في ظل التطورات الراهنة يثور السؤال، لماذا يتعثر الحوار السياسي عند أول اختلاف في النظر لماهية وهوية الدولة؟، فخلال العام الماضي ظهر الكثير من الأفكار والأطروحات لإدارة الفترة الانتقالية، وهناك اعتقاد بأن ما حدث يعد ظاهرة صحية استجابت لتحديات المرحلة، ولكنه رغم أهمية بعض ما طرح، لكن الحوارات وصلت لتباعد سياسي يتعقد الكثير من المفكرين والعلماء أنه يضعف مشروع التحول السياسي. تبدو المشكلة، ليس فقط في تباين الرؤي واختلاف المرجيعات، ولكن في ضعف القدرة علي تكوين وبلورة الأرضية المشتركة، ومن ثم يصبح الجميع أمام حالة من الحوار الهش الذي ما إن يبدأ حتي ينتهي، فكما هي أرضية مشتركة تكون المسئولية أيضا مشتركة. كشف الواقع السياسي أننا إذا أمام ثلاث مدارس فكرية تتمثل في ؛الأفكار الإسلامية وفقاً لتصور حركة الإخوان المسلمين، والتصورات الإسلامية وفقاً للحركة السلفية، وأخيرا التصورات السياسية كراها التيارات والأحزاب الليبرالية والاشتراكية، يسعي كل منها لتوطيد مشروعه السياسي في الدولة، وهذا حق شرعي لكل الأطراف، ولكن الخلاف يدور حول طريقة صياغة المشروع الوطني، سواء عن طريق التعرف علي توجهات الإرادة الشعبية عبر الانتخابات أم الحوار السياسي. واعتقد أن طريقة النظر لهذه الحالة يترتب عليها سياسة التعاون أو الصراع، وهنا تظهر أهمية التمييز بين التنوع والتنافس وبين الصراع والاستبعاد، حيث أن تبني أي منظور منهما سوف يؤدي لنتائج وممارسات مختلفة، ويبدو أن ممارسات العامين الماضيين كشف عن التباعد بين المكونات الرئيسية الثلاثة والتي تشكل الطيف المدني في السياسة المصرية. فقد اتضحت بوادر التنافر في هشاشة الأرضية المشتركة ل" التحالف الديمقراطي من أجل مصر" رغم الميراث المشترك لكثير من أطرافه في مقاومة النظام السابق، كما أنه لم تستطع تكوينات سياسية أخري أو تحالفات في السير نحو الإدراك المشترك لقضايا الفترة الانتقالية. لم يقتصر الخلاف بين الأحزاب والقوي السياسية علي الجوانب الفكرية والمرجعية الفكرية رغم أهميتها في وضع المبادئ العامة لبناء النظام السياسي، فقد تبلورت حالة من التقلب في المواقف والتحالفات بصورة تثير التساؤل، وقد ظهر ذلك في اختلاف وجهات النظر تجاه مقترحات المبادئ الدستورية الحاكمة والتي ترتب عليها انقسامات واسعة فيما بين الأحزاب السياسية، دارت ما بين القبول التام بها أو اعتبارها استشارية، وقد كشف ذاك النقاش والتنافس السياسي عن ضعف فرص التلاقي والحوار. ولذلك، تعتبر حالة الاستقطاب الممتدة نتيجة طبيعية للخلافات المتراكمة منذ بداية الثورة، وظهر في كثير من الأزمات التي مرت بها الدولة تبلور حالة اصطفاف علماني إسلامي، ولذلك لم يكن مستغرباً سعي الليبراليين والاشتراكيين لتكوين تحالفات جديدة تحت عناوين وطنية كما في "المؤتمر المصري" أو "التيار الشعبي" وتقديمهما علي أنهما إطار لحركة وطنية مناظرة للحركة الإسلامية، وذلك رغم غياب الصرامة الأيديولوجية مع انتهاء الحرب الباردة. ومن خلال تحليل الخطاب السياسي للتيار والمؤتمر المصري، يتضح أن الخلاف لا يقتصر فقط علي مسودة الدستور ولكن حول صياغة الدستور ذاته، وهو ما يكشف عن عمق الصراع السياسي، فالخلاف من جانب الليبراليين والاشتراكيين لا يقتصر علي تعديلات أو تفصيلات، ولكنه تحول نحو تفكيك النظام القائم متمثلا في الجمعية التأسيسية رغم وقوعها تحت نظر القضاء أو التصدي لعرض الدستور للاستفتاء الشعبي، بحيث تتحول مسالة الدستور لهز شرعية السلطات التي تكونت بعد الثورة عبر الانتخابات الحرة. فيما أن الحركة السلفية تسعي لإعادة النقاش حول بعض المواد في الدستور، وهي حالة قريبة من فكرة الحوار حول المسار الانتقالي، إذ أن تطلعات الحركة السلفية ترتبط بمكونها الفكري ونظرتها لإصلاح المجتمع، وهذه المسألة تكون مساهمة إيجابية إذا ما توافر المناخ الجماعي للمناقشة وتوافر القبول المشترك للصياغات المقترحة ومن ثم يعد من الأهمية الاعتداد بالمسارين؛ ما أفرزته نتائج الانتخابات وبدء حوار سياسي ما بين الكتل الثلاثة، ولعل لقاء رئيس الدولة مع كثير من الحركات السياسية والشخصيات العامة، يعطي إمكانية للسير في اتجاه تطوير وتكوين الإطار والسياق المشترك اللازم لاستمرار عملية بناء الدولة خلال الفترة الانتقالية، فالجدل الدائر سوف ينعكس في خيارين؛ إما تعطيل الدولة أو بناءها ، الاقتراب من النهضة أو التخلف.