منذ سنوات طويلة وأنا أكتب اليوميات وأحاول فيها أن أقدم للقارئ كل ما يسعده ويفيده متحريا الأمانة الصحفية والصدق.. ولكني هذه الأيام أجد صعوبة كبيرة في الإمساك بقلمي لكتابة اليوميات.. فحالة الاكتئاب التي أصابتني مؤخرا وحالة الحزن الشديد التي أعيشها وأنا أري بلدي علي وشك الانهيار ولم أكن أحسب ان سنواتي الأخيرة أو أيامي الأخيرة سأشاهد فيها بلدي وقد انقسمت إلي فرق وشيع وجماعات.. ولم أتخيل يوما أن أري المصري الشهم الطيب المؤمن سيجرؤ أن يقتل أخيه حتي دون سابق معرفة.. لم أتخيل ان نعاني نحن الشعب الطيب الحريص علي التوجه للصلاة - كل جمعة.. وكل أحد أكثر شعوب العالم تدينا مسلما كان أو مسيحيا - أصبحنا نعاني من ارتفاع في الأسعار ونقص في الخبز واختفاء للبنزين.. وأصبحنا أكثر فقرا وجوعا.. وأصبحت أكوام الزبالة تملأ شوارعنا ولا نلتفت لها لأنها أصبحت جزءا من حياتنا.. والأكثر والأسوأ ذلك الرعب الذي أصبحنا نعيش فيه خوفا علي أولادنا وزوجاتنا من خروجهم إلي الشارع الذي فقد أمنه مع اننا كنا بلد الأمن والأمان.. كل هذا وغيره الكثير أصابني بالحزن والهم.. ثم كانت الطامة الكبري في انقسامنا حول دستور مصر، ففريق يؤيد وآخر يعارض.. وانقسامنا حول حرية وسلطة القضاء شاملا رجال النيابات وما يحدث الآن من فريق يؤيد وآخر يعارض، مع أن الحق بين.. وانقسامات حول القوانين المنهمرة كالمياه وهل هي في صالح الشعب أم ضد إرادة الشعب.. وجاءت الطامة الكبري وأنا أشاهد رجلا مصريا دون ملابس يسحل ويضرب وتأتي بعد ذلك المظاهرات والاحتجاجات وما يحدث فيها من تخريب لمنشآت الدولة.. وما يحدث من عنف غير مسبوق من رجال الشرطة.. حتي فقد أهل بورسعيد أكثر من 04 شهيدا في يوم واحد.. والسويس أكثر من 01 شهداء.. وامتدت الاشتباكات في جميع أنحاء محافظات مصر.. وسقط الشهداء وسقط الجنيه المصري.. واستبدلنا صندوق الانتخابات بصندوق خشبي به جثث خيرة شبابنا.. آسف عزيزي القارئ هذا قليل من كثير حاولت أن أخفيه عنك ولكن قلبي الحزين سبقني. آسف يا أمي الثلاثاء: تابعت علي شاشة التليفزيون أما مكلومة أصيب ابنها الوحيد الشاب الذي لا تتعدي سنه العشرين.. لقد أحسست بأن هذه السيدة هي أمي.. بل هي أم لكل المصريين.. أم منحها الله رغم المصيبة التي ألمت بها قوة إيمان بالله وعقيدة راسخة في رحمته.. تلك الأم التي كانت علي موعد مع ابنها لزيارة بيت الله والكعبة المشرفة ومعها ابنتها وتتبعها زيارة لقبر الرسول صلي الله عليه وسلم وبدلا من ذلك قضت خمسة أيام تبحث عن مكان ابنها محمد الجندي الذي اختفي وكأن الأرض ابتلعته وبعد طول انتظار علمت من مجهول ان ابنها في أحد المستشفيات بين الحياة والموت.. وهرولت إليه لتجده فاقدا للوعي وبه آثار تعذيب في كل أجزاء جسده النحيل.. يقال ان أحد الضباط قد قام بتعذيبه ثم نقله للمستشفي بحجة اصابته في حادث سيارة.. وجلست الأم تذرف دموعها لتغسل بها جسد ابنها لعلها تشفيه.. وجلس معها الأب الذي عبر عن نفسه بأن حادث ابنه كسر ظهره وجعله مشلولا.. الأب والأم جلسا يعاتبان ابنهما لانهما كان يتعشمان ان يقوم الابن بنفسه بالإشراف علي جنازتهما.. لا ان يقوما هما بدفنه.. الأم التي بدت قوية وصابرة وهي تتحدث مع المذيع اللامع محمود سعد.. الأم تسأل أي مسئول هل كنت ترضي أن يحدث هذا لابنك.. الأم تطالب بالقصاص لابنها ممن تسبب في هذه الآلام التي تحملها ابنها قبل ان يفقد الوعي.. الأم طلبت من كل مشاهد أن يدعو لابنها وأن يصلي عليه مسلما كان أو مسيحيا.. ولم تختم حديثها إلا وكانت الدموع تنهار كالسيول من عيني والدم يملأ قلبي غضبا.. ولم أستطع أن أغمض عيني طوال الليل إلا وأنا ادعو لابنها.. وأسأل نفسي هل تحولنا إلي شعب عديم الاحساس.. إلي شعب يعشق سفك الدماء.. لا أظن.. ومرت أيام قليلة أعلن بعدها صعود روح الشهيد إلي بارئها في نفس الوقت الذي صعدت أرواح اصدقائه عمرو سعد ومحمد كريستي وشاهدت والدة محمد الجندي وقد اتشحت بالسواد وضاع منها آخر أمل في حياة ابنها وفي حياتها نفسها.. وهكذا انضمت هذه السيدة إلي مئات من السيدات اللائي أودعن ابنائهن لمثواهم الأخير.. وعزائي لهن جميعا أن ابناءهم شهداء سيستقبلون آباءهم وأمهاتهم في الجنة بإذن الله. نساء مصر الأربعاء: صحيح أن المرأة المصرية تثبت في كل المناسبات التاريخية أن الواحدة منهن بألف رجل.. وقد شهدت الأيام الماضية أكثر من موقف. فتحت شعار »نساء مصر خط أحمر.. ورجالة مصر متتعراش« خرجت مظاهرة احتجاجية تقودها المرأة المصرية اعتراضا علي واقعة سحل وتعرية المواطن حمادة صابر وهن يهتفن يا حمادة ثور ثور هما عريا وانت المستور.. ولم تقف غضبة المرأة المصرية علي ذلك بل لم يرهب المرأة أسلوب التحرش الذي تتعرض له بعض السيدات بل زاد من ثورتهن، وخرجت عشرات المنظمات والأحزاب تقودهن المرأة في مسيرة حاشدة تحت عنوان الشارع لنا، وهتفن: الستات قالوها قوية مش عاوزين.. وتعالت الهتافات: قالوا صوت المرأة عورة صوت المرأة هو الثورة.. ووجهت المرأة المصرية رسالة أن سيدات مصر لن يخفن ولن يتوقفن عن المشاركة في فاعليات الثورة وكان منظرا مؤثرا حينما حملت المتظاهرات سكاكين وشوما وبعض أدوات المطبخ عبرن بها عن رفضهن التعرية والسحل والانتهاك والتحرش بالمرأة لأن بنات مصر خط أحمر.