صورة الشهيدة سالى زهران صورة سميرة إبراهيم التى احتجت على تعرضها لكشف العذرية صورة الفتاة التى سحلت أثناء مظاهرات مجلس الوزراء صورة السيدة ذات الرداء الأحمر التى حاولت أن تنقذها صورة للسيدات الست اللاتى فزن فى مرحلتى برلمان الثورة بجانب ثلاث وزيرات فى حكومة الإنقاذ الوطنى خمس صور فقط بقيت فى »ألبوم« المرأة المصرية فى عام الثورة التى حملت شعارات.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية الصور الخمس تبدو متناقضة وكأنها لنساء فى دول مختلفة، لكن تأملها معا يقودنا إلى توقعات لما ستكون عليه أوضاع النساء فى العام الثانى للثورة عند الصورة الأولى كانت المحطة الأولى للمرأة المصرية فى عام 1102 المسمى بعام الثورة، لتشارك فى الدعوة لهذه الثورة على صفحات الإنترنت، ثم تشارك فى الاحتجاجات والمواجهات، وتستشهد فى ميادين الثورة بالمحافظات المختلفة، من أجل الحرية والعدالة، حتى بلغ عدد شهيدات الثورة خلال يناير وفبراير فقط 51 شهيدة، وشاركت النساء فى اللجان الشعبية والمستشفيات الميدانية. لتغير المرأة المصرية الصورة الذهنية المأخوذة عن المرأة المصرية والعربية والمسلمة فى العالم، وتضع نفسها فى مقدمة قوائم النساء الأكثر تأثيرا فى العالم، وتضع جريدة النيوزويك الأمريكية أربع 4 مصريات هن »د. نوال السعداوى، والناشطات جميلة إسماعيل وسلمى سعيد وداليا زيادة، ضمن قائمة تضمنت 051 امرأة من مختلف دول العالم وصفن بسيدات العام اللاتى حركن العالم، ووضعت صحيفة جارديان البريطانية الدكتورة نوال السعداوى فى المركز ال61 بقائمة أهم 001 ناشطة نسائية فى العالم. ويمنح البرلمان الأوروبى جائزة »سخاروف« التى يقدمها سنويا لحرية الفكر وهى من أهم الجوائز العالمية فى مجال حقوق الإنسان، للناشطة المصرية أسماء محفوظ و4 من أبرز نشطاء الربيع العربى كما أهدت الجمعية الفرنسية الأورومتوسطية د.كاميليا صبحى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة جائزة وشهادة التميز النسائى العالمى لعام 1102. هبوط بعد صعود فجأة.. تهبط أسهم المرأة فى المجتمع المصرى، بعد التحية والإشادة والامتنان لدورها فى الثورة، وتنتهك الحقوق الإنسانية والحق فى التعبير لدى الكثير من الناشطات، وتتعرض بعضهن للضرب والتعذيب والإحالة للمحاكمات العسكرية والتحقيقات العسكرية والمدنية، كما تعرض بعضهن للامتهان ومنهن سميرة إبراهيم ابنة سوهاج، التى أكملت تعليمها فقط حتى الثانوية العامة، التى اعترضت على امتهانها هى و71 فتاة أخرى بالكشف عن عذريتهن أثناء اعتقالهن فى مارس الماضى باحتجاجات فى ميدان التحرير من أجل تحقيق أهداف الثورة. كما بلغ عدد السيدات فى المجلس الاستشارى الذى تكون لمساعدة المجلس العسكرى فى كل الأمور التى تهم البلاد،3 سيدات فقط، من بين 03 شخصية من رؤساء الأحزاب، ورموز القوى السياسية والوطنية وعدد من مرشحى الرئاسة، وهن الدكتورة منار محمد الشوربجى والدكتورة نادية محمود مصطفى والدكتورة نيفين عبدالمنعم مسعد. وتعلو موجة من الإقصاء للمرأة ليس فقط من المشهد السياسى، وإنما من المشهد العام أيضا، للدرجة التى وصف بها تقرير المركز المصرى لحقوق المرأة - الذى صدر مؤخرا تحت عنوان (المرأة المصرية بين أجنحة الثورة وتعرية الواقع) - هذا الإقصاء بالعمدى المصحوب بحملة كراهية، لتغيير قانون الأحوال الشخصية الذى حملت بعض مواده إنصافا للمرأة المصرية إلى جانب مطالبات التيارات السلفية التى صعدت للمشهد السياسى بسرعة بعد الثورة، بعودة المرأة إلى المنزل وتقليص مشاركتها فى المجتمع. وتستبعد المرأة من المناصب القيادية، حيث ضمت وزارتا عصام شرف سيدة واحدة فى كل منهما بينما ضمت وزارة الإنقاذ الوطنى برئاسة كمال الجنزورى ثلاث سيدات، كما استبعدت النساء من منصب المحافظ، ومن لجنة التعديلات الدستورية ومن المناقشات حول تعديل قانون مجلسى الشعب والشورى، كما استبعدت النساء من منصب المحافظ. وعندما ألغى قانون الانتخابات (الكوتة) التى تخصص للمرأة 46 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة وقتها (805 ) مقاعد، واستعاض عنها بأن تتضمن كل قائمة من قوائم الأحزاب المتنافسة امرأة على الأقل، من خلال نظام انتخابى يزاوج بين الفردى والقائمة، لم يحدد القانون الجديد مكان المرأة على هذه القوائم، فكان مصيرها ذيل القائمة. وفى حين تصف فريدة النقاش مديرة ملتقى الهيئات لتنمية المرأة حصاد ثورة يناير بالنسبة للنساء بالحصاد المؤلم، ترجع الأمر إلى توجهات داخل الحكومة وداخل المجلس العسكرى تنظر إلى المرأة بارتياب، ولا تضعها فى مكانتها السليمة، ثم ترجمت هذه النظرة إلى حملة خبيثة ضد المكاسب الضئيلة للنساء، مثل تبسيط الإجراءات فى قانون الأحوال الشخصية المعروف بقانون الخلع، وحق الأم المصرية فى إعطاء جنسيتها لأبنائها، وقانون الرؤية ومحكمة الأسرة وغيرها، على اعتبار أنها منسوبة لسوزان مبارك، والحقيقة أنها نتاج نضال النساء ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم كله، وكأن هناك حالة عداء للمرأة فى المجتمع وفى الحكومة أيضا تغذيها أفكار ونفوذ الجماعات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين. وفى حين تطالب فريدة الحركة الديمقراطية بمعاودة النضال من أجل حقوق النساء، تلتمس العذر للأحزاب التقدمية التى لم تساند المرأة بما يكفى منذ الثورة وحتى الآن بسبب ما تصفه بحالة الارتباك العام الذى يعيشه المجتمع والنفوذ المتزايد للأفكار السلفية غير المستنيرة، متوقعة ألا تستمر هذه الأوضاع. برلمان يعادى النساء وتبدو صورة الوزيرات الثلاث فى نفس الوزارات التقليدية فى حكومة الجنزورى (التأمينات الاجتماعية والبحث العلمى والتعاون الدولى)، متناغمة مع الحصاد الهزيل للمرأة فى الانتخابات. فقد بلغ إجمالى ترشح النساء فى انتخابات مجلس الشعب الحالية 489 مرشحة من إجمالى 5148 مرشحاً ومرشحة، منهم 153 مرشحة على المقاعد الفردية من إجمالى 7484 مرشحاً ومرشحة، و 336 مرشحة على القوائم الحزبية من إجمالى 6653 مرشحاً ومرشحة، أى تدور حول نسبة ال 01 ٪ تقريبا من إجمالى المرشحين. لكن الحصاد فى المرحلتين المنقضيتين من الانتخابات لا يتعدى نسبة ال2 ٪ فقط، ففازت فى المرحلة الأولى ثلاث سيدات فقط بنسبة 4,1٪ اثنتان منهن على قائمة حزب الوفد »مارجريت عازر« فى محافظة القاهرة و»حنان أبوالغيط« فى محافظة دمياط، ومرشحة قائمة الكتلة المصرية فى محافظة أسيوط »سناء السعيد«، وفاز فى المرحلة الثانية ثلاث أخريات، هن: عزة محمد إبراهيم الجرف عن حزب الحرية والعدالة فى محافظة الجيزة، وفى محافظة الإسماعيلية ماجدة النويشى عن قائمة حزب الوفد، ومن محافظة الشرقية »رضا عبدالله« عن قائمة حزب الحرية والعدالة، ولا يتوقع أن تأتى المرحلة الثالثة والأخيرة بحصاد أكبر من حصاد المرحلتين السابقتين من مقاعد البرلمان البالغ عددها 894 مقعدا، لتخسر المرأة نسبة ال 8,21٪ التى كانت عليها فى برلمان الكوتة السابق. ومع هذا لا ترى الناشطة وعضو مؤسسة المرأة الجديدة بهيجة حسين المشكلة فى هذا الحصاد الهزيل فحسب، بل فى أن أغلب المرشحين والفائزين بالمقاعد لا يذكرون فى برنامجهم شيئاً يخص المرأة، لوعى متراكم يعادى المرأة وحقوقها، ولكسب أصوات الإسلام السياسى، كما لم تذكر معظم الأحزاب الجديدة شيئاً يساند المرأة فى برامجها الانتخابية. ولهذا تتوقع بهيجة ألا يكون لدى البرلمان القادم أية مشروعات تنحاز للنساء أو الفقراء أو من أريقت دماؤهم، كما لن يدافع نائب فى البرلمان عن قانونية توقيع مصر على اتفاقية دولية تمنح النساء هامشا من بعض حقوقهن، ولن نجد من يطالب بحقوق اجتماعية واقتصادية للنساء أو للأسرة وحمايتها، وخاصة أسر النساء المعيلات والأطفال القصر، بل ربما قد يطالب الكثير من نواب البرلمان القادم بإسقاط التشريعات التى صدرت من قبل لصالح المرأة، ليشرعوا قوانين تعادى النساء وتعادى حرية الفكر والاعتقاد وحرية التعبير. مسيرات نسائية ومليونية لرد الشرف هبت أطياف الشعب المصرى احتجاجا على الاعتداء على صورة الفتاة التى سحلت فى أحداث مجلس الوزراء، وخروج مسيرات ومليونيات لرد الشرف لنساء مصر، لا تختلف كثيرا عن مشهد تعرض ناشطات ونساء من مختلف الأطياف للتحرش والإهانة، عند خروجهن فى مسيرة فى التحرير فى اليوم العالمى للمرأة فى مارس، وإن بدى المشهدان مختلفين. كما لا يختلف أيضا عن استمرار استغلال المرأة كوقود لإشعال الفتن الطائفية، وخروج مظاهرات للمطالبة بظهور كاميليا شحاتة - المسيحية التى أسلمت - ثم عبير فخرى التى أشهرت إسلامها، وتسببت شائعة احتجازها داخل إحدى الكنائس بمنطقة إمبابة فى تجمع عشرات المسلمين لإخراجها وحدوث اشتباكات بينهم وبين المسيحيين مما أدى لمقتل وإصابة العشرات. وتتفاءل بهيجة حسين فقط بالمسيرة المؤيدة لحقوق النساء التى انطلقت من نقابة الصحفيين إلى ميدان التحرير، فى أعقاب صورة الفتاة المسحولة، لما احتوته شعاراتها ورسائلها من ثأر لما حدث للمرأة من مهانة بعد الثورة، وخيانة الكثير من القوى الليبرالية لحقوق النساء، مدللة على ذلك بأن موقف القوى السياسية لم يخرج عن رأيين لا ثالث لهما، الأول أن صورة الفتاة مفبركة، أو أنها تستحق ما حدث لها. والثانى الغضب فقط لأنها عرض وشرف، بدليل المسمى الذى أطلق على المليونية (مليونية رد الشرف)، أو (الحرائر) التى تطلق فى الجاهلية على غير الجوارى من النساء، داعية القوى الليبرالية والمدنية إلى الاتحاد من أجل حقوق النساء والوطن بأسره. منتدى الأسرة وسط هذا المناخ المعادى للنساء، حاولت الكثير من الناشطات تكوين أحزاب أو جمعيات أو اتحادات أو برلمان خاص بالنساء للدفاع عن حقوقهن، وأعلنت بعض الناشطات عن تكوينهن لأحزاب سياسية، وشكلت 454 جمعية حقوقية ونسائية (التحالف المصرى لمشاركة المرأة)، لدعم مشاركة النساء فى صناعة القرار والحفاظ على مكتسبات النساء والتصدى للقوى المحافظة التى تريد الحد من دور المرأة، وأرسلن لرئيس الوزراء والمجلس العسكرى مطالب النساء وتصور حول مشاركتهن فى المرحلة القادمة. وكونت 11 جمعية نسوية وتنموية تحالف المنظمات النسوية المصرية، لوضع مبادئ عامة ومطالب أساسية للمرأة المصرية تحقيقا لشعارات الثورة الثلاثة حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية، وهناك أيضا ائتلاف نساء الثورة، وتحالف المرأة المصرية. وإلى جانب نشاط المجتمع المدنى تبنى المجلس القومى للسكان مبادرة للحفاظ على مكتسبات النساء والأطفال معا الهجمة التى تعرضت لها بعد الثورة، تهدف لوضع رؤية متكاملة لقضايا الأسرة، تنطلق من احتياجات الناس الحقيقية، لتدعيم الأسرة المصرية ككل دون تجزئة. المبادرة التى أطلقتها الأمين العام للمجلس الدكتورة أميمة إدريس تحت عنوان (منتدى الأسرة والسكان)، ترى أن أغلب المشكلات التنموية فى مصر تعود إلى تخلى الأسرة عن دورها فى الرعاية، كالتسرب من التعليم وأطفال الشوارع والزواج المبكر. إذا كان الإسلاميون قالوا إن البنت اللى اتسحلت عند مجلس الوزراء ماكنتش لابسه بلوفر، فأنا بقول لهم إحنا ماشفناش كاميليا وعبير، بهذه العبارة تعبر أميمة عن اختلاف المعايير فى النظر إلى قضية المرأة، مما يعنى الرضا بإهانة المرأة التى تشكل نصف المجتمع ومسئولة عن النصف الآخر. وتعلق أميمة بعد حكم القضاء لصالح سميرة إبراهيم التى تعرضت لكشف العذرية أثناء اعتقالها، »مش هانستنى حد يجيب لنا حقنا هانجيب حقنا بايدينا وهانساعد بعض«، وأضافت: زرت مدام عزة، السيدة ذات الرداء الأحمر التى انطلقت لتغطى الفتاة التى سحلت فى أحداث مجلس الوزراء، ولكنها قالت لى وهى بمستشفى قصر العينى (زرت مايكل الشاب اللى حاول يدافع عن البنت أم عباية سودا وأخد رصاصة فى رجله). »هذه هى مصر التى يحمى فيها الكبار الصغار، ويدافع فيها المسيحى عن المسلم بحب واحترام وتعاطف، وعندى أمل أن يرجع هذا المنتدى المجتمع المصرى لصورته الأصيلة. »مصر رايحة على فين« هذا السؤال يتردد على الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، وعضو المنتدى، لكنه يجيب دائما للسائل »أنت عايز توديها على فين«، قائلا: الثورة ليست فقط حشدا فى الميادين، ولا مسارا انتخابيا ولا جهودا قانونية للحصول على الحقوق فقط، ولكن مسارات كثيرة من بينها بناء المجتمع على قيم جديدة وأصيلة فى ذات الوقت، يتفق عليها المجتمع، وتبثها الأسرة فى أطفالها ومؤسسات التعليم لدى الطلاب. هذه القيم لابد أن تستجيب لسؤال الهوية الذى يبدو الآن أكثر إلحاحا بعد الثورة، والذى يظهر فى تلك الطرفة التى يسوقها الدكتور المهدى للدلالة على حيرة الناخبين (ياأخى أروح أنتخب الليبراليين يقلعوا أمى الحجاب، أروح أنتخب الإسلاميين يلبسوها النقاب، ماعندكش حد أنتخبه ومالوش دعوة بأمى). يسعى المنتدى كما تقول أميمة إلى تضمين وثيقة للأسرة عند كتابة الدستور المصرى بالتعاون مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى وبيت العائلة فى الأزهر الشريف، تضمن حقوق الأطفال والنساء على الدولة، لدعم الأسرة لتقوم بواجبها فى حماية ورعاية أفرادها، لأنه من الصعب أن نبنى دولة على أسس ديمقراطية دون بناء مؤسسات اجتماعية تتمتع بعلاقات ديمقراطية بين أفرادها. يفكر أعضاء المنتدى فى القيم التى يحتاجها المجتمع بعد الثورة، لإعادة التماسك للأسرة وللمجتمع الذى يعانى صراعا فى الهوية، خاصة مع صعود التيارات الدينية المتشددة، ومن هذه القيم الحرية والعدالة وقيمة التعددية والاختلاف وعدم التمييز، وقيمة العمل. وبعد.. فيبدو أن عام الثورة لم ينصف النساء ليس فقط للتراث الذكورى أو لعداء التيارات الدينية للنساء، ولكن ربما لأن أهداف الثورة فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية لم تتحقق بعد.