المعارضة السورية المسلحة تحقق تقدما على الأرض هذا العام أيام قليلة وينتهي عام 2012، الذي كان ساخناً في أحداثه، سريعاً في تطوراته و تحولاته. هذا العام الذي حمل معه الأمل بولادة حقبة جديدة في دول الربيع العربي ينتهي دون أن تحقق الثورات العربية حلمها في تحقيق الحرية والاستقرار... في هذا العام أختلط الأمل باليأس والنجاح بالإخفاق لدي شعوب الربيع العربي ظهرت في شكل انقسامات سياسية حادة وتراجع اقتصادي تتعثر معه الحلول تمثل في تقلص شديد في النمو وتراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية وكذا ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع في الديون وصعود مقلق لمعدل البطالة حقائق اكدها رئيس صندوق النقد العربي مؤخرا عندما اعلن ان اقتصادات دول الربيع العربي تعاني بشدة من العنف الذي اتسمت به حركات الاحتجاج الشعبية ومن الازمة المالية العالمية وان اقتصادات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا تواجه تزايد العجز في الموازنات وفي ميزان المدفوعات وارتفاعا في الديون. في هذا العام واجهت الأحزاب الإسلامية التي تولت السلطة في كل من تونس ومصر أكبر اختبار تاريخي لها منذ صعودها عبر الربيع العربي، تمثلت في تعثرات سياسية واقتصادية.. علي اية حال مازال الطريق في أوله ولا يمكن الحكم علي تلك السياسات. فقد نجحت هذه السياسات في بعض الأمور كقيامها بانتخابات ناجحة خلال الثورة حيث كان لدي هذه الاحزاب انفتاح علي كل الأطراف لكن عند وصولهم إلي الحكم اختلف الأمر نوعاً ما.. ففي تونس ومصر توالت الإخفاقات في بناء الأنظمة الجديدة علي وقع الصدام بين أنظمة تيار الإسلام السياسي الذي تولي الحكم وصفوف القوي العلمانية والليبرالية تحت مسمي الصراع المحموم لتحقيق الديمقراطية . ففي تونس وبعد عامين من اندلاع ثورة الحرية والكرامة، "ثورة الياسمين"تبدو الصورة العامة باهتة لا شيء يبدو قد تغير، فالثورة التي حمل شعلتها الفقراء في تونس من أجل الخبز والكرامة، عمقت آلام الفقراء بدلا من معالجتها، حيث تجد حكومة الائتلاف الحزبي بزعامة حزب النهضة الاسلامي صعوبة في إقناع الجماهير التي تنادي بتطوير مستواها المعيشي وإيجاد فرص عمل ومازالت الحكومة الجديدة تواجه موجة من الاحتجاجات لأن المواطنين يرون أنها لم تغير من واقعهم اليومي.. وفي ذكري الثورة التي تم الاحتفال بها الاسبوع الماضي رشق محتجون الرئيس التونسي ، منصف المرزوقي بالطماطم والحجارة في مدينة سيدي بوزيد، مهد الثورة ورفع المحتجون شعار "الشعب يريد إسقاط الحكومة"، في الوقت نفسه تشهد تونس حالات من التوتر السياسي والمواجهات بين التيار الاسلامي الحاكم والمعارضة اليسارية والعلمانية تسببت في حالة انقسام مثل مصر. وهي مواجهات تعكس اختلاف الرؤي بين الجانبين . وفي الأردن .. تأثر المواطنون الاردنيون بانتفاضات الربيع العربي ، وكسروا حاجز الخوف ونزلوا إلي الشارع في مظاهرات سلمية خلال العام الحالي، وعلي عكس المتظاهرين في دول انطلاقة الربيع الذين طالبوا منذ انطلاقته بإسقاط الأنظمة، طالبوا في البداية إصلاح النظام ودخلت الأردن مرحلة جديدة من الحراك السياسي وفي سوريا... ما يزال العنف في سوريا في تصاعد مستمر بعد ان فشلت كل الحلول التفاوضية السلميةالتي طرحت خلال هذا العام مع النظام السوري من خلال الاممالمتحدة، والتي تمثلت في جولات ومفاوضات قام بها كوفي عنان الامين العام السابق ثم المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي كلها لم تصل الي شيء سوي انها في مجملها ادت في النهاية الي تصعيد عسكري.. قصف عسكري من النظام السوري بلا هوادة للمدن والقري طال حتي مخيم اللاجئين الفلسطنيين، اشتباكات ومعارك في الشوارع بين القوات النظامية والمعارضة المسلحة التي حصلت مؤخرا علي اعتراف وتمويل عربي وغربي وبموجبه اصبحت تسيطر علي مناطق واسعة ومعظم المعابر الحدودية. حصيلة هذا العام من ضحايا هذه الانتفاضةأكثر من 34 ألف قتيل ومئات الآلاف من المهجّرين والمعتقلين ومجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان وتدهور متزايد في الوضع الإنساني والاقتصادي، دول الجوار لم تسلم من التوتر الذي امتد إلي لبنان، والأردن، وتركيا . اليمن.. بعد عام من الثورة ورغم أن الرئيس علي عبدالله صالح تنحي عن السلطة في اليمن في فبراير الماضي بموجب اتفاق حول عملية انتقالية منحه والمقربين منه حصانةالا انه احتفظ برئاسته لحزب المؤتمر الشعبي العام وبقيت اقسام في الجيش موالية له ولديه قناة تلفزيونية ما يعني بالنسبة الي معارضيه انه يقاوم العملية الانتقالية السياسية ويسعي للعودة الي السلطة حتي الآن. وربما تكون الثورة اليمنية مختلفة عن بقية ثورات الربيع العربي نظرا لوجود تنظيم القاعدة بها ومشكلة الحوثيين وعدم وجود بترول علي أرضها الامر الذي يدفع الدول الكبري والمجاورة للتفكير كثيرا قبل مساعدة المعارضة علي إتمام دورها خوفا من تغيير طبيعة اليمن وسيطرة أحد المعارضين غير المرغوب فيهم علي الحكم في اليمن. وفي ليبيا.. أجريت انتخابات برلمانية جاءت نتائجها مفاجئة ومخالفة لكل التوقعات بعد ان جاء تحالف القوي الوطنية - ذو الخلفية الليبرالية بزعامة محمود جبريل في المرتبة الاولي وجاء حزب العدالة والبناء الزراع السياسية للإخوان المسلمين في ليبيا في المرتبة الثانية .. مع ذلك لم تغير نتائج الانتخابات الليبية الواقع الليبي ولم تقص ايا من الطرفين الفائزين في الانتخابات خاصة وان الانتخابات لم تجري علي اساس ايديولوجي ولكن علي اساس قبلي او عشائري وهو مالم ينتبه اليه الاسلاميون في ليبيا خاصة انهم حديثو العهد بالسياسة علي عكس الاخوان المسلمون في مصر وحركة النهضة في تونس، ورغم الانفلات الامني ومحاولات عرقلة الدولة من بقايا النظام السابق فقد استطاعت ليبيا انتخاب المؤتمر الوطني العام والذي تسلم السلطة من المجلس الوطني الانتقالي وانتخاب رئيس للحكومة في اغسطس الماضي المغرب .. بقي من الدول القليلة التي استطاعت النجاة من زخم الربيع العربي بعدما تراجعت قوة حركة 23 فبراير المعارضة والتي طالبت بتحجيم صلاحيات الملك وإقرار دستور جديد وبناء دولة القانون لأسباب منها قوة الأجهزة الأمنية في السيطرة علي الشارع ورضوخ الملك لعدد من هذه المطالب منها اقرار دستور جديد، قام البرلمان بالمصادقة عليه ووفقاً للدستور الجديد فقد عين الملك محمد السادس زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي عبد الإله كيران رئيساً للوزراء. وعلي ضوء تزايد نفوذ الإسلاميين، يسعي الملك إلي الحفاظ علي التوازن بين الحداثة والإسلام، والحفاظ علي نظامه وبناء ديمقراطية موحدة مع وجود مؤسسات ديمقراطية شكلية... ومنذ تشكيل حكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامية في يناير 2012، والتي وعدت من جانبها بإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية شاملة، ولم تنفذ معظم هذه الإصلاحات. البحرين.. ورغم أن دول الخليج العربي تحاول تأجيل ظهور الانتفاضات ،إلا أن البحرين تعيش مع الاحتجاجات التي يقوم بهاشباب مستقلون إلي جانب سبع جمعيات معارضة شيعية وليبرالية وقومية وبعثية تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية. وتتميز هذه الثورة بالتكتم الإعلامي الشديد عليهاً نظراً لأنها أول ثورة تستهدف نظاما ملكيا وخليجيا. وحكومة البحرين هي الوحيدة التي استعانت بقوات من دول أخري أغلبها من السعودية وبعضها من الإمارات لقمع الاحتجاجات. انتهت هذه الاحتجاجات فجر 17 فبراير باقتحام الجيش لدوار اللؤلؤة الذي تمركزت فيه أغلب الاحتجاجات وتدميره بعد طرد المتظاهرين منه وإقامة حواجز ونقاط تفتيش في عدة نواح من البلاد وإعلان حالة الطوارئ تحت مسمي السلامة الوطنية. تلا ذلك سلسلة اعتقالات واسعة ومحاكمات عسكرية ومدنية شملت شخصيات بارزة ووضع المتظاهرون عددا من الشروط للبدء في الحوار واستجابت الحكومة لبعض هذه الشروط. واضطرت الكويت الي إجراء انتخابات سابقة لأوانها تحت ضغط المعارضة التي لا تتردد في المطالبة بمحاكمة بعض الأمراء بالفساد . وفي الجزائر، لم تصل الحركات الاحتجاجية الشعبية الجزائرية إلي درجة الثورة الكاملة هذا العام كما حدث في تونس ومصر وليبيا لتقدم الجزائر نموذجا للتغيير يقترب من المغرب مثل إجراء تعديل دستوري وتنظيم مجموعة قوانين جديدة تسمح بالممارسة الديمقراطية وإشراك كافة القوي السياسية من داخل البرلمان ومن خارجه لوضع نظام انتخابي جديد. واجريت انتخابات كرست الوضع القائم حيث حصل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر بزعامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذه الانتخابات علي 220 مقعدا من أصل 462 مقعدا في البرلمان ليظل الحزب سيد المسرح السياسي في البلاد. وأرجع محللون هذه النتائج إلي إدخال النظام لعائدات النفط في سلسلة تحسينات علي الأجور، والذي لاقي ترحيبا بين الجزائريين بعد أن شهدت الجزائر هذا العام بوادر عدوي بالربيع العربي!!