مصر هي الضحية، والمجني عليها، وهي الخاسرة في كل هذا الذي يحدث، حول قصر الاتحادية والشوارع والميادين المحيطة به والمؤدية اليه، فهي التي تدفع الثمن غاليا من دم ابنائها وأرواح شبابها، وتعطل دولاب العمل بها، وتوقف انتاجها، وتراجع اقتصادها، وانتشار الفوضي بها. هذه هي الحقيقة المؤكدة وسط دائرة العنف وموجات الغضب، وكرات اللهب المشتعلة في كل مكان، ووسط حالة القلق والتوتر والاحتقان التي تسيطر علي الجميع، وحالة الشك وعدم اليقين التي تنتاب البعض من ابناء الوطن تجاه مواقف وتوجهات وافعال البعض الآخر، وحالة الضبابية وعدم الوضوح التي اصبحت تحجب الرؤية الصحيحة لما يجري، وما هو قادم غدا. ليس هذا فقط، بل ما يزيد من مرارة الواقع، وقتامة الصورة هو ما نشهده ونسمعه من اتهامات متبادلة بين جميع الاطراف، وكل القوي، وكل الفرقاء المتزاحمين والمتصارعين علي الساحة السياسية الآن، وطوال الاسابيع الماضية، وما نشهده ونراه من خلاف حاد وصراع مشتعل بينهم حول كل القضايا وجميع الأمور. وما يزيد الأمر سوءا، وما يصل به الي ذروة المأساة، ان كل طرف من هذه الاطراف، يحاول الآن جاهدا ان يلقي علي الآخر تبعة الحال المؤسف الذي وصلنا اليه، ويحمله مسئولية المأساة التي جرت، وتجري، ويتهمه بأن مواقفه وأفعاله هي التي أدت بنا الي ما نحن فيه الآن،..، بل والأكثر من ذلك يتهمه بأنه وراء كل السلبيات التي وقعت والأخطاء التي حدثت. وفي هذا الاطار المؤسف رأينا حالة الانقسام والاستقطاب الحادة، وحالة التنافر والعداء المشتعلة، ورأينا الصدام والاعتداء والعنف هو المسيطر بين القوي السياسية ومؤيديها والتابعين لها في مشهد دام، ورأينا الضحايا من ابنائنا يسقطون قتلي وجرحي، بأيدي وأفعال جزء آخر من ابنائنا، وهو ما يؤلم كل مصري، ويدمي قلوب كل المصريين. وفي هذه المأساة ليس أمامنا غير الانضمام إلي كل ابناء هذا الوطن، المتضرعين الي الله سبحانه وتعالي، ان يحمي مصر ويكتب لها السلامة مما يحيط بها من أخطار، ومما تتعرض له من محن علي يد بعض ابنائها.