لك الله يا مصر.. انه القادر علي حمايتك من ظلم أبنائك الذين تناسوا انتماءهم لترابك وأداروا ظهورهم لمواطنتك واستساغوا نهش لحمك حتي أدموك. إن ما حدث أمس الاول من عنف وتخريب وتقاتل وسفك للدماء ما هو إلا نتيجة لحالة الفوضي والتسيب وعدم الانضباط وانتشار مشاعر عدم المبالاة بالمشاكل التي يعاني منها المجتمع. كل الأجهزة والهيئات والقوي السياسية التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير التي كان من المفروض أن تطهر القلوب والعقول وتسمو بالروح والمسئولية الوطنية شاركوا في هذه الأعمال المأساوية التي شوهت صورة مصر الحضارة والتسامح. إن ما جري من تطورات مفجعة لا يمكن وصفه سوي بالسلوك الهمجي الذي لا يخدم سوي الأعداء المتربصين بهذا الوطن متطلعين إلي تفتيت وحدته والقضاء علي تماسكه. لا أحد يمكن أن ينكر حق أي مواطن في أن يعلو صوته مطالبا بأي حق وأن يطرق جميع الأبواب المشروعة للحصول عليه.. ولكن ليس من حق هذا المواطن أن يتحول إلي عنصر تخريب. في نفس الوقت فإنه لا يمكن إعفاء التباطؤ من الاستجابة لأي مطالب مستحقة بالسرعة اللازمة أو الإعلان عن المواقف بصراحة إذا ما كان هذا الحق غير مستحق. لا يجب بأي حال اللجوء إلي سياسة المماطلة والتجميد وبما يتيح الفرصة للصيد في الماء العكر. ليس هناك اعتراض علي ما شهدته منطقة ماسبيرو في مواجهة مبني التليفزيون من مظاهرات قبطية وافدة من بعض أحياء القاهرة اعلنت سلميتها احتجاجا علي ما اعتبروه افتئاتا علي حقوقهم كمواطنين من أبناء هذا البلد.. ولكن ما يمكن الاعتراض عليه هو لجوء هذه المظاهرات إلي ممارسة الاستفزازات والتعرض بالعدوان لرجال القوات المسلحة والشرطة باستخدام الأسلحة النارية والحجارة واشعال الحرائق وممارسة عمليات القتل. عند هذه النقطة يمكن القول ان تطور الأمور بهذا الشكل غير الحضاري باللجوء الي التخريب وحرق السيارات قد دخل في اطار العمل الاجرامي الذي كان لابد أن يكون له رد فعل يزيد من الازمة اشتعالا لتصبح المنطقة ساحة حرب يتساقط علي أرضها الضحايا وكلهم ويا للعار مصريون. اننا وعندما نراجع فصول هذه المأساة لابد أن نتذكر عمليات الشحن والاثارة وسوء التعامل مع المشاكل في غياب للادراك الوطني من جانب كل الاطراف والقوي السياسية والاعلام. لابد أن نعترف بان هناك قصورا من الجميع في المعالجة وهو ما ادي الي تمهيد الارضية لما حدث. ولا يخفي علي احد ان مشاعر الخوف مما كان يجري علي الساحة السياسية كان عاملا اساسيا في عملية شحن نفوس الاخوة الاقباط. ساهمت بعض مظاهر التطرف الديني والتصريحات غير المسئولة من الجُهال الذين يتعمدون التنكر للهوية المصرية ولرابطة المواطنة التي يتشكل من مقوماتها هذا الوطن.. في زيادة الشعور بالغربة وعدم الاطمئنان لما سوف تحمله الايام القادمة. من ناحية اخري فانه لا يمكن لأحد أن يُحمل ثورة 25 يناير ما شهدته مصر من غياب للامن والامان والاستقرار. لقد حددت هذه الثورة أهدافها عند اندلاعها في الاصلاح والتغيير والتقدم. لم تكن داعية للفوضي أو الفتنة الطائفية وإنما طالبت بتضافر الجهود من أجل البناء وهتفت دوما لوحدة الهلال والصليب. اذن فان ما نتعرض له من اخطار ليس سوي تجسيد للفوضي الخلاقة والتي نادت ودعت اليها القوي الخارجية التي لا تضمر أي خير لمصر. من المؤكد ان هناك أيدي غريبة وغير مصرية قادرة علي تجنيد بعض العناصر التي فقدت هويتها المصرية من اجل تدمير مصر. انهم يسعون من وراء ذلك ان تتحول ثورات الربيع العربي من خلال ضرب مصر الي تصفية كاملة للعالم العربي والاسلامي. ليس أدل علي ذلك مما حدث من تمزيق للعراق والسودان وما جري ويجري من مجازر في ليبيا وسوريا واليمن. ان وضوح ابعاد هذه الصورة يقودنا الي طرح هذا السؤال علي كل ابناء مصر.. هل ترضون بان تكونوا اداة لتدمير وطنكم وأمتكم بعد ذلك؟!