صار من الواضح أن حالة الثورة المصرية سوف تلاقي أعباء وتحديات متجددة خلال الفترة القادمة، وهناك اعتقاد بأن هذه الظاهرة تعد طبيعية في ظل عملية انتقال وتحول سياسي عميقة يشهدها المجتمع المصري، ليس فقط في الانتقال والتحول من نظام قمعي لنظام آخر، ولكن أيضا للخلاف حول مسار وتوجهات تكوين النظام الجديد ووضع إطار للنقاش حول مستقبل البلاد. ويكشف النقاش والاختلاف حول الدستور وكذلك اتجاهات التصويت في المرحلة الأولي للاستفتاء عن احتدام الجدل فيما بين الأطراف السياسية المختلفة، فما يشير إليه الوضع القائم هو أن عملية بناء النظام الجديد لا تزال تحتاج المزيد من النقاش لأجل الوصول لصيغة متقاربة لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وهذا لا يتحقق سوي بتوافر مناخ يتسع لتنوع الآراء سواء عبر مؤسسات الدولة أو علي مستوي المجتمع والكيانات الحزبية، حيث أن دخول المرحلة التالية للاستفتاء في ظل الاستقطاب سوف تواجه الدولة والمجتمع بحالة تساعد علي إعادة إنتاج الأزمات السياسية. ورغم تشكيك المعارضين للدستور في سلامة الاستفتاء، وإبلاغهم اللجنة العليا للانتخابات عن المخالفات التي رصدوها، فإنه يمكننا القول، أن هذا السلوك يعبر عن الميول الديمقراطية في العمل السياسي، كما يعبر في ذات الوقت عن تطوير لموقف معارضي الاستفتاء ومشروع الدستور، فقد استقر الخطاب السياسي ومواقف جبهة الإنقاذ علي إسقاط الجمعية التأسيسية ورفض الاستفتاء ومقاطعته، ولكنها إزاء متغيرات سياسية تتعلق بإلغاء الإعلان الدستوري اتجهت للمشاركة في الاستفتاء والحشد للتصويت لرفض مشروع الدستور. وبشكل عام، هذا الموقف يعبر عن الانحياز لتعضيد العمل والمشاركة السياسية ويزيد من فرص المساهمة في بناء النظام الجديد وتعزيز دولة القانون، وذلك بعد اصرار المعارضين علي تسوية خارج نطاق الحوار السياسي، ويتضح ذلك من خلال الإصرار علي إدامة الخلاف وتجنب الوصول لحلول تفاوضية فيما يتعلق بالقضايا محل الخلاف. وفي هذه الأوقات، ظهرت بعض الممارسات التي تعضد مطالب عودة النظام السابق، وهي ترتكن في معظمها علي أن غياب الوظيفة الأمنية للدولة هو بمثابة إخفاق للثورة، ومن ثم تري أن مصلحة البلاد ليست في استمرار الاستفتاء وتقريب المواقف بين الأطراف السياسية، وإنما تتحقق في وقف المسار السياسي وإحداث حالة من الفوضي لا تستطيع معها الحكومة إدارة شئون الدولة. وعلي خلاف ذلك، ورغم تحفظ جانب من الحركات السلفية علي مشروع الدستور ومنها "شوري العلماء"، فإنها اتجهت للموافقة علي مشروع الدستور كترجيح لمصلحة المجتمع، وهذا الموقف لا يختلف في مضمونه عن مشاركة جبهة الإنقاذ من جهة المشاركة الإيجابية في المجال العام وفي صياغة المستقبل السياسي للدولة. وبغض النظر عن النتائج الإحصائية للاستفتاء، فإن الدولة ستواجه عددا من المسائل المرتبطة ببناء النظام الجديد واستقرار الدولة، وهذا ما يتطلب وضع أجندة للخروج من حالة الاستقطاب السياسي. يأتي في مقدمة هذه المسائل، الإعداد للانتخابات التشريعية والوصول من خلالها لاستكمال مؤسسات الدولة وإدارة الخلاف السياسي حول إصلاح النظام التشريعي والسياسات الاجتماعية وتصحيح النظام الاقتصادي، فهذه الملفات تحتاج لمناخ يتسم بالاستقرار، ويمنع في ذات الوقت من الوصول لحافة الانهيار، التي لا نرغبها جميعا. ورغم صعوبة التحديات ومرارة الواقع، لابد من تسوية الخلاف داخل القواعد المتعارف عليها، لقد كان من إسهامات الثورة المصرية، هو إعادة الاعتبار لسلطة الشعب والسيادة الشعبية عبر الانتخابات التي شهدتها البلاد منذ مارس 2011، وهذا ما يعد تدريبا ميدانيا علي المشاركة السياسية وتحسن في إدارة الخلافات والتنوع الفكري والاجتماعي في الدولة رغم حداثة الحرية.