رأيت مشهدا تليفزيونيا منذ عدة شهور مازال عالقا في ذاكرتي حتي الآن.. د. عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق يعتلي المنصة الرئيسية في ميدان التحرير وعن يمينه القطب الإخواني د. محمد البلتاجي وعن يساره القطب الناصري حسين عبد الغني مدير مكتب قناة الجزيرة بالقاهرة السابق. أحدهما يهتف "اخترناك.. اخترناك" والحشود الموجودة بالميدان تردد خلفه ذات الشعار.. فيرد عليه الثاني "إحنا معاك.. إحنا معاك".. فترد الجماهير أيضا ذات المقولة. وقد كانت الرسالة واضحة للمشاهدين.. بأن الإخوان والناصريين شركاء في الثورة.. وأنهما يعيشان شهر عسل طويلا من التحالف السياسي بدأ قبل ومع انتخابات مجلس الشعب المنحل.. حيث ساعد الإخوان العديد من الكوادر الناصرية علي النجاح في الانتخابات والحصول علي عضوية المجلس من خلال وضعهم علي قوائمهم.. أو عدم ترشيح منافسين لهم في دوائر أخري من كوادرهم.. ولكن سرعان ما إنهار هذا التحالف بين "الإخوة الأعداء" بعدما كشف الأداء البرلماني لكل منهما عن أنهما كقضيبي السكة الحديد.. لا يمكن أن يلتقيا! وقد لا يستطيع أحد أن يجزم بالأسباب الحقيقية للخلاف والاختلاف بين شريكي الأمس.. هل هو الطموح السياسي الجامح للكوادرالناصرية؟.. أم أن الإخوان تذكروا فجأة أنهم كانوا ضيوفا دائمين علي السجون الناصرية؟.. وقد تكون هناك أسباب أخري لا يعلمها سوي طرفي الخلاف.. ولكن المهم أن هذا المشهد التليفزيوني المشار إليه سابقا.. استدعته ذاكرتي أثناء انعقاد الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الصحفيين صباح الأحد الماضي.. نعم.. لقد جرت مياه كثيرة في نهر الخلاف بين الفريقين.. ولكنه كان واضحا أن هناك حشدا ناصريا بمساندة يسارية في فترة تسجيل أسماء أعضاء الجمعية العمومية والتي تمتد إلي ساعتين فقط.. من العاشرة صباحا إلي الثانية عشرة ظهرا.. هذا مع أننا توافقنا من قبل وعلي مدي السنوات الطوال الماضية أن يخلع كل منا رداءه الحزبي والسياسي علي أبواب النقابة.. قبل الدخول إلي قاعاتها من منطلق أن النقابة.. هي للصحفيين.. كل الصحفيين علي اختلاف انتماءاتهم الحزبية أو توجهاتهم السياسية وغير مسموح أن تخضع لتوجهات أي حزب أو يسيطر عليها اتجاه سياسي معين. وكان الصحفيون دائما علي درجة كبيرة من الوعي، حيث كانوا يحققون باختياراتهم "التوازن" بين أعضاء المجلس.. أو بين المجلس والنقيب.. خاصة المعروف منهم بانتمائه السياسي لتيار معين. ولكن دائما ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد ارتدي الجميع عباءتهم السياسية في ممارستهم للعمل النقابي.. وهو ما أدي إلي الخلاف والاختلاف بين النقيب والمجلس.. وأصيب "الأداء" النقابي بالشلل.. إلا من بعض الجهود الفردية لبعض أعضاء المجلس في التدريب أو اللجان المتخصصة.. واكتفت النقابة بصرف "البدل" للصحفيين بالصحف الحزبية والخاصة! لقد كان "المشهد مؤلماً ومؤسفاً.. تشابك بالأيدي وتدافع بالأجساد.. في جمعية عمومية للصحفيين قادة الرأي والتنوير في المجتمع.. لقد حدث ما شاهده الملايين علي الشاشات التليفزيونية ليس بسبب التنافس علي الأداء النقابي.. ولكن بسبب تصفية حسابات سياسية.. مكانها خارج جدران النقابة العريقة المستقلة. وهنا يجب ألا يفهمني البعض خطأ.. فلست ضد أن تمارس النقابة السياسة، ولكن يجب أن يتم ذلك بشكل منظم ومعلن عنه من قبل.. ومن خلال حوار عام يتم التوافق علي نتائجه في صورة "بيان" يصدر باسم مجلس النقابة.. تعبيرا عن رأي أعضائها.. فنحن جزء من المجتمع ومهمومون بما يحدث فيه أو يحيط به.. فضلا عن أننا كتنظيم "مهني" مهم.. يجب أن يكون لنا صوت مسموع في الأحداث الجارية.. ولكن المشكلة في خلط الأوراق.. والقفز علي الواقع ومحاولة تطويعه لخدمة أغراض معينة.. أبدا لن تختطف النقابة ولن نسمح للسياسة بتهديد وحدتنا النقابية.