدراسة الألمانية بأن أحد عيوب شركات المجمعات التعاونية هو محدودية عدد السلع التي تتاجر فيها والتي لا تتجاوز 430 سلعة فقط بالمقارنة بعدد السلع التي تطرح في السوبر والهايبر ماركت الأخري في مصر والتي تصل إلي ثلاثة آلاف سلعة وبالتالي لا تجد المجمعات إقبالا كبيرا من المستهلكين لأن المستهلك يفضل قضاء كافة احتياجاته من متجر واحد ولا يفضل شراء البعض من المجمعات التعاونية ثم ينتقل إلي متجر آخر لاستكمال بقية احتياجاته وبالتالي فإنه يفضل السوبر والهايبر ماركت التي يجد فيها جميع احتياجاته كلها في مكان واحد ولو بأسعار أعلي قليلا!!. وبالتالي فإن ما طُرح مؤخرا من كون هذه المجمعات تبيع سلعا أكثر من المطلوب ومنها سلعا إستفزازية هو مخالف لواقع حالي ولا يتفق مع آليات التجارة الداخلية وتوسعة دور المجمعات كيد طويلة للدولة لضبط أسواق التجزئة في مصر. هذا الأمر أعاد إلي ذاكرتي دراسة أجريناها في وزارة التموين عام 2005 أثناء عملي كمستشار لوزير التموين السابق بهيئة السلع التموينية حيث طرحنا سؤالا مباشرا إلي سلسلة محال السوبر والهايبر ماركت المنتشرة في القاهرة الكبري والمحافظات حول مدي موافقتها علي صرف السلع التموينية من خلالها للمواطنين بالبطاقة الذكية ومدي ما يكلفنا ذلك من نفقات وكانت المفاجأة بترحيب جميع هذه المتاجر بالقيام بهذه المهمة ودون أي نفقات علي الدولة أو وزارة التموين موضحين أن سبب ذلك هو أن القادم لصرف مخصصاته التموينية من سكر وزيت وأرز وشاي سوف يجد العديد من السلع والعروض علي باقي صنوف السلع الغذائية والمعمرة ستجذبه إلي شراء العديد منها وبالتالي فإن هذه المحال الكبري قد ضمنت ملايين الزبائن الجدد من المستهلكين الذين يترددون عليها إجباريا ودون خيار آخر ويكفي حتي لو ابتاع بعضهم سلعا لا تتجاوز الجنيهات العشر شهريا أثناء استلامة مخصصاته التموينية بما سيضاعف من مبيعاتهم وهذا هو الفكر الواقعي لأصول التجارة الداخلية. كاتب المقال : أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة