كلمة السر في حل كثير من المشاكل، التي تواجه عددا من الدول العربية ،هي الحوار. فالمواجهات، والتناحر، والصراع السياسي بين أبناء الوطن الواحد، لن يؤدي إلي أي نتائج تذكر. ولن تؤتي ثمارها والخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن، أمنه. استقراره، أزدهاره، تقدمه، والأمور تتشابه في مصر، في سوريا، في اليمن، في تونس، في ليبيا. مع اختلاف التفاصيل والظروف، التي تميز دولة عن أخري، وتظل البحرين نموذجا مختلفا، من أكثر من زاوية: الأولي: أن بداية مشروع الإصلاح بدا مبكرا، وتم بعيدا عن أي ضغوط شعبية أو جماهيرية ،بل برغبة من القيادة السياسية، وتحديدا ملك البحرين منذ توليه مقاليد الحكم في 1999. حيث تميز المشروع بالتدرج عبر مراحل متتالية، والذي يتناسب مع طبيعة الشعب البحريني. حيث اقر الملك مبادرات إصلاحية نوعية، تعزز دولة القانون والمؤسسات، وترسخ الممارسة الديمقراطية السليمة. حيث تم إقرار ميثاق العمل الوطني عبر استفتاء شعبي، بنسبة موافقة بلغت أكثر من 98 بالمائة. وتم تشكيل برلمان بمجلسيه الأول "منتخب" بشكل كامل ،له كل صلاحيات الرقابة، والتشريع، والآخر "معين" من كفاءات وطنية، هو مجلس الشوري وتم تعزيز استقلال القضاء، وإطلاق الحريات الصحفية. وسبق هذا مبادرات ذات دلالة، منها الإفراج عن الموقوفين، والسماح بعودة المقيمين في الخارج، لأسباب سياسية. وحصل بعضهم علي مناصب وزارية. كما تم السماح بإنشاء الجمعيات السياسية والتي تمثل أحزابا، وإصدار دستور معدل في فبراير 2002، وأجريت انتخابات لمجلس النواب في اعوام 2002 و2006 و2010، وحصلت المعارضة علي عدد من المقاعد يقل قليلا عن النصف وفي المقدمة منها جمعية الوفاق أكثر التنظيمات الشيعية نفوذا وقوة ثانيا: شهدت البحرين في فبراير 2011، احتجاجات بسيطة. متأثرة بأجواء ربيع الثورات العربية، رفعت مطالب تتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وسرعان ما تحولت إلي مسار طائفي يهدد وحدة الشعب وتطالب بفعل تدخلات خارجية من إيران إلي إقامة حكومة طائفية تابعة لطهران. مما يهدد التعايش، والتوازن بين فئات المجتمع .وفور عودة الهدوء والاستقرار، بادر الملك حمد بن عيسي، إلي إطلاق عدة مبادرات، تصب في تمتين الوحدة الوطنية، منها مبادرة للحوار الوطني بين جميع فئات المجتمع. وخرجت بمجموعة من الرؤي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية. تمت الموافقة عليها جميعا. والثانية تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في أحداث فبراير 2011. وضعت تقريرا محايدا. وقامت الدولة بتنفيذ كل توصياتها، مع تأكيد الملك علي مبدأ الدولة المدنية .كخيار للتعايش والمواطنة. خاصة ان البحرين بها أعراق متعددة، وطوائف متنوعة، وعقائد مختلفة. ولا يمكن تطبيق فكر ديني سياسي، من خارج البحرين، لايتلاءم مع طبيعة الشعب ثالثا: مع استمرار التوتر السياسي، وحالة عدم الاستقرار، بفعل التدخلات الخارجية. أعادت الدولة الدعوة إلي الحوار من جديد، وفقا لآليات ورؤي وأسس مختلفة عن الحوار السابق. وبدأ بالفعل في 10 فبراير الحالي. بمشاركة ثمانية ممثلين عن الجمعيات المحسوبة علي السنة .ونفس العدد للجمعيات الشيعية، والتي تمثل المعارضة. وأبرزها جمعية الوفاق الشيعية. وثمانية من ممثلي البرلمان من المستقلين .وثلاثة من الوزراء .وكان مخاض الحوار صعبا ،لدرجة أن المعارضة الشيعية، لم تعلن موافقتها علي المشاركة، سوي قبل الجلسة الأولي بساعات قليلة. وخلال ثلاث اجتماعات من الحوار. تمخض عن تحقيق اتفاق حول ثلاث نقاط. اعتماد مصطلح الحوار بدلا من التفاوض. اعتبار الحكومة طرفا أساسيا في الحوار. وتكليف وزير العدل برفع نتائجه الي الملك. مع اعتبار النتائج تمثل اتفاقا نهائيا. رابعا: يبدو أن المعارضة لم تجد مفرا من المشاركة، وقد اضطرت الي ذلك. وتخطط منذ اللحظة الأولي الي آلية إفشاله مع التملص من المسئولية، ورميها علي الحكومة، والأحزاب السنية، ولجأت الي خلق "غطاء سياسي" للمظاهرات، والاحتجاجات في القري الشيعية. والدخول في مواجهات مع الأمن. والدعوة الي إضراب عام مما دفع الجمعيات السنية تطالب بضرورة إصدار بيان يندد بالعنف وهو ما تم رفضه من ممثلي الشيعية فأعلن ممثلو السنة تعليق مشاركتهم في الجلسة القادمة ترافق ذلك مع إعلان الأجهزة الأمنية عن الكشف عن تنظيم إرهابي خطط لعمليات تستهدف منشآت حيوية ووزارة الداخلية بتمويل إيراني وهكذا فإن المشهد السياسي في البحرين ملتبس فلم يعد مقبولا أن تشارك في جلسات حوار سياسي وتوفر في نفس الوقت غطاء سياسيا للتظاهر والإضرابات وعمليات إرهابية وتتبني أجندة خارجية. عودة الاستقرار في البحرين مرهونة بتخلي الشيعة عن سياسة الاستقواء بالخارج واقصد ايران وان يدركوا أنهم شركاء في وطن وليسوا أصحابه وان يبتعدوا عن فكرة المغالبة وان مملكة البحرين هي وطن للجميع من كل المذاهب والطوائف والأعراق. مسك الختام تحية وتقديرا لموقف رجل الأعمال، محمد فرج عامر والذي لا أعرفه، ولم التق به يوما من الأيام، علي ما قام به تجاه ابتزاز »نفر قليل« من عمال مصانع والذين يقدرون بالآلاف، موقف الرجل، رسالة إلي الأغلبية الصامتة التي تعيش علي قوت يومها، ان تتحرك، لتدافع عن مصالحها، والأمر ظهر بصورة جزئية في مترو الأنفاق وبين عمال أحد فنادق القاهرة، والتجربة قابلة للتكرار في أنحاء مصر المعمورة.