قرار جبهة الإنقاذ بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة ليس جديدا بالنسبة للمهتمين بالشأن السياسي أو للرأي العام المصري بصفة عامة. حيث إنه إجراء "تكتيكي" دائما ما تلجأ إليه القوي المعارضة عند أي استحقاقات انتخابية جديدة، وهو ما حدث بالفعل في انتخابات مجلس الشعب عامي 2005 و2011، حيث تستخدم المعارضة هذا "التكتيك" للحصول علي مزيد من الضمانات.. لإجراء انتخابات برلمانية شفافة ونزيهة، فضلا عن محاولات الضغط علي حزب أو أحزاب الأغلبية المؤتلفة لإتاحة بعض الدوائر أمام قادة المعارضة- بدون منافسة - ليترشحوا فيها أو ليرشحوا عليها كوادرهم الراغبة في عضوية مجلس النواب الجديد. وهو أمر مفهوم.. ومقبول في اللعبة السياسية.. ويحدث في جميع الانتخابات العامة.. سواء المحلية منها أو الأجنبية، وهو ما يفسح الطريق دائما للاتصالات السرية واللقاءات الخاصة لعقد ما يسمي بالصفقات الانتخابية.. والتي تستهدف أن يأتي المجلس التشريعي ممثلا لكافة طوائف الشعب وأحزابه وتياراته السياسية المختلفة. ولكن مشكلة جبهة الإنقاذ المصرية.. أن المراقب الخارجي يحسبهم "جميعا" ولكن المتابع محليا.. يعلم تماما أن "قلوبهم شتي" أي أنهم ليسوا علي خط واحد.. سياسيا أو فكريا.. وأن تحالفهم المؤقت.. مرهون بانتهاء الانتخابات.. والغرض منه.. هو الحد من سيطرة الإخوان ومن يتحالف معهم من الأحزاب الدينية من السيطرة علي البرلمان.. وما يتبعه ذلك من تشريعات موجهة تصدر عنه. وهو هدف.. أيضا مقبول.. وضروري من الناحية السياسية والمجتمعية.. ولكن مشكلة جبهة الإنقاذ أيضا أنها لا تكمل للآخر.. حيث سرعان ما يدب الخلاف بين أعضائها.. وما أسرع ما ينفرط عقدها بدون أية نتائج حقيقية علي أرض الواقع.. ولعلنا جميعا تابعنا الخلاف الدائر حاليا بين عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر.. وحمدين صباحي قائد التيار الشعبي، فالأول راغب في الحوار والثاني مُصرَّ علي المقاطعة.. وهو ما يمثل مشكلة للحزب العريق "الوفد" والذي يعد رمانة الميزان.. لاستمرار الجبهة أو انفراط عقدها.. فالحزب الأقدم سياسيا والأكثر خبرة في هذا المجال يتنازعه أيضا تياران.. أحدهما يدعو لدخول المنافسة والآخر يطالب باستمرار الضغط والتمسك بالمقاطعة. وفي رأيي أن بعض من يطالبون باستمرار المقاطعة يستندون علي ما يحدث في بورسعيد وبعض مدن القناة من عصيان مدني إجباري.. وهو سند لن يدوم طويلا.. وتابعنا في الأيام القليلة الماضية تخافت الدعوة للعصيان وعودة الحياة تدريجيا إلي طبيعتها الأولي في مدن القناة وعلي رأسها بورسعيد.. كما كانت قبل الأحداث الأخيرة. ثم إن مشكلة جبهة الإنقاذ.. للمرة الثانية.. أن قادتها حديثو العهد بممارسة السياسة علي أرض الواقع.. نعم كلهم مصريون أفاضل وتولوا مناصب مرموقة محليا وعالميا.. ولكن العمل التنفيذي شيء.. والعمل مع الجماهير في الشارع شيء آخر.. كما أن أحزابهم لم تقم علي عقيدة.. ولم تنشأ عن تيار سياسي أو اتجاه فكري معين.. أسوة بالأحزاب ذات المرجعية الدينية.. أو الإخوة الناصريين أو الرفقاء في حزب التجمع.. ولذلك تجد تجمعاتهم محدودة قليلة العدد إلا من شباب متحمس رافض للإخوان.. وللأوضاع المصرية الحالية بصفة عامة.. اقتصاديا وسياسيا.. ولعل استطلاعات الرأي التي نشرت تؤكد ما أقول..حيث أشارت أن أغلب المصريين لم يشعروا بجبهة الإنقاذ ولم يعرفوا قادتها إلا من خلال وسائل الإعلام.. وتحديدا شاشات الفضائيات.. التي اتخذها البعض وسيلة للنضال السياسي ومحاولة جمع مؤيدين أو موالاة. وقد كنت أعتقد.. ومعي غيري كثيرون.. أن "الحوار" فضيلة يجب التمسك بها عندما تعاني البلاد من ظروف صعبة كالتي نحن فيها الآن.. وأن "العصيان المدني" الطوعي لم يأت أوانه بعد.. ولأنه لابد أولا أن نخرج مما نحن فيه بأسرع ما يمكن.. ومن خلال الحد الأدني من التوافق وحتي لا يحمد عقباه.. ونضطر أن نمد أيدينا في جيوب بعضنا البعض.. نعم كنت أعتقد ذلك.. ولكن يبدو أنه ليس كل ما أعتقده صحيحا.. في الحالة المصرية الراهنة.. علي الأقل.