كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    حزب الله اللبناني يعلن تدمير آليتين إسرائيليتين في كمين تلال كفرشوبا    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    رئيس مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة: «تحقق الحلم»    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    بث مباشر لحفل أنغام في احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية بعيد تحرير سيناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس وعبر من مراحل انتقالية حول العالم

يكون النظام السياسي في أضعف حالته أثناء الفترات الانتقالية سواء بحكم الثورات أو الانقلابات أو الحروب الأهلية. والتشبيه الأبلغ في هذا المقام هو كنزول حجر ضخم من قمة جبل شامخ باندفاع كبير، فيتوقف مسار الحجر الضخم على عشرات المتغيرات بدءا بأصغر حجر في المسار فيدفعه في اتجاه ممكن.
ولهذا اهتمت النظم السياسية المقارنة بالتعرف على أنماط التحول الديمقراطي وأسباب نجاحه وعوامل فشله بما يجعلنا أقدر على تجنب أخطائه. ومن أسف، ارتكبت النخبة السياسية، من الأغلبية والأقلية ومن الإدارة المؤقتة ما يكفي من أخطاء لرفع تكلفة الفترة الانتقالية.
يحاول مركز دراسات الوطن في هذه الصفحة أن يضفي بعضا من التحليل المنتظم على تجارب الدول الأخرى، لاسيما تلك التي دفعت تكلفة باهظة للتحول على أمل أن ننقذ ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وأن يكون القادم أقل تكلفة من السابق.
بولندا... حالة من الوفاق الوطني
تخطي القوى السياسية خلافات كثيرة لكتابة دستور يليق بالتحول الديمقراطي..
دائماً ما يشار إلى ديموقراطيات الموجة الثالثة في دول أوروبا الشرقية كمثال ناجح لعملية التحول الديمقراطي والتخلص من سيطرة الحزب الشيوعي في هذه الأنظمة. ولعل من المفيد في هذه المرحلة التي تمر بها مصر، الاستفادة من تجارب هذه الدول خاصة وأن هناك بعض أوجه التشابه بين هذه الدول وما يحدث في مصر، ولكن إمكانية نقل الدروس المستفادة من خبرات دولة، فيما يخص عملية الانتقال المنظم من حكم سلطوي لحكم ديمقراطي إلى دول أخرى هو أمر غير واضح تماماً، نظرا لتغير الظروف الأولية والمختلفة في كل دولة ومدى انطباقها في الحالات المستجدة مثل خصائص وظروف النظام الاقتصادي المختلفة وغياب الكيانات السياسية الملائمة أو تباين الخلفيات التاريخية والثقافية.
وبالنظر إلى الثورة البولندية قد نجد بعض أوجه التشابه في الظروف التي أدت إلى كلا الثورتين، فقد بدأ التغيير بطريقة سلمية في كلا البلدين، وكان هناك ممارسات قمعية ترتكب من النظام البولندي لم تكن خاضعة للمساءلة، كذلك التدهور المستمر في وسائل المعيشة والصعوبات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة. مع وجود فجوة كبيرة بين السلطة الحاكمة والشعب. والأهم اشتراك النخبة مع الطبقات الدنيا من الشعب في السخط على الأوضاع الاقتصادية والسياسية. كما كان هناك دور بارز للدين في توجيه فئات كثيرة من الشعب، حيث لعبت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا دور بارز في القضاء على الشيوعية وإضفاء طابع أخلاقي على الثورة.
وهذا بالإضافة إلى الأوضاع بعد الثورة وخلال المرحلة الانتقالية فشهدت بولندا حالة من التشرذم السياسي ووجود اختلافات بين القوى السياسية وكذلك بين غرفتي البرلمان; مجلسي النواب والشيوخ. ولكن استطاعت القوى المختلفة في بولندا تخطي هذه الخلافات وأدركوا أنه لابد من عبور المرحلة الانتقالية بنجاح والتمهيد لبناء دولة ديمقراطية مستقرة.
ولعل من أهم الدروس المستفادة من التجربة البولندية هي كتابة الدستور في المرحلة الانتقالية، فقد نجحت القوى السياسية تخطي جميع الخلافات التي وصلت إلى ذروتها بعدم التوصل لاتفاق حول مشروع دستور، واستطاعوا كتابة دستور قوي تم اقراره في 1997. ولعل من أهم الخطوات في أي مرحلة انتقالية هي التوافق حول دستور قوي يأتي بديلا للدستور الذي كان أحد أسباب انهيار الدولة. وهنا تكمن أهمية التجربة البولندية بالنسبة لمصر حيث أننا نعيش الآن حالة من التشرذم السياسي وعدم القدرة على التوافق حول العديد من القضايا أهمها كتابة الدستور بل والأسهل من ذلك وهو تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة هذا الدستور.
وبالتالي قد يكون من المفيد استعراض التجربة البولندية في كتابة الدستور خلال المرحلة الانتقالية وما هي أهم المشكلات التي واجهتها وكيف تم حالها بالتوصل إلى دستور ديمقراطي يحقق الاستقرار للدولة.
أولاً: التحول من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي (1989- 1991)
تعد بولندا من من أوائل الدول الأوروبية التي كان لديها دستور مكتوب، حيث تم اعتماد أول دستور مكتوب في بولندا عام 1791 ولكن لم يتم العمل به لانهيار الدولة البولندية عام 1795، ومع ذلك أصبح هذا الدستور رمزا للاستقلال والتقدم وغالبا ما يتم الاشارة له من قبل الساسة والمؤرخين.
بعد ذلك شهدت بولندا العديد من الدساتير مثل: دستور 1921، ثم دستور 1935إلى أن انتهت
الحرب العالمية الثانية وأصبحت بولندا تابعة للاتحاد السوفيتي، تم اقرار دستور يوليو 1952 والذي جاء يحمل الطابع الشيوعي السوفيتي، وضمن هذا الدستور للبرلمان ممثلا في مجلس النواب فقط صلاحيات كبيرة تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية، وكانت بولندا في ذلك الوقت تتبع نظام الحزب الأوحد وكان حزب العمال المتحدين الشيوعي، هو الحزب المسيطر آنذاك.
وفي أواخر الثمانينات ومع استمرار حركة التضامن بقيادة ليخ ويلسا، سعيها لإسقاط الحزب الشيوعي وإقامة دولة ديمقراطية وقعت المفاوضات الشهيرة التي عرفت فيما بعد ب " المائدة المستديرة" في عام 1989، بين حركة التضامن والحكومة، بعد فشل الحزب الشيوعي مواجهة هذه الاحتجاجات وكذلك موجهة الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن تحول دول أوروبا الشرقية من النظام الاشتراكي إلى نظام السوق الحر في ذلك التوقيت، وتم الاتفاق على الآتي:
1- تقنين وضع حركة التضامن.
2- اتفاق خاص بالانتخابات، حيث يحصل الحزب الشيوعي على ثلثين مقاعد مجلس النواب، والثلث المتبقي يكون بالانتخابات، كذلك تم الاتفاق على إنشاء مجلس الشيوخ على أن تنتخب جميع مقاعده المائة في انتخابات حرة.
3- إجراء تعديلات على دستور 1952تتعلق بصلاحيات مجلس الشيوخ الجديد، وكذلك سلطات مجلس النواب.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، ففي يونيو 1989 أجريت الانتخابات البرلمانية واكتسحت حركة التضامن نتائج الانتخابات حيث حصدوا 160 مقعد من أصل 161 كان متاح لهم في مجلس النواب. وكذلك حصلوا على 92 مقعد من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ.، كما فشل كثير من أعضاء الحزب الشيوعي في الحصول على الأصوات الكافية للفوز بالمقاعد المحجوزة لهم وسيطروا عليها لأربعة عقود. ومع نهاية 1989 أصبح من الواضح عدم قدرة الحزب الشيوعي السيطرة على الأوضاع، فتولي أحد قيادات حركة التضامن رئاسة الوزراء، ثم تولى ليخ ويلسا رئاسة الجمهورية في أواخر 1991 ومن هنا سقط الحزب الشيوعي بالفعل وبدأت بولندا في مرحلة التحول الديمقراطي.
وهنا ظهرت حاجة ماسة لكتابة دستور يليق بهذه المرحلة خاصة وأن دستور 1952 تم كتابته في أوج أمجاد نظام ستالين وهو ما لا يناسب مرحلة التحول الديمقراطي.
ثانيا: كتابة الدستور في المرحلة الانتقالية:
قام كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب بتعيين لجنتين لصياغة الدستور الجديد، وقامت كل لجنة بإنشاء عدة لجان فرعية، كما تم دعوة العديد من المستشارين القانونيين بالإضافة إلى الخبراء في مختلف المجالات وذلك من بولندا أو من بعض الدول الأجنبية.
لكن نتج عن وجود لجنتين على التوازي إلى حدوث صراع سياسي، وحدث نوع من التدهور في العلاقة بين اللجنتين ومن ثم صراع بين غرفتي البرلمان. الأمر الذي انتهى إلى قيام كل لجنة بتقديم مشروع دستور مستقل ولم يتم الاتفاق حول أي من المشروعين، أضف إلى ذلك قيام بعض السياسيين والحزب السياسية بتقديم مشاريع دساتير خاصة بهم، مما أدى إلى حدوث زخم دستوري أدى إلى نوع من الشلل.
ونتيجة لهذا الصراع وعدم القدرة على التوافق حول مشروع دستور معين، كان الحل هو القيام بتعديلات جديدة على دستور 1952 كمحاولة مؤقتة لإدارة المرحلة الانتقالية وسميت ب "تعديلات ديسمبر"، وقد شملت حذف أول فصلين من الدستور وإدخال مفاهيم جديدة مثل التعددية والمؤسساتية وغيرها.
الدستور الصغير:
بنهاية 1991 تم انتخاب برلمان جديد، شهد هذا البرلمان وجود عشرين حزباً، مما عكس قدراً من التشرذم السياسي الأمر الذي لم يعتبره البعض مؤشر للتفاؤل حول عملية كتابة الدستور.
وفي أكتوبر 1992، أدركت كافة القوى السياسية أنه لابد من التخلص من كافة الصراعات السياسية وكتابة دستور جديد، وتم التوصل إلى حل وسط وصياغة ما يسمى ب" الدستور الصغير"، عن طريق القيام بتعديلات جديدة على دستور 1952 كمحاولة لإدارة المرحلة الانتقالية.
شكّل هذا الدستور الاطار القانوني للدولة ما بين 1992 وحتى 1997، وكانت الفكرة منه المضي قدماً في التحول الديمقراطي مع إيجاد اطار قانوني ينظم العلاقة بين السلطات حتى كتابة دستور جديد.
تكوين اللجنة الدستورية:
تم تكوين لجنة دستورية مؤلفة من 46 عضو من مجلس الشيوخ، وعشرة أعضاء من مجلس النواب( 10 % من البرلمان، يتم انتخابهم في كل مجلس على حدة)، بالإضافة إلى ممثلين عن الرئيس، والحكومة، والمحكمة الدستورية، ولكن ليس لهم حق التصويت.
على أن تُقدم مسودة مشروع الدستور خلال 6 أشهر من بدء اللجنة عملها، ويقدم مشروع الدستور إلى الجمعية الوطنية )المكونة من مجلسي الشيوخ والنواب بالبرلمان بالإضافة إلى الرئيس)، ويلزم التصويت على المشروع بأغلبية الثلثين وبحضور50% على الأقل من أعضاء البرلمان. ويحق لرئيس الجمهورية خلال 60 يوم إضافة تعديلات ثم إعادته للجنة للنظر فيها، وتقدمه اللجنة للجمعية الوطنية مرة أخرى للتصويت عليه في صورته النهائية. وفي يونيو 1996 تم طرح الدستور للاستفتاء العام، وتم الموافقة عليه بنسبة 52.7%.
وبناء على ما تقدم يمكن اعتبار دستور 1997 دليل قوي على نجاح المرحلة الانتقالية في بولندا، وأن الوقت الطويل الذي أستغرق لصياغة الدستور لم يدع هدرا، بل ساعد على خلق ديمقراطية مستقرة، الأمر الذي لابد وأن يؤخذ في الاعتبار عند كتابة الدستور المصري، خاصة في ظل من ينادي بكتابة الدستور قبل انتخابات الرئاسة أي في عشرين يوم وهو أمر مستحيل. فلا بد من التأني وأخذ الوقت الكافي لكتابة دستور قوي يضمن نجاح التحول الديمقراطي.
ولعل من أهم الدروس المستفادة من التجربة البولندية، قدرة القوى السياسية على التوافق الوطني، وتخطي الاختلافات السياسية الضيقة لتحقيق المصلحة الوطنية، وهو ما نفتقده بين مختلف النخب السياسية في مصر.
رومانيا ... نصف ثورة ونصف حرية
كيف يؤدي التدهور الاقتصادي والسياسي إلى إطالة المرحلة الانتقالية
أسباب الثورة وأحداثها..
عاشت رومانيا حتى نهاية الثمانينات تحت أحد أكثر النظم السلطوية والاستبدادية بقيادة تشاوشيسكو. فقد تبنت الحكومة في رومانيا الفكر والسياسات الاشتراكية المتشددة القائمة على المركزية الاقتصادية الشديدة، بعكس باقي دول شرق أوروبا. ورفض تشاوشيسكو كافة الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى زيادة الانتاج وتحسين الاقتصاد على الرغم من أن هدفه الرئيسي هو التخلص من الدين الخارجي، فقد اعتمد سياسات الانغلاق على الداخل، وتحول إلى تخفيض الاستهلاك والاستثمارات. وأدت تلك السياسات إلى تزايد معدلات الفقر بشكل كبير وتزايد الاحتقان الشعبي، خاصة وأن تلك السياسات صاحبها المزيد من القمع السياسي، فقد كانت رومانيا دولة بوليسية بامتياز. وقد عمل النظام الشيوعي في رومانيا على طمس كافة الأفكار الليبرالية في السياسة والاقتصاد في الإعلام والجامعات، وهو ما حال دون وجود قوى سياسية قادرة على تولي دفة التغيير بعد الثورة. ومن الجدير بالذكر أن رومانيا كانت تعاني أزمات مع الأقليات القومية وبخاصة الأقلية المجرية في إقليم ترانسيلفانيا، وهي أحد الأزمات التي تعامل معها النظام بعنف شديد.
كانت الثورة الرومانية من أكثر الثورات الأوروبية دموية في تلك الحقبة من التاريخ، فقد بدأت الثورة عام 1989 من مدينة تيميشوارا الرومانية عندما سعت الحكومة إلى إبعاد قسيس مجري شهير من النشطاء في مجال حقوق الإنسان إلى كنيسة أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع المظاهرات من الأقلية المجرية وانضم إليهم الطلاب والعمال الرومانيين في مظاهراتهم رافعين شعارات مناهضة للنظام، فأمر تشاوشيسكو قواته بالهجوم عليهم لتقع مذبحة كبيرة قُدرت خسائرها البشرية رسمياً ب 97 حالة وفاة في حادثة عنف غير مسبوقة، ولكن امتدت المظاهرات من مدينة إلى أخرى. فقرر تشاوشيسكو أن يعقد مؤتمراً صحفياً شعبياً في العاصمة بوخارست في 21 ديسمبر 1989، وتم تجهيزه بإحضار القيادات السياسية والأمنية من أتباع النظام بهدف إطلاق مظاهرات داعمة لنظام تشاوشيسكو، ولكن اندلعت من وسط الحضور الهتافات المضادة لتشاوشيسكو والتي تم نقلها على تليفزيون الدولة. حاول تشاشيسكو وزوجته الهرب من بوخارست بمساعدة أفراد من الجيش، إلا أن تلك المحاولة للهروب تحولت إلى فخ حيث ألقى الجيش القبض عليهم اتقاء للغضب الشعبي وقدموا إلى محاكمة عاجلة حكمت عليهم بالإعدام الذي نفذ في 25 ديسمبر 1989.
المرحلة الانتقالية (1989 – 2004)..
استمرت المرحلة الانتقالية في رومانيا قرابة الخمسة عشر عاماً، وهي من أطول المراحل الانتقالية في أوروبا الشرقية لسببين رئيسيين، الأول هو تردي الأوضاع الاقتصادية في رومانيا بشكل كبير بما لم يسمح لها بالتحول الاقتصادي والديمقراطي السريع أو السهل باتجاه المعسكر الليبرالي الرأسمالي، فقد كان التحول المطلوب بين نقيضين. والثاني، هو تشرذم القوى السياسية وضعفها الشديد وعدم اتفاقها على رؤية واحدة لمستقبل النظام السياسي أو الاقتصادي للدولة، وهو ما أدى إلى فراغ سياسي فور سقوط تشاوشيسكو لم يتقدم لملئِه سوى الصف الثاني من رجال النظام الديكتاتوري الساقط. وهو ما طرح فكرة أن ما حدث في رومانيا لم تكن ثورة بالمعنى المعروف بل كانت أحد أشكال الانقلاب الداخلي على السلطة، وإن كان غير مخططاً فقد كانت الأحداث وتطوراتها السريعة مفاجئة للجميع بلا استثناء.
وقد كانت المرحلة الانتقالية مرحلة غير مستقرة مليئة بالتقلبات السياسية، حيث تولى (إيون إليسكو) إدارة البلاد باعتباره أحد قيادات (جبهة الخلاص الوطني) التي تكونت من أعضاء سابقين في الحزب الشيوعي التابع لتشاوشيسكو ولجنته المركزية، والذين تحولوا بين عشية وضحاها إلى ثوريين مطالبين بالديمقراطية، استغلوا الفراغ السياسي وضعف المعارضة ليصلوا إلى السلطة.. ونجح إليسكو في استقطاب الجيش والإعلام، وتمكن من القضاء على المظاهرات الطلابية المدافعة عن الثورة والمضادة لحكمه باعتباره امتداد لتشاشيسكو، واتهمهم بالعمالة وتم التعامل معهم باعتبارهم مثيري شغب، واستخدم عمال المناجم الأكثر فقراً والأكثر تضرراً من الركود الاقتصادي للاعتداء عليهم وتم تقديمهم للمحاكمات. وقد أصدرت الجبهة فور توليها قيادة البلاد عدد من القرارات الثورية مثل منع الحزب الشيوعي، وألغت العديد من القرارات المتشددة التي صدرت في عهد تشاشيسكو، كما حولت العديد من أفراد الحزب الشيوعي والجيش للمحاكمات العسكرية بتهمة التعدي على المواطنين، إلا أن سياساتها الفعلية كانت تهدف إلى بقاء جوهر النظام الشيوعي واستمرار سياساته بعد صبغها بصبغة ديمقراطية.
وعلى الرغم من الاضطرابات التي واجهت المرحلة الانتقالية في رومانيا، إلا أن رومانيا لم تواجه أزمات فيما يتعلق بكتابة الدستور الجديد. حيث تحولت (جبهة الخلاص الوطني) إلى حزب سياسي، إلى جانب العديد من الأحزاب السياسية الوليدة بعد الثورة سواء من المعارضة أو من تحت عباءة النظام الشيوعي السابق، وتمت إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مايو 1990، ليفوز إليسكو بالرئاسة، وحزبه بالأغلبية البرلمانية. وتم تشكيل لجنة من البرلمانيين والفقهاء الدستوريين الذين كتبوا مسودة الدستور وتمت إجازتها من البرلمان الذي انعقد باعتباره جمعية تأسيسية للدستور. وتم طرح الدستور في استفتاء شعبي في 8 ديسمبر 1991 لتتم الموافقة عليه بنسبة 77.3%، كما عُدِل الدستور أكثر من مرة لكي يلاءم المعايير المطلوبة لانضمام رومانيا للاتحاد الأوروبي.
توالى الرؤساء وتوالت الحكومات على رومانيا، حيث تولى (إليسكو) الرئاسة عام 1990، ليعقبه حكم المعارضة الإصلاحية بقيادة (إميل كونستانتينيسكو) عام 1996، ليعود (إليسكو) إلى الحكم مرة أخرى عام 2000 نتيجة للسياسات الاقتصادية الحازمة التي انتهجتها الحكومات الإصلاحية في طريقها لتقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد وخصخصة العديد من الشركات والمصانع، والتي كان لها أثر سلبي على جموع الشعب الذي لم يشعر بتغير في مستواه المعيشي إلى الأفضل، وإن كانت رومانيا على الطريق الصحيح في تلك الإصلاحات تنفيذاً لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهو ما مهد لتحسين أداء رومانيا الاقتصادي، ومن ثم انضمامها إلى حلف الناتو عام 2004، ثم الاتحاد الأوروبي عام 2007. ويرى بعض السياسيين أن المرحلة الانتقالية في رومانيا قد انتهت بانتخاب (تاريان باسيسكو) أحد قيادات المعارضة الإصلاحية الرئاسة عام 2004، لتصل إلى مرحلة الديمقراطية الكاملة.
تقييم المرحلة الانتقالية..
يرى الباحثون أن المرحلة الانتقالية في رومانيا قد طالت نتيجة لعدد من الأخطاء والمعوقات:
أولاً: عدم رغبة النخبة السياسية الجديدة المنبثقة من تحت عباءة النظام القديم في إحداث تغيير حقيقي على المستويات السياسية والاقتصادية، لأن أي تغيير كان سيضر بتلك الجماعات ذاتها.
ثانياً: نشأت بعد الثورة نخبة اقتصادية جديدة من نفس النخبة الحاكمة أو قريبة الصلة لها، وهو ما أدى إلى إرساء دعائم الفساد بين تلك القوى الاقتصادية ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية حيث نجحوا في تجنب إصدار عدد من القرارات والتشريعات التي كانت ستؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية على مستوى الدولة ولكن ستقلل من معدلات الدخل الخاصة بهم.
ثالثاً: احتاجت المعارضة إلى فترة طويلة من الوقت لكي تتجمع وتنشئ أحزاب قوية ذات تأثير حقيقي، وهو ما أتاح لأتباع النظام السابق من ترسيخ سيطرتهم على الدولة، واستمرار الجوهر الاشتراكي للدولة دون الخوض في إجراءات خصخصة القطاع العام وتعزيز اقتصاديات السوق.
رابعاً: جاءت توصيات المنظمات الاقتصادية الدولية عالية التكلفة على المستوى الاجتماعي، حيث أن إغلاق أو خصخصة القطاع العام كانت تعني إرتفاع معدلات البطالة وبالتالي المزيد من الاضطرابات وهو ما حاولت جميع الحكومات تجنبه وبالتالي تباطأت عملية التحول.
خامساً: القروض الممنوحة لرومانيا في مرحلة التحول تم توجيهها إلى شركات القطاع العام الكبرى والتي كانت غير مجدية وغير مربحة، في حين أن الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم كانت تعاني من صعوبات جمة.
سادساً: واجهت رومانيا أزمة أيديولوجية في التحول لاقتصاد السوق، فالطبقة الحاكمة لم تتخلى عن أفكارها الاشتراكية، وبالتالي الطبقة الاقتصادية الناشئة بالارتباط مع الحكام. بالإضافة إلى تنامي التيار القومي لمواجهة الأقليات العرقية، وهو ما أدى إلى رفض الاستثمارات الأجنبية ومقاومة تمليك الأجانب باعتباره بيع للتراث الوطني وهو ما مثل عائق كبير أمام الخصخصة.
كينيا.. عشرون عاما من التحول الديموقراطي
كيف أدى صراع المصالح إلى تعطيل التحول الديمقراطي؟
كتب – أحمد أبو بكر
تعد التجربة الكينية نموذجا للتحول الديموقراطي التدريجي والذى استغرق قرابة عشرين عاما. فبعد ضغوط خارجية من الدول المانحة وضغوط داخلية من المعارضة، بدأت المرحلة الأولى من ذلك التحول في 1991 بإتاحة التعددية الحزبية وإنهاء نظام الحزب الأوحد. وبدأت المرحلة الثانية في 2000 عندما تم الاتفاق على إعداد دستور جديد للبلاد. غير أن ذلك الأمر تأخر كثيرا ومر بفترات من الركود، وبعد رفض المواطنين الكينيين لمسودة الدستور المقدمة 2005 ومرور البلاد بفترات اضطراب في 2007 على خلفية انتخابات الرئاسة ووجود اتهامات بالتلاعب في النتائج ، تم إعداد مسودة جديدة للدستور وتمت الموافقة الشعبية عليها في 2010.
1991 البداية..
جاءت البداية بتغيير قواعد اللعبة السياسية في كينيا في 1991، عبر تمرير قانون من البرلمان يقتضى إلغاء نظام الحزب الأوحد في الدستور والسماح بإقامة تعددية حزبية وإجراء انتخابات تنافسية، وذلك بعد تعرض الرئيس الكيني (اراب موي) لضغوط شديدة من الخارج بالإضافة إلى التهديد بقطع المساعدات الاقتصادية وتصاعد المطالبات الداخلية بالإصلاح السياسي، حيث تمت في 1992 أول انتخابات تعددية وفاز بها الحزب الحاكم (الاتحاد الوطني الأفريقي الكيني) وفاز بالرئاسة الرئيس اراب موي، الأمر الذى تكرر مرة أخرى في عام 1997. وقد جاء استمرار فوز موي وحزبه الحاكم بسبب ضعف المعارضة الكينية وتشتتها خلف العديد من المرشحين، وأيضا بسبب وجود شكوك في نزاهة الانتخابات. ويمكن رؤية تجربتي 92 و97 باعتبارهما تمهيداً لظهور قيادات جديدة في البلاد وبداية لقواعد التعددية السياسية.
2000 – 2005 المرحلة الثانية..
وفى عام 2000 تم تشكيل لجنة لمراجعة الدستور، شكلها الرئيس اراب موي، وتضمنت جميع أعضاء البرلمان بالإضافة إلى 42 شخصية حزبية، 3 مندوبين عن كل مقاطعة، و125 ممثلا عن الجماعات الدينية والمرأة والشباب والاتحادات التجارية والمنظمات غير الحكومية، وقامت بعقد جلسات استماع للمواطنين لكن الأمر امتد بسبب الخلافات السياسية الشديدة وعدم الاتفاق داخل اللجنة بين مختلف الأطراف وبالتالي لم يتم التوصل إلى أي تقدم بخصوص الإصلاحات الدستورية لكينيا ودخل الدستور الجديد في فترة من الركود. وفي 2002 تم انتخاب زعيم المعارضة كيباكي خلفا للرئيس موي الذى أعلن سابقا أنه سيلتزم بالتنحي عن الرئاسة في 2002 ولن يحاول تمديد حكمه. كان من أحد أهم أسباب فوز كيباكي توحد المعارضة الكينية خلفه، وبعد فوزه حصلت انشقاقات لتلك الجبهة الداعمة له. واستمرت أزمة الدستور قائمة حتى تم تقديم مسودة للاستفتاء في 2005، لكن تم رفضها من قبل الشعب الكيني لأنها تعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ولا تتضمن تلك المسودة منصب رئيس وزراء وهو ما تم رفضه من الناخبين. ونتيجة لهذا الرفض تمت العودة إلى العمل بدستور 1963.
العنف في 2007 والحل في 2010..
ومع إجراء الانتخابات الرئاسية في 2007، والتي شهدت إعلان فوز الرئيس كيباكي بفترة رئاسية ثانية. نشبت أعمال عنف احتجاجا على النتيجة واتهم زعيم المعارضة (أودينجا) الرئيس كيباكي بالتلاعب في نتائج الفرز، استمرت أعمال العنف لمدة شهرين وتدخل العديد من الأطراف في محاولة لحل الأزمة ومنهم كوفي انان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وتم التوصل لاتفاق بوقف العنف نص على تقاسم السلطة باستحداث منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى وتعيين أودينجا كرئيس للوزراء، وكذلك إحياء عملية تغيير الدستور الكيني. وتم تشكيل لجنة من الخبراء تكونت من ستة كينيين وثلاثة غير كينيين: واحد من زامبيا وآخر من جنوب أفريقيا وآخر من أوغندا. حيث قامت تلك اللجنة بمراجعة مسودة الدستور وتم تحديد فترة 12 شهرا لتقديم المسودة الجديدة للاستفتاء، وفي 2010 تمت الموافقة على الدستور الكيني الجديد لتخطو كينيا خطوة كبرى إلى الديموقراطية بعد تعثر دام لعقدين من الزمان.
الدروس والتحديات..
يمكن استخلاص عدة دروس مستفادة من التجربة الكينية:
أولاً: التشرذم الذي تعانى منه قوى المعارضة أطال مرحلة الانتقال السياسي نحو الديموقراطية وأدى إلى استمرار الحزب الحاكم في السلطة لمدة 10 سنوات(1992 – 2002) رغم فتح باب التعددية الحزبية، وعندما توحدت المعارضة في انتخابات 2002 خلف (كيباكى) فاز بالانتخابات الرئاسية واضعا نهاية لاستمرار الحزب الحاكم.
ثانياً: التباطؤ في تحقيق الإصلاحات الدستورية الضرورية من قبل الرئيس كيباكي من أجل الاستئثار بالسلطة وتحقيق مصالح حزبية أدى إلى رفض الشعب لمسودة الدستور المقدمة في 2005 وإلى نشوب صراعات دموية عقب انتخابات 2007 والتي فاز فيها كيباكى الذى كان معارضا سابقا. وبعد الموافقة على دستور 2010 فإن التحدي الذى تواجهه كينيا هو الانتخابات الرئاسية في هذا العام، وهل ستشهد انتقالا ديموقراطيا للسلطة والتزام بالدستور الجديد أم ستشهد صدامات دموية تكرارا لمشهد انتخابات 2007.
بوليفيا .. وآفة الاستقطاب السياسي
التشرذم السياسي أدى إلى أعمال عنف وتأخر إقرار الدستور
كتب – محمد الحسين عبد المنعم
مرت بوليفيا منذ استقلالها في 1825 بسلسلة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، تمثلت في وقوع ما يقرب من مئاتي انقلاب عسكري، وقيام ثورة في 1952، وفي 1982 تسلم المدنيون مقاليد الحكم في بلد يعاني الفقر الشديد والاضطراب والتوتر الاجتماعي إضافةً إلى تجارة المخدرات. وفي 2005 مثَّل وصول "خوان إيفو موراليس"، زعيم حزب الحركة من أجل الاشتراكية، لرئاسة البلاد سابقة في تاريخ بوليفيا كونه أول رئيس للبلاد من أصول هندية، علاوة على حصوله على 53.7 % من أصوات الناخبين، وهي نسبة لم يحصل عليها أي رئيس لبوليفيا من قبل حيث كان الفائز بمنصب الرئيس يحصل على أكثرية أصوات الناخبين.
وفي هذا السياق لا يمكن أن نغفل التركيبة العرقية للسكان فضلاً عن توزيعهم، حيث لا يمثل السكان البيض، ذوي الأصول الأوروبية، أكثر من 15%، فيما يمثل السكان الأصليون من الهنود الحمر وغيرهم من المخلطين النسبة الباقية من السكان. وتمثل المفارقة هنا تركز الأقلية البيضاء في شرقي البلاد، حيث الموارد الطبيعية كالغاز والمناجم، بينما يعيش باقي الشعب من الهنود في فقر مضجع.
أدى وصل "موراليس" بميوله اليسارية، إلى ازدياد حدة الاستقطاب السياسي في مواجهة التيارات اليمينية المحافظة، والتي تمثل سكان الأقاليم الغنية ذات الأصول الأوروبية، خاصة بعد اتخاذ "موراليس" إجراءات خاصة بتأميم مؤسسات النفط والغاز وقوانين الإصلاح الزراعي بهدف إعادة توزيع الأراضي لصالح السكان الأصليين، وهم الطبقة الأكثر فقراً.
في 2006 أعلن "موراليس" عن رغبته في بناء بوليفيا جديدة، عبر كتابة دستور جديد للبلاد، فتم انتخاب جمعية تأسيسية من 255 عضواً، شكل فيها تيار اليسار الموالي للحكومة أغلبية. اتجه الدستور الجديد لإعطاء السكان الأصليين حقوقاً أوسع كالاعتراف بخصوصية اللغات والأراضي الخاصة بهم ومنحهم مزيداً من الاستقلالية في إدارة مجتمعاتهم، كما يعطي الدولة الحق في السيطرة على الموارد الطبيعية، باعتبارها ملكاً للشعب، والاقتصاد، وفرض حد أقصى لملكية الأراضي.
وكرد فعل لما اعتبرته القوى اليمينية المحافظة تجاهلاً لمطالبها في تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي وتركيزاً للسلطة في يد الرئيس، رفضت الأقاليم الغنية مشروع الدستور وقامت احتجاجات وأعمال عنف أسفرت عن تعطيل عمل الجمعية لمدة 16 شهراً، تخللها إعلان إقليم "سانتا كروث" استقلاله عن الحكومة المركزية ، بينما اتهم "موراليس" المعارضة بانهم يريدون استمرار النظام الإقطاعي والمحافظة على مصالحهم بغض النظر عن باقي الشعب البوليفي.
وفي أكتوبر 2008 تم التوصل لاتفاق بين الحكومة والمعارضة بشأن طرح الدستور للاستفتاء الشعبي، وهو ما تم في يوم 25 يناير 2009، حيث تم إقرار الدستور الجديد بنسبة 64.43% من أصوات الناخبين.
الدروس المستفادة:
وأخيراً، فإن كان لنا أن نستفيد من تجارب الآخرين وتجنب أخطاءهم، فإن أهم ما يعنينا كمصريين من تجربة بوليفيا، أنَّ عواقب الاستقطاب والتشرذم السياسي وتبادل الاتهامات بين النخب، غالباً ما تكون وخيمة عندما تنتقل للجماهير، وهو ما انعكس في الاحتجاجات وأعمال العنف في بوليفيا، علاوة على تأخر إقرار الدستور لمدة ثلاث سنوات. وتعتبر الدراسات المتخصصة أن، ارتفاع معدلات التشرذم بين النخبة السياسية على نحو يؤدى إلى غياب الرؤية الجامعة والشلل السياسي، يعد أحد علامات الدولة الفاشلة، الأمر الذي يحتم على النخب السياسية المصرية أن تعلي من المصلحة الوطنية وأن تنحي خلافاتها جانباً بهدف العبور بالبلاد إلى بر الأمان.
أخطاء المرحلة الانتقالية.. دروس وعبر
تشير هذه الدراسة إلى أن أخطاء تلك الدول في مرحلة التحول الديمقراطي تتقارب مع الوضع في مصر على أكثر من مستوى:
الشك المتبادل: أدى إضعاف المعارضة من قبل النظم السلطوية السابقة إلى تشرذم تلك القوى وفشلها في بلورة رؤية واضحة لنظام الدولة الجديد مع سيادة منطق الشك المتبادل. ففي بولندا ظهر التشرذم في اختيار لجنتين لوضع الدستور وتسببت خلافاتهم في عدم الاتفاق على مشروع دستور واحد. أما في كينيا فقد استمر الحزب الحاكم 10 سنوات بعد إقرار التعددية الحزبية بسبب تشرذم المعارضة، كما فشلت لجنة صياغة الدستور بسبب خلافات أعضائها. بينما أدى تبادل الاتهامات بين النخب في بوليفيا إلى اندلاع احتجاجات عنيفة وتأخر إقرار الدستور 3 سنوات. وفي رومانيا، أدى ضعف القوى السياسية إلى فراغ سياسي فور سقوط تشاوشيسكو لم يملأه سوى رجال النظام القديم.
إهدار الوقت: فمع المزايدات بين القوى السياسية يهدر الكثير من الوقت وتتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بما يعطل التحول الديمقراطي. في كينيا أدى التباطؤ في الإصلاحات الدستورية بسبب الأطماع في السلطة إلى رفض الشعب مسودة الدستور في 2005 ونشوب صراعات دموية في 2007 عقب انتخابات الرئاسة. وفي بولندا حدثت اختلافات بين لجنتي صياغة الدستور فطالت عملية وضع الدستور لتستغرق 7 سنوات. وفي رومانيا، تمت المماطلة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
عدم الالتزام: يؤدي الخروج على خارطة الطريق ولو لمرة واحدة إلى عدم شرعيتها. ففي كينيا أدى تجميد عملية تغيير الدستور وفقاً للظروف السياسية إلى تأخر إصداره لمدة 10 سنوات مليئة بالأزمات بدلا من سنة واحدة كما تم الاتفاق مسبقا. وفي رومانيا، وضعت المنظمات الاقتصادية الدولية خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي ولكن تأخر الوفاء بها أدى لعواقب سياسية وخيمة. في حين أدت الخلافات بين القوى السياسية في كل من بولندا وبوليفيا إلى تأخر إقرار الدستور.
صراع بين نظامين: يؤدي الصراع بين أنصار النظام القديم والقوى الثورية أو الإصلاحية في ظل غياب قيادة موحدة لهذه الأخيرة إلى عواقب وخيمة. وهو ما حدث بعد الثورة الرومانية، حيث اتهم إليسكو الثوار بالعمالة وتمت محاكمتهم عندما تظاهروا ضده باعتباره امتداد للنظام السابق، وقد احتاجت المعارضة لفترة طويلة نسبياً لكي يصطفوا ويشاركوا سياسياً بفاعلية. وهو عكس ما حدث في بولندا فقد كانت المعارضة موحدة ولها قائد متفق عليه، كما تمكنوا من التوصل لاتفاق سياسي مع بقايا النظام القديم. وفي كينيا، تسبب تفكك القوى السياسية في تأخر الإصلاحات الدستورية لسنوات.
قائمة المراجع
بوليفيا - تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2007، http://www.amnesty.org/ar/region/bolivia/report-2007
مصطفى شفيق علام، الفترات الانتقالية وإعادة انتاج الفلول.. تجارب وخبرات، مركز المصري للدراسات والمعلومات، المصري اليوم، نشرت بتاريخ: 22/4/2012، تم الحصول عليها بتاريخ: 14/5/2012، http://www.almasryalyoum.com/node/788076 .
منتدى البدائل العربي للدراسات، "الثورة المصرية والتجربة البولندية في التحول الديمقراطي"، http://www.afaegypt.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=51:%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A&Itemid=141
Bolivia, The World FactBook, CIA, https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/bl.html.
Bolivia Information Forum, http://www.boliviainfoforum.org.uk/inside-page.asp?section=3&page=30.
AFP, http://afp.google.com/article/ALeqM5jHCQzzQmlOj2Y1lqAXSJlbl4G8aw.
Benjamin Dangl, Fear and Loathing in Bolivia: New constitution, Polarization, 3rd Jan 2008, http://bendangl.net/?p=241.
Constitutional History of Bolivia, http://www.constitutionnet.org/country/constitutional-history-bolivia.
The Failed States Index 2011, http://www.foreignpolicy.com/articles/2011/06/17/2011_failed_states_index_interactive_map_and_rankings .
The road to Kenya's new constitution
http://www.consultancyafrica.com/index.php?option=com_content&view=article&id=567:the-road-to-kenyas-new-constitution&catid=91:rights-in-focus&Itemid=296
Constitutional Reform In Kenya: Basic Constitutional Issues And Concepts
http://www.commonlii.org/ke/other/KECKRC/2001/10.html
Kenyan constitution chief resigns
http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/3857457.stm
Constitutional history of Kenya
http://www.constitutionnet.org/country/constitutional-history-kenya
Ludolfo Paramio, Romania: an excessively long transition, Seminar on Democratic Transition and Consolidation 2001-2002, FRIDE, Madrid, 2002.
URL:http://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=Seminar+on+Democratic+Transition+and+Consolidation+%2B+pdf&source=web&cd=2&ved=0CGgQFjAB&url=http%3A%2F%2Fwww.fride.org%2Fdescarga%2FCR_rumania_ing_abr02.pdf&ei=qzGyT6ugF8yRswauo8TzBQ&usg=AFQjCNFxY1JzmDlLD1rDJnfGabgHrPJR2Q , Retrieved on : 12/5/2012.
Petre Roman, Peculiarities of the transition in Romania, Seminar on Democratic Transition and Consolidation 2001-2002, FRIDE, Madrid, 2002.
URL:http://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=Seminar+on+Democratic+Transition+and+Consolidation+%2B+pdf&source=web&cd=2&ved=0CGgQFjAB&url=http%3A%2F%2Fwww.fride.org%2Fdescarga%2FCR_rumania_ing_abr02.pdf&ei=qzGyT6ugF8yRswauo8TzBQ&usg=AFQjCNFxY1JzmDlLD1rDJnfGabgHrPJR2Q , Retrieved on : 12/5/2012.
Making the history of 1989, Introductory Essay: 1989 Revolutions of Eastern Europe, URL: http://chnm.gmu.edu/1989/docs/1989-intro-essay.pdf , Retrieved on : 15/5/2012.
Michael Bernhard “Civil Society and Democratic Transition in East Central Europe" http://tarantula.ruk.cuni.cz/CESES-141-version1-1_1_Bernhard_Civil_society_transition.pdf
Lech Garlicki, “Constitution Making, Peace Building and National Reconcilation, the Experience of Poland". http://www.usip.org/files/Framing%20the%20State/Chapter14_Framing.pdf
Fride, “The transition to democracy in Poland", 2002 http://www.fride.org/publication/374/other-publications
Daniel H Cole, “Poland's 1997 Constitution in Its Historical Context", http://indylaw.indiana.edu/instructors/cole/web%20page/polconst.pdf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.