منحاز أنا دائما إليه، متجه كياني بكليته نحو جنباته وأجنحته، وممراته وطرقاته، ورغم بساطة تجهيزاته أجدني مشدودا لربوعه، ومسكونا بالأمكنة التي تحتضن إشراقاته وتنبسط كأفق تتبدي فيه بصماته وومضاته، فمنذ ما يقرب من ربع القرن وأنا أتردد عليه، زائرا متيما، عاشقا، وهائماً مغرما، ففي جنباته التقيت بضالتي كثيرا، وعلي بساطه انطلقت روحي تهيم في جنبات المعرفة الغناء، وحدائق الفضول المذهلة، وذكرياتي في تلك الأرض الباهرة رغم بساطتها، ورياشها الفقير كثيرة جدا، تابعت دائما عطر الحنين المنعش في صحاري الحياة المحيطة، لذا أعترف بان موقفي الدائم من معرض القاهرة الدولي للكتاب يستند أساسا إلي قناعة الوجدان قبل براهين العقل، ولكن أسبابي المنطقية وراء الانحياز إليه عديدة، ليس فقط لأنه يحمل اسم قاهرتنا ذات العراقة والعبق المتفرد، وصاحبة الحضور الطاغي، ولكن أيضا لأنه النافذة الأرحب في عالم المعرفة الهائل، ولايضاهيه في دنيا العرب مماثل، بل مختلف معارض الكتب العربية سارت علي دربه، وتعلمت من تجربته الرائدة، وتلك حقيقة لاينكرها الأشقاء الذين يحرصون علي المشاركة فيه، وحضور أيامه ولياليه، ورغم الظروف التي توالت لم يفقد معرض القاهرة الدولي للكتاب بريقه مع أن أحداثا عديدة ألقت بظلالها عليه، وخاصة في هذه الدورة الرابعة نعم هناك أخطاء، أخطرها تكرار الوجوه المستهلكة التي ملها الناس، ولكن لايعني ذلك إهالة التراب علي أبرز أحداث مصر الثقافية، بل فقط لننبه علي الأخطاء، ونشخص المشكلات تمهيدا لحلها، بدلا من الهجوم العنيف الشرس الذي بدأ البعض ينهال به علي معرض الكتاب، وفارق كبير بين قلم يشخص وينبه، ومعاول هدم تدمر!