اصبحت الحاجة ملحة إلي تبني استراتيجية فعالة ومتكاملة ترتكز اساساً علي حقوق الإنسان لاسترداد متحصلات الفساد في الخارج. إذ تستطيع مصر ان تتمسك بأن نجاحها في استرداد أموالها المنهوبة في الخارج يعزز مواردها ويساعدها علي الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها في مجال حقوق الإنسان الأساسية وان عدم ارجاع أموالها المسروقة يؤثر سلبا علي التزاماتها باتخاذ تدابير بأقصي ما هو متاح من الموارد للتوصل تدريجياً إلي الأعمال الكاملة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أن التعاون الدولي من أجل التنمية وبالتالي من أجل إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هو التزام قانوني - وليس مجرد التزام أخلاقي فقط - يقع علي عاتق جميع دول العالم إعمالاً للمادتين 55 ، 65 من ميثاق الأممالمتحدة.. وفقاً لهذا المبدأ فإن التزامات الدول باحترام حقوق الانسان لا تنطبق فقط علي البلدان التي هي منشأ (مصدر) الأموال المنهوبة بل ايضا تنطبق - ومن باب أولي - علي البلدان المتلقية لتلك الأموال إذ يتعين عليها تقديم المساعدة للبلدان التي تحتاجها وتيسر إعادة تلك الأموال كجزء من التزامها القانوني بالتعاون والمساعدة علي الصعيد الدولي. ومن جماع ما تقدم نضع تحت بصر اصحاب القرار أهم التوصيات التي قد تساعد مصر في استرداد أموالها المنهوبة من الخارج: 1 - إعادة النظر في الآلية المعمول بها حالياً في مجال استرداد متحصلات الفساد بحيث يتم تبني نهج متكامل فلا يرتكز علي حقوق الانسان إزاء استرداد الأصول المصرية المنهوبة بالخارج ويقوم هذا النهج علي أن نجاح مصر في استرداد عائدات الفساد يعزز مواردها للوفاء بحقوق مواطنيها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية هذا من جهة ومن جهة أخري يتعين علي الدول متلقية الأموال المنهوبة أن تدرك جيدا ان إعادة الأموال ليس تفضلا من جانبها أو تدبيرا أخلاقيا إنما هوواجب قانوني بالمعني الفني للكلمة ينبع من التزاماتها الدولية بتقديم التعاون والمساعدة علي الصعيد الدولي. 2 - اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمصادرة الأصول المنهوبة دون الاستناد إلي حكم إدانة في حالة تعذر الحصول علي ذلك الحكم. فهناك نوعان من المصادرة يستخدمان علي الصعيد الدولي لاسترداد عوائد المصادرة الجنائية بموجب حكم جنائي (الجريمة 1 - 2) مصادرة الأصول دون الاستناد إلي حكم إدانة. ويتمثل الفارق الجوهري بين الاثنين في أن المصادرة الجنائية تتطلب محاكمة جنائية وحكما بالإدانة أي أنه يتوجب علي النيابة العامة أن تثبت أن الأصول موضوع الدعوي الجنائية عبارة عن عوائد الجريمة أو ادواتها في حين أن مصادرة الأصول دون الاستناد الي حكم إدانة لاتتطلب ذلك فيشار إليها بوصفها »مصادرة عينية« لكونها اجراء ضد الأصول ذاتها وليس ضد الأشخاص وهي بمثابة اجراء منفرد عن أي اجراءات قضائية جنائية وكل ما يشترط بشأنها هو إثبات أن الممتلكات المنهوبة لها صلة بالجريمة. وأحياناً تكون مصادرة الأصول دون الاستناد إلي حكم إدانة الخيار الافضل في سياقات شتي كما هو الحال في حالات هروب الجاني أو موته أو تمتعه بالحصانة من الملاحقة القضائية أو عدم كفاية الادلة ضد المتهم أو استعصائه علي المحاكمة نظراً لشدة نفوذه. 3 - تشكيل لجنة وطنية من جميع الجهات ذات الصلة - تتبع رئاسة الجمهورية - يكون اختصاصها الرئيسي وضع وتنفيذ خطة عمل تفصيلية تهدف الي تعقب وتجميد ومصادرة واستعادة الأموال المصرية المنهوبة في الخارج. ويكون للجنة أمانة فنية تتبعها وحدة للتوثيق والمعلومات فضلا عن الاضطلاع بوظائف مرصد وطني لجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالممارسات الجيدة في مجال استرداد متحصلات الفساد وأهم الدروس المستفادة وصولاً لانشاء قاعدة بيانات مركزية علي المستوي الوطني. 4 - ضرورة اصدار تشريع متكامل يتناول جميع الجوانب المتعلقة بتعقب وتجميد ومصادرة واستعادة الأموال المصرية المنهوبة في الخارج بما يتفق ومعايير حقوق الانسان ويضمن توفير الحماية للمبلغين والشهود وعدم التأثير عليهم والزام الكافة بتقديم المعلومات والبيانات والمستندات التي قد تطلبها اللجنة فضلا عن تبني نصوص قانونية صريحة تسمح بمصادرة الاصول المنهوبة دون الاستناد الي حكم إدانة عندما لا تكون المحاكمة الجنائية متاحة أو غير ناجحة. 5 - تفعيل التعاون الدولي والاقليمي في مجال المساعدة الفنية ومنها بناء القدرات المؤسسية والبشرية من أجل تنفيذ قواعد اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد بشأن استرداد الموجودات. 6 - تعزيز الشراكة مع المبادرات الفردية والأهلية كالمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية والاستفادة من الإمكانيات التي يمكن للمبادرات الشعبية توفيرها لمساندة الجهود الرسمية التي يتم بذلها لاسترداد أموالنا من الخارج. 7 - تفعيل مبادرة استرداد الأصول المنهوبة STAR بشأن مساعدة الدول النامية في استرداد أموالها من متحصلات الفساد واستخدامها في التنمية وكذا المبادرة الي اتخاذ جميع التدابير والاجراءات اللازمة لتنفيذ خطة العمل التي تبناها المشاركون في المنتدي العربي لاسترداد الأموال المنهوبة برئاسة النائب العام القطري الذي يقوم بدور مهم في مساعدة دول الربيع العربي علي التحرك السريع لاستعادة تلك الأموال. 8 - حث الدول المتلقية لطلبات المساعدة - وأغلبها من الشمال - علي اتباع نهج استباقي حيال التعاون الدولي بشأن استرداد الموجودات من خلال الاستفادة التامة من الآليات التي ينص عليها الفصل الخامس من اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد.. والله من وراء القصد