أخذتنا الحماسة، أو الجلالة، كما يقولون، طوال الشهور والأسابيع الماضية، وحتي اليوم، وانغمسنا في الجدل، طوال الليل والنهار، حول القضايا والمشاكل السياسية، وأصبحت الخلافات والصراعات السياسية هي الشاغل الأساسي لجميع القوي والتيارات والأحزاب المتواجدة علي الساحة، والتي استحوذ الشق السياسي من الشأن العام علي كل اهتمامها واهتمامنا، علي حساب جميع المكونات الأخري سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا. وكان من نتيجة هذا الخلل في توزيع الاهتمام علي جميع جوانب ومكونات الشأن العام، وتركيزه علي جانب أو مكون واحد، هو خلق تصور خاطئ لدي عموم الناس بالأهمية المطلقة والغالبة للقضايا السياسية علي بقية القضايا، واعتبارها الأولي بالرعاية والمناقشة والأخذ والرد دون بقية القضايا. وقد ساعد علي ذلك بالطبع الظروف الخاصة وطبيعة المرحلة التي مرت بها البلاد في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، واتساع رقعة ومساحة الممارسة السياسية بلا حدود، وارتفاع سقف وآفاق التطلع للحصول علي جميع الحقوق والحريات الأساسية. وفي هذا الإطار، رأينا اهتماما وانشغالا عاما من جميع طبقات المجتمع بالقضايا السياسية، ورأينا متابعة دقيقة ومتواصلة للخلافات المشتعلة بين القوي والتيارات والأحزاب حول هذه القضايا، وهو ما يعد ظاهرة ايجابية في حد ذاتها، لكونها تشير إلي تنامي الرغبة في المشاركة في الشأن العام لدي الجماهير، وهو ما كان مفقودا قبل ذلك. ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، حيث كان من نتيجة الاهتمام المكثف بالشق السياسي، انحسار الاهتمام ببقية المكونات في الشأن العام، وعلي رأسها الشق الاقتصادي، رغم أهميته البالغة لأي مجتمع من المجتمعات وأي دولة من الدول، باعتباره الدعامة الرئيسية لاستقرار المجتمع وسلامة الدولة وقوتها، حيث لا قيمة علي الاطلاق لأي مقوم سياسي في دولة منهارة اقتصاديا. وقد أدي ذلك الاهمال للجانب الاقتصادي، إلي عدم الالتفات بالقدر الواجب، وفي الوقت المناسب، بما لحق بالحالة الاقتصادية المصرية من اضرار، وما أصبحت عليه من تدهور، بحيث بدا وكأننا قد فوجئنا مؤخرا بما وصلت إليه أوضاعنا الاقتصادية من حالة بالغة السوء والحرج. »وللحديث بقية«