د. خيرى عمر ترتبط المناقشات حول الدستور بجانبين، جدليات العلاقة بين التيارات وأطروحاتها الفكرية التي تتصدي لتفكيك التحديات التي تواجه النظام الجديد، ومدي استيعاب الانتقال السياسي لتطلعات القوي السياسية والمجتمع. وثمة اعتقاد يذهب إلي أن النقاش الدستوري سوف يشكل أهم التحديات التي تواجه صياغة أطر العلاقة بين الدولة والمجتمع خلال المرحلة الانتقالية القادمة، ليس باعتبارها مرحلة فاصلة بين عهدين، ولكنها تمهد لوضع نظام جديد، وهو ما يلقي تحديات متجددة بسبب حالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها المجتمع وتدور رحاها بين النخبة السياسية. وبشكل عام، ترجع حالة الاستقطاب إلي ارتباك الفترة الانتقالية واهتزاز سياسة التحول الديمقراطي وتنامي الصراع، ليس فقط بين الإسلاميين والعلمانيين ولكن أيضاً فيما بين الإسلاميين، وقد ظهر هذا التفتت السياسي علي مدي الفترة التالية للاستفتاء الدستوري، حيث زاد الانقسام السياسي الذي تحول بدوره لاستقطاب مع إجراء الانتخابات التشريعية، كما اندلعت منافسة بين مدرستين في الحركة الإسلامية امتدت آثارها لانتخابات الرئاسة. وهنا يمكن القول، إن المشكلة التي ظهرت خلال الفترة الماضية تمثلت في غياب الإطار القانوني الحاسم الذي يحظي بالشرعية السياسية، وظهرت خلافات قانونية وأحكام قضائية كشفت عن ضعف الأساس القانوني لكثير من الممارسات السياسية، خاصة ما يتعلق منها بالجمعية التأسيسية، ومن هنا تبدو أهمية صياغة النظام القانوني للدولة علي أساس التوافق والتراضي لبدء مرحلة جديدة في تاريخ الدولة، ولعل صياغة الدستور في ظل حالة احتقان سياسي سوف تؤدي لحالة من القلق والتوتر، وهي حالة يصعب معها الانتقال السلس نحو الدولة الجديدة. ومن ثم تعد مسألة تماسك وتجانس أبواب الدستور ومواده من المقومات الضرورية للخروج بدستور يقود نحو التغيير الاجتماعي، كما ينقل الدولة من حقبة التشتت والتناقض التشريعي التي شهدتها البلاد فترة ما بعد الاستقلال، حيث صارت المشاريع والقواعد الدستورية بعيدة عن التكيف مع التغيرات والتحولات التي يشهدها المجتمع منذ منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، خاصة ما يتعلق بالانفتاح الاقتصادي والتعددية الحزبية، وهي سياسات رسخت علي مدي ثلاثة عقود أوضاعاً لم تفلح التعديلات الدستورية اللاحقة في معالجتها، مما أدي لاندلاع الثورة علي حالة الجمود وتشوه التشريعات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. ولدي التصدي لصياغة دستور جديد، تعد مسألة التماسك والتجانس حيوية وضرورية لتكوين نظام سياسي متوازن ينقل الدولة والمجتمع للتعددية السياسية ويثري التنوع الاجتماعي والاقتصادي، ولذلك، فإن الإجابة عن أسئلة التطور وبناء الدولة لاتزال تتطلب النقاش حول المسودة التي طرحتها الجمعية التأسيسية، بصورة تزيل أو تقلل من حالة القلق حول مستقبل البلاد، فهذا القلق يرجع في جزء منه لاختلاف المصادر والمرجعيات الفكرية، فضلاً عن تحديات الانتقال من النظام السابق لنظام جديد لم تتبلور معالمه، وهي أوضاع سوف تستمر لفترة قادمة، خاصة مع تنامي الصراع السياسي. وهنا تبدو أهمية الإشارة لجانبين، الجانب الأول هو ما يتعلق بفكرة الخروج من تقاسم الدستور والحصص التمثيلية أو خفضها لأدني حد ممكن، وذلك باعتبار أن الركون لهذا المدخل سوف يضعف الصياغات النهائية للدستور، ولعل المطالب الخاصة بالأحزاب أو المؤسسات ساهمت في تشتت وإضعاف المسودة محل للنقاش، ومن ثم فإن وظيفة المناقشات التالية تتمثل في الاجتهاد والسعي لصياغة دستور متجانس من حيث وحدة الفلسفة التشريعية ومبدأ وحدة الدستور وأن تكون الدولة علي مسافة واحدة تجاه كل المواطنين. أما الجانب الثاني، فإنه بغض النظر عن محتوي الحكم الصادر بحق الجمعية التأسيسية، فالمسألة هنا تتعلق بطريقة النظر لصياغة الدستور ولا تتعلق فقط باستمرار أو انقطاع الشكل السياسي، وذلك، فإن التحدي الرئيسي يتمثل في دراسة فرص التوافق وتجنب الصراعات العدمية لتكوين البيئة الملائمة للانتهاء من صياغة الدستور الذي صار يشكل حاجة ملحة للحفاظ علي تماسك الدولة والمجتمع، وهي حالة صارت حرجة في الوقت الراهن، وهو ما يتطلب تضافر الجهود لإنقاذ الموقف قبل حدوث تداعيات عشوائية.