لعل السؤال الذي يتردد في صدور المصريين جميعا الآن، وماذا بعد؟ هل هذه هي نهاية فكرة الديمقراطية وانطلاق الحرب الأهلية في مصر، تلك التي انتظرها أعداء بلادنا منذ زمن طويل وتأتيهم الآن علي صحاف من فضة. ما الذي أوصل هذا البلد الأمين الطيب أهله إلي هذا الشقاق والاقتتال اللعين، وبدلا من أن يحمي بعضهم بعضا من الخارجين علي القانون والآبقين من فلول العهد السابق، يسدد كل إلي صدر أخيه الذي كان يحتضنه بالأمس في ميدان التحرير وفي كل ميادين مصر، كيف فقدنا هذه العاطفة التي جاشت في لحظة الثورة العظيمة وكفت عن الجيشان شيئا فشيئا حتي صارت عداء واقتتالا وحرب شوارع محزنة يسقط فيها الأبرياء من طرفين هما أولي بالحوار والحديث معا لمصلحة الوطن. لقد ناديت من أيام في نفس المكان هنا بأن يتحرك العقلاء، فلا سبيل لحل مشاكلنا كلها وبخاصة هذه المشكلة إلا بالحوار، مهما كلفنا من وقت ومن جهد، وثبت صحة هذه الوجهة، حيث نري المشهد يزداد سوءا بل ينذر باتساع رقعة الصراع الدموي وقد بدأ بالفعل. وليس لأحد أن ينكر وجود خلاف فكري بين أطراف العملية السياسية في مصر، حتي من قبل اندلاع ثورة يناير، وأن هذا الخلاف أخذ في التبلور بعد خروج مبارك من الحكم وتسلم المجلس العسكري سلطة البلاد، وبرغم الأخطاء الفادحة التي ارتكبها عن عمد أو غير عمد، إلا ان الواقع السياسي قد أفرز تيارين مختلفين فكريا انفصلا تماما فبرز تيار الإسلام السياسي متواجدا بقوة في الشارع، وعلي الطرف الآخر ظهر التيار الليبرالي والقوي الاشتراكية والناصرية والأطياف الثورية الجديدة مثل 6 ابريل وبدأ صراع سياسي وفكري دفع بالجميع إلي التصعيد السلبي لهذا الصراع برغم ان الجميع كانوا يوما علي قلب رجل واحد في بواكير الثورة، والسؤال المنطقي الآن كيف نعود مرة أخري إلي روح التضحية وإنكار الذات للذود عن التجربة والدخول إلي المعترك الأولي بنا جميعا وهو البناء في كل اتجاه، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لقد خسرنا كلنا بغير استثناء، الرئيس والذين من حوله، وجميع جموع الشعب من المعارضة والشارع وكل طوائف المجتمع، ومهما ازدادت الحمية والتعصب من قبل المناصرين للرئيس أو معارضيه، فمصر تتراجع وتبدو للعالم وكأنها لم تتعلم بعد من الماضي البغيض أي درس يذكر، لا الذين حكموا بالشرعية تعلموا ولا الذين يعارضون أدركوا ان الصراع في هذه المرحلة وبهذا الصدام والعنف سوف يسفر حتما عن خسارة كبيرة للوطن يدفع ثمنها المواطن المصري بغض النظر عن انتماءاته. ما عاد هناك وقت إذن لنبحث أي الفريقين أخطأ وأيهما يجب ان يفيق من غيبوبة الذات، كلنا مسئولون عن اجتياز هذا الاختبار الصعب والمرحلة الدقيقة، وليس هناك طريق آخر غير تأجيل كل قرار صدر فأغضب الشارع وأثار الناس لأنه يحتاج إلي مزيد من التفهم والنقاش من حوله، ليس عيبا أبدا ان تحتفظ الرئاسة بهيبتها وتعيد حساباتها، خاصة وأن هناك عددا من المستشارين غير قليل قد استقال، فأصبح من حق الشعب ان يعرف سبب هذه الاستقالات ان كان غير اعتراضهم علي القرارات التي اتخذها الرئيس ولم يطلعهم عليها. نحن بغير شك نريد ان تستعيد الدولة مكانها ورونقها وأن تتكون مؤسساتها التي هلهلها النظام السابق ومرغ شرفها في التراب، وأن يكون أساسها متينا قويا يرضي طموح الشعب الذي لايزال يعيش الثورة ولن يرضي إلا ان يظفر بما قام من أجله، وهنا وجب علي الجميع ان يسعوا إلي حقن الدماء فلا يليق برفقاء الثورة ودرب الحرية ان يصادروا علي بعضهم البعض حريتهم وحق عليهم ان يفسحوا للحوار مجالا أوسع وأن يمنحوا الفرصة الأرحب للعقل والتدبر. إن مصر كلها تنتظر من الرئيس الشرعي للبلاد أن يأخذ بيدها وأن يهيئ الطريق لحوار وطني فينزع فتيل الأزمة، كريما لا يمسه ظن من السوء ولا يمس شعبه الذي أقسم علي رعايته مزيد من العذاب.