فى ظل المناقشات حول الصياغات النهائية للدستور الجديد وقبل عرضه للاستفتاء الشعبى، تعد مسألة تماسك وتجانس أبواب الدستور ومواده من المقومات الضرورية للخروج بدستور يعبر عن النضج والتطور السياسى للدولة المصرية؛ حيث إن خروج دستور بمواصفات جيدة سوف يؤدى لنقلة نوعية فى الوثائق السياسية التى شهدتها البلاد فترة ما بعد الاستقلال، فقد اتسمت الوثائق التى صدرت فترة ما بعد ثورة 1952 بالتناقض والتعارض فيما بين نصوصها، وينطبق ذلك على ما يتعلق بالميثاق الوطنى أو دستور 71 خاصة فى المراحل المتأخرة من حياته. وكما كان الخلل واضحا فى اختلال التوازن بين السلطات وغياب ضمان سيادة القانون، فخلال الأربعين عاما الماضية تراكمت التناقضات فى دستور 71، وهذا ما نلاحظه منذ الديباجة التى كانت تتحدث عن تحالف قُوى الشعب العامل، فيما تتوسع الأبواب الأخرى فى الحريات العامة والفردية وحقوق الملكية الخاصة ذات الجذور الليبرالية والرأسمالية. ولدى التصدى لصياغة دستور جديد، تعد مسألة التماسك والتجانس حيوية وضرورية لتكوين نظام سياسى متوازن ينقل الدولة والمجتمع للتعددية السياسية، ويثرى التنوع الاجتماعى والاقتصادى، ولذلك فإن الإجابة عن أسئلة التطور وبناء الدولة فيما يتعلق بهوية التنمية والسياسات الاجتماعية وبناء سلطة سياسية متوازنة وتأسيس الحقوق والواجبات على مبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص، هذه كلها تعد من المقومات العامة اللازمة لصياغة دستور يتجاوز حالة القلق والتشوه التشريعى التى سادت الخبرة المصرية خلال العقود الماضية. فقد تمثلت العيوب التى شهدها الواقع السياسى فى السابق فى غموض العلاقة ما بين السلطات ونقص بلورة مكانة ودور المجتمع المدنى فى الشئون العامة، وهو ما أدى لهدر المبادرات المجتمعية وتغول الدولة على الحريات العامة والخاصة، وبشكل أدى لتجريف القدرات الاجتماعية ودفعها للتفكك أو الهجرة، ومن ثم تواجه عملية صياغة الدستور تحدى إعادة الاعتبار لدور المجتمع. غير أن تطلع الكثير من المؤسسات السياسية والحركات النقابية لزيادة صلاحياتها وتعزيز دورها فى الدستور الجديد، سوف يضع الكثير من العقبات أمام صياغة دستور متجانس، وهو ما يفقد الدستور أهم خصائصه، التى تتمثل فى وحدة الفلسفة التشريعية ومبدأ وحدة الدستور. وبغض النظر عن تطلع النقابات العمالية للحفاظ على ما تعتبره مكاسب عمالية، فمن الأهمية التوصل لعلاقات توازن دقيقة تلبى التطلع لاستقلال القضاء، وفى الوقت ذاته، توفر الإمكانات للسلطة التنفيذية لإدارة شئون الدولة مع الوعى بالفروق الجوهرية ما بين مبادئ وقواعد المركزية أو اللامركزية، وذلك إلى جانب سلطة تشريعية ناضجة. وإذا كان المصريون يتطلعون لدستور يقوم على قيم العدل والمساواة والمواطنة، فإن ذلك يقتضى الابتعاد عن ظهور ما يشير للانقسامات الاجتماعية أو الدينية أو الفئوية. ولعل المساواة فى الحقوق السياسية تعد شرطا لازما لتكوين نظام سياسى يضمن الفرص المتساوية لكل الأفراد، وفى هذا السياق يمكن القول إن تخصيص نسبة لأى فئة فى المؤسسات المنتخبة يعصف بفكرة العدالة والمساواة، وهذا ما يثير الجدل حول مقترحات تمكين المرأة أو المطالبة باستمرار نسبة العمال والفلاحين، خاصة فى ظل السعى لبناء نظام سياسى يقوم على التعددية السياسية، وخفض الدور الاقتصادى للدولة، والاتجاه لتعزيز المبادرات والحقوق الفردية. وإذا ما كانت الدولة اتجهت فى الماضى للتمكين السياسى لبعض الفئات، فإنه مع تنامى فكرة الدور التنظيمى للدولة وشيوع مبدأ الدولة الحارسة فى السنوات الأخيرة، فإنه بالتالى تتراجع أهمية الدعوة لتمكين بعض الفئات، خصوصا فى ظل تماثل وتقارب الظروف الاجتماعية والاقتصادية لغالبية المجتمع من الفلاحين والموظفين والعمال، وانتشار البطالة، خصوصا بين المؤهلات الجامعية.