السياسة والجنس والدين.. التابوهات الأشهر فى عالمنا العربى والمرأة هى المشترك الأعظم فى هذه الثلاثية، ففى مجتمعاتنا عندما نتحدث عن الجنس لا يتطرق الأمر إلى المساواة، ولكن يتم اختزاله فى الحديث عن جسد المرأة، وعندما تعلو الأصوات التى تدعو للأحكام المتشحة بالتدين الشكلى يصبح أول مظاهرها واهتمامها هو لباس المرأة. أما السياسة فحدث ولا حرج فهى الموطد والمنفذ فى ذات الوقت لعملية استبعاد ونفى المرأة وتحويلها إلى «صوت» أو «وردة». ففى عشية ثورة 25 يناير اكتشف المصريون قوتهم الجماعية وفوجئ المجتمع المصرى بمشاهد متنوعة من المصريات الأمهات والطبيبات والمهندسات والمدرسات والعاملات والمكافحات، كلهن يقفن فى الميدان يهتفن بجسارة متحدين الاستبداد، يدافعن عن حق الشهيد والمسجون، يصبن وينهضن للكفاح، يطببن الجروح، ويشحذن الهمم كل هذا ولم يتعرض أى منهن لأى مضايقة حتى ولو باللفظ !!
ومع تعاقب الأحداث السياسية وجدنا النساء المصريات أكثر مثابرة وقوة وإصرارا للدفاع عن الحق وتحدى الظلم، وجدنا مظاهرات نسائية تدافع عن سحل البنات، مظاهرات تطلب حق الشهيد تقودها أم خالد سعيد ومارى دانيال. ومظاهرات تطالب بإطلاق المساجين تقودها عايدة سيف الدولة وأهداف سويف.. ووجدنا نساء ملهمات ومناضلات مثل نوارة نجم. وتقاضى العسكر فى كشوف العذرية مثل سميرة إبراهيم.
إلى أن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن فى سباق انتخابات الرئاسة، وأصبح الاختيار ما بين السلطة العسكرية والتيار الدينى، وكلا الاختيارين يحمل المزيد من القيود على النساء بما كان يوصف بالاختيار ما بين «كشوف العذرية والختان». فأصبح اختيار المرأة المصرية وجودياً وليس اختيارا سياسيا حرا، فالبعض قاطعن، والأكثر امتثلن تحت راية المرشد أو العسكر.
وبعد حسم الانتخابات الرئاسية لصالح ممثل التيار الإسلامى، ارتفعت الأصوات التى تزيد من خوف النساء أو تزايد على التشدد الإسلامى بخطاب أكثر تشددا فى الكنيسة على غرار تصريح الأنبا بيشوى بضرورة التمثل بالمسلمات فى حشمتهن، ووجد الجميع مسلمين ومسحيين القاسم الثقافى المشترك أخيرا وهو ليس الوطن.. بل ضرورة احتشام النساء !!
وفى جولة بين النساء أخذت أسأل عما إذا كان هناك تغيير فعلى فى الشارع بعد تصدر التيار الإسلامى للرئاسة؟ وهل للأسوأ أم للأفضل ؟
المدهش أن الجميع اشتركن فى الرأى مسلمات ومسيحيات عن أن التحرش هو الظاهرة المستمرة والممتدة فى الشارع المصرى ولكن أصبحت له مفردات ولغة مختلفة بعد صعود د. مرسى للرئاسة.
صفاء صحفية مسلمة غير محجبة لخصت الموقف فى أنها تضطر لأن تلبس مفتاح الحياة الفرعونى حتى تعطى انطباعاً بأنها مسيحية تبريرا لعدم ارتدائها للحجاب، وبعد فوز مرسى بالرئاسة بدأت تسمع عبارات مثل «خلاص ممنوع الكارينا»، «خلاص هتتحجبوا»، «عصر التبرج انتهى»، وعلى حد وصفها «أن الناس فى الشارع رجالة وستات بقت ليهم شرعية أن يتكلموا عن لبسنا» مضيفة بأن «الشارع هو إللى هيحاكم البنات مش مرسى.. أنا مش متفائلة وبحوش عشان أهاجر».
أما إيمان وهى دكتورة مسيحية فأوضحت أن التحرش ظاهرة قديمة تتعرض لها الفتاة فى مجتمعنا منذ أن تصل سن البلوغ، ومؤكدة «إن الإخوان لو هيشتغلوا بشرع الله يبقى كويس ولكن لو هيزايدوا فى أحكامهم ويقفلوا يبقى صعب».
وأكدت نفس الكلام مارينا بكالوريس إعلام معلقة: «إحنا علطول بنتعاكس.. إحنا هندى مرسى فرصة 100 يوم، وأوضحت: «المعاكسات بقت أكثر مش عشان مرسى أو غيره ولكن لأن الناس عايشة فى كبت».
أما مريم فرأيها أنها مش خايفة لأنها لا تلبس ملابس ملفتة أو تضع أى إشارة تدل على دينها، وأضافت ملاحظة «إن الجديد عندما تطلب من أحد الرجال مغادرة عربة السيدات بالمترو يبتدى يتكلم عن الدين والسياسة وإننا إخوة» وكأنه يبرر الخطأ بحوار عن الوحدة الوطنية فى غير محله.
رشا كاتبة من أسيوط أفادت بأن المرأة أصبحت أكثر جرأة منذ الثورة، ولكن هناك الكثير من الضغوط فى العمل وفى الشارع والتى تزايدت مع صعود مرسى للحكم فقد تسمع عبارات فى الشارع «جه إللى هيربيكم »، «ودعوا المكياج »، وأضافت أن حتى المسلمات اللاتى يرتدين الحجاب فى المصالح الحكومية يتعرضن لبعض المضايقات لإرغامهن على لبس الخمار أو النقاب، وأضافت أن «هذه ردود فعل طفولية للأشخاص الذين لم يدركوا معنى الحرية، فطوال سنوات عدة ما قبل الثورة كانت دائما هناك تهديدات اعتدنا عليها ولم تؤثر على واقعنا بشىء. ولكن تزامن ظهور هذه التهديدات الآن مع بعض الحوادث منذ تولى مرسى الرئاسة أعطت الكثيرين فرصة لتوطيد خوفهم ».. أما مارى موظفة فى مصرف علقت بأنه «مفيش حد يقدر يفرض هويته على مصر.. والناس دلوقتى مبقتش بتخاف بقت بتعبر وأن دا المهم ».
وهكذا وصفت النساء المصريات يومياتهن فى عهد مبارك وأثناء الثورة وما بعد مرسى، ولسان حالهن يقول أيامنا فى الفرحة معدودة وهى 18 يوما أثناء الثورة حين توحد الجميع على حلم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. والآن نسى الجميع الوطن كما نسوا الأم المكلومة وسالى الشهيدة ومرام المصابة وبدأوا فى تقسيم كعكة السلطة. فنجاح مرسى بالنسبة للمجموعات المتشددة لم يترجم فى الاهتمام بتحديث مصر أو الدستور بقدر ما تجسد فى الإجماع على ما يجب أن تكونه المرأة. فحال النساء مثل حال مصر، يتقن للحرية والكرامة ولا يتلقين سوى المزيد من القهر، ولكن من قلب القهر تتجدد الثورة من جديد وبأيدى نسائها.