هناك بديهيات يرصدها الإنسان بالعين المجردة من معايشته لما يجري حوله.. من منا ينكر ان لدينا أزمة مرور علي مدار 42 ساعة، وأن القاهرة انسدت شرايينها بعد ان احتل أصحاب توكيلات السيارات والمحلات التجارية والباعة الجائلون الأرصفة، لذلك هرب الناس إلي نهر الشارع وسط السيارات، في الوقت الذي تضاعف فيه عدد وسائل النقل وتنوعت، أصبح لكل أسرة أكثر من سيارة ملاكي، حتي البواب أصبح يمتلكها وهذا حقه.. وساعد علي ذلك تيسيرات البنوك وزيادة عدد شركات انتاج وتجميع السيارات حتي جددت القاهرة شباب سياراتها.. وهناك السيارات الأجرة التي تعددت ألوانها بين الابيض والاصفر والأزرق، واتوبيسات النقل العام والميكروباص والمترو فوق الارض وتحتها. ورغم هذا الواقع الذي يلمسه كل عابر طريق، قام مركز معلومات مجلس الوزراء بإجراء استطلاع قام به خمس باحثات، وهو لا غبار عليه، لكنني اتوقف امام الطريقة التي تم بها وحجم العينة وهل هي معبرة عن كل فئات المجتمع ومستوياتهم؟ وللحق اعجبتني امانة الباحثات بعد اعترافهن بأن الاستقصاء تم تليفونيا وشمل 7401 شخصا! وهي بالطبع عينة هزيلة، والتوقيت أيضا غير مناسب.. اختارت الباحثات الفترة بين الرابعة والرابعة والنصف بعد الظهر، حيث يكون المبحوث عائداً من عمله للتو، أو يتناول طعامه، أو ذهب للراحة ثم يفاجأ بمن يسأله »إيه رأيك في مشكلة المرور؟«. وفي صراحة قالت الباحثات ان 694 شخصا لم يردوا علي المكالمات و14 تليفوناتهم مشغولة و091 تليفوناتهم مرفوعة من الخدمة.. وحول المنهجية التي تم استخدامها في البحث قالوا انها التحليل الاحصائي »الحزمة الاحصائية« »SPSS« وهنا أتوجه بالسؤال لمن اعدوا الاستقصاء.. لمن ستقدمون النتائج بهذا الأسلوب الاكاديمي؟!.. والطريف ان ثلثي الذين تم استطلاع رأيهم قالوا.. نعم هناك مشكلة ازدحام مرور! يا سبحان الله اكتشاف عبقري.. وقالوا ان يوم الخميس أكثر الأيام ازدحاما خلال الاسبوع، والفترة من الواحدة إلي الثالثة ظهرا هي الذروة تليها من الثالثة للخامسة.. وأن السبب في المشكلة الزيادة السكانية وعدد السيارات وعدم الالتزام بقواعد وآداب المرور وضيق الشوارع وسوء تخطيطها. وقال الذين تم استطلاع رأيهم ان المواصلات العامة لا تستوعب سوي 66٪ من المواطنين.. والسؤال كيف تمكنوا من حسابها بهذه الدقة.. وكشف الاستقصاء ان من اسباب الازمة ايضا القيادة بسرعة شديدة، والحديث في المحمول وسير المواطنين في نهر الشارع وسط السيارات! والسؤال هنا للمحليات من المسئول عن اختفاء الرصيف واحتلال توكيلات السيارات وأصحاب المحلات والباعة والمتسولون له؟ يا سادة المشكلة معروفة وسلبياتها خطيرة ويكفي ان انقل هنا تصريح الدكتور عصام شرف وزير النقل الاسبق الذي كشف ان الفاقد الاقتصادي نتيجة الأزمة يقدر بنحو 51 مليار جنيه سنويا، إضافة إلي الاعداد الكبيرة من الضحايا علي طرق المحافظات.. المشكلة تحتاج إلي جراحة عاجلة لشرايين القاهرة وليس مجرد استطلاع بالتليفون في موضوع قُتل بحثا.