رغم التباعد الشديد في المواقف السياسية بين الحكومة والمعارضة واتساع فجوة التطلعات والمطالب السياسية، فإننا نكون أمام حاجة ملحة للنقاش والحوار السياسي للوصول لأرضية مشتركة في هذه المرحلة الحرجة، فالقضية الأساسية هنا تتمثل في تفويت الفرصة علي اشتعال العنف وتداعياته السلبية علي مصالح الدولة والمجتمع وتجنب الوصول بها لحافة الهاوية، حيث الحاجة ماسة لوقف النزيف الاقتصادي وانفلات الأمن، هذه تعد مقتضيات ضرورية لاستقرار الدولة ومصالحها. خلال الأيام الماضية، ورغم احتدام الأزمة السياسية، بدأت توجهات لتفعيل الحوار الوطني تحت مظلة ورعاية الدولة، فقد دعي الرئيس (محمد مرسي) لجلسات حوار لكل أطراف المعارضة، في هذه المرحلة يعد وجود صيغة وإطار للنقاش حول النقاط والموضوعات الخلافية، وبالتالي وكان من اللافت وجود رغبة مشتركة . وإذا ما نظرنا في بيانات بعض الأحزاب السياسية التي صدرت بمناسبة مرور عامين علي الثورة، نلاحظ أنها تعبر عن مطالب سياسية يمكن الحوار والتفاوض حولها، فهي في الإطار العام تميل لتعزيز المسار السياسي السلمي، وذلك عندما تتكلم عن خلافات حول الدستور وضرورة إجراء مناقشات بشأن بعض الملفات السياسية ، هذه المطالب تعد مقبولة لتكوين أجندة الحوار. غير أن هناك من يفرض شروطا تعجيزية يمكنها نسف الحوار في أية مرحلة، وخاصة ما يتعلق منها بالشروط المسبقة التي تطالب بإسقاط الدستور وتشكيل حكومة جديدة واعتراف الرئيس بمسئوليته عن أحداث العنف، فقد يكون من الملائم وضعها داخل أجندة الحوار ولكن اعتبارها شرطا للمشاركة هو أمر من شأنه تقويض فرصة البدء في النظر للخروج من الأزمة السياسية أو تخفيف حدتها، فيما أن بعض الآراء التي تدعو لتشكيل آلية لتعديل الدستور فهي تطرح رؤية تفاوضية يمكن البناء عليها خلال جلسات الحوار الوطني، حيث تعطي فرصة للتفكير في كيفية تعديل الدستور بما يلبي المصالح المشتركة ويراعي متطلبات الاستقرار السياسي والاجتماعي ما يرتبط منها بالسياسات الاقتصادية. وإذا كان من اتفاق مع ما ورد في بيانات عدد من الأحزاب بمناسبة مرور عامين من عُمر الثورة كدعوة للتلاقي من أجل استعادة عافية الثورة وإسقاط الثورة المضادة، فإن الاختلاف معه يتمثل في الإدراك الواضح لطبيعة المخاطر التي تهدد الثورة جراء الخلط بين الثورة والثورة المضادة، ولعل مواقف الحزب الديمقراطي الاجتماعي ومصر القوية وأحزاب أخري، خاصة عندما أدركت أن ما يسمي العنف الثوري يختلف بشكل كبير عن القيم التي رسختها ثورة يناير وينحرف بها عن المسار الطبيعي . هنا تبدو أهمية الاعتبار بالمسئولية السياسية كشرط لنجاح الحوار السياسي والرسمي فيما بين الأحزاب السياسية وبرعاية الدولة، وذلك ليس باعتبارها فرصة أخيرة وحسب ولكن باعتبارها تأسيسا للمرحلة القادمة، حيث أن التحدي الذي يواجه الدولة يتمثل في كيفية بناء ثقافة سياسية مشتركة وتوسيع نطاق مصالح كل طرف في النظام الجديد، وباعتقادي أن هذا ما يعد شرطا مهما لنجاح حوار سياسي تتضافر فيه إرادة كل الأطراف علي توسيع الخيارات والفرص السياسية وفق سياسة تأخذ البلاد للتنوع والتعددية السياسية عبر الوسائل والآليات الديمقراطية. لعل أحد دلالات الأحداث الجارية هو ما يتعلق بأهمية تحديد ملامح الثورة واستعادة قيمها الثورية السلمية ، وذلك لأجل المضي في المراحل التالية لبناء الدولة واستعادة عافيتها بالخروج من أزمة الثقة والاستقطاب الحاد، فليس من أصول الحوار فرض شروط تؤدي في مجملها لإزاحة أحد الأطراف أو إضعافه، فدائما ما كانت الشروط المسبقة ناسفة لفكرة الحوار من حيث المبدأ، وهذا مختلف بشكل كبير عن سعي كل طرف لوضع أجندة تعكس تطلعاته من المشاركة في الحوار، ومن ثم تكون مهام جلسات الحوار في تحسين وتطير المساحات المشتركة بين مختلف الأطراف والوصول لصيغة الحد الأدني التي تقوم عليها مؤسسات الدولة والابتعاد عن صيغه حافة الهاوية التي يحاول البعض فرضها كحل وحيد.