تقدر تقارير الهيئات المالية الدولية حجم الأموال المصرية المهربة إلي الخارج بنحو 225 مليار دولار، تحاول الحكومة والناشطون منذ نجاح ثورة 25 يناير وسقوط النظام السابق ان تستعيد كل ما يمكن استعادته منها، لاسيما وأن مصر من الدول الموقعة علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتي دخلت حيز التنفيذ من عام 2005. ومع استمرار هذه المحاولات حاولت »الوفد الأسبوعي« الإجابة عن السؤال الأهم: هل يمكن لمصر استعادة هذه الأموال المنهوبة؟ أم أن السعي وراء هذا الحلم حرث في الماء يقوم به البعض بحسن نية والبعض الآخر برغبة في الظهور الإعلامي والمتاجرة بأحلام البسطاء؟ يقول د. مروك نصر الدين الخبير القانوني بالأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب وأحد المشاركين في صياغة الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد ان اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد حددت 3 حالات يتم فيها إعادة الأموال المنهوبة، الأولي أن تكون الممتلكات أو الأموال المصادرة متحصلة من جريمة اختلاس أموال عمومية (المنصوص عليها من المادة 17 من الاتفاقية) وفي هذه الحالة يتم إرجاع الممتلكات أو الأموال المصادرة إلي الدولة الطالبة متي توافر شرطان أولهما عام ويعني أن يتم تنفيذ المصادرة وفقاً للمادة 55 من الاتفاقية بحيث تتوافر الشروط التي تتطلبها هذه المادة وعلي وجه الخصوص تلك المتعلقة بطلب المصادرة، وثانيهما شرط خاص بأن يصدر عن محاكم الدولة الطالبة حكم نهائي بالمصادرة. فيلاحظ من ناحية أولي أن الاتفاقية قد نصت علي حكم بينما في نصوص أخري كانت قد اكتفت بكلمة أمر أو قرار كما في المادة 55 الخاصة بالتعاون الدولي لأغراض المصادرة، والحكم لا يكون إلا من جهة قضائية بينما يتصور ان يصدر القرار من سلطة إدارية مثلاً كما لابد أن يكون الحكم نهائيا أي غير قابل للطعن مع مراعاة ما قد يوجد من تفاوت بين قوانين الدول المختلفة فيما يتعلق بمفهوم الحكم النهائي. ويشير نصر الدين إلي أنه رغم ذلك فقد أجازت الاتفاقية استبعاد شرط صدور حكم نهائي بالمصادرة في الدولة الطالبة متي قبلت ذلك الدولة التي تقوم بالمصادرة إذ يحق لها أن تعيد الأموال ولو لم يكن هناك حكم نهائي بالمصادرة من الدولة الطالبة. أما الحالة الثانية - حسب الدكتور مروك - فهي ان تكون الممتلكات أو الاموال المصادرة متحصلة من أي جرم آخر مشمول بالاتفاقية مثل الرشوة (المادتان 15 و16 من الاتفاقية) أو الاثراء غير المشروع (المادة 20 من الاتفاقية) وفي هذه الحالة يتم ايضاً إعادة الممتلكات أو الأموال المصادرة إلي الدولة الطالبة بنفس الشرطين الواردين في الحالة الاولي أي بموجب توافر ما تتطلبه المادة 55 من الاتفاقية الخاصة بالتعاون الدولي لأغراض المصادرة و كذلك استناداً إلي حكم نهائي بالمصادرة من الدولة الطالبة. ولكن يظل الفارق بين هذه الحالة الثانية والحالة الاولي انه في الحالة الاولي كان يجوز للدولة التي تقوم بالمصادرة ان تستغني عن شرط سبق صدور حكم نهائي بالمصادرة من قبل الدولة الطالبة وتقوم بإعادة الاموال إليها رغم ذلك، أما في هذه الحالة الثانية فإن استغناء الدولة المطلوب منها المصادرة عن اشتراط صدور حكم نهائي بالمصادرة من قبل الدولة الطالبة لكي تعيد الاموال إليها يبقي منوطاً بأحد شرطين : فإما ان تثبت الدولة التي تطلب استرداد الاموال ملكيتها السابقة للممتلكات او الاموال المصادرة وإما ان تقر الدولة المطلوب منها المصادرة و إعادة الاموال بالضرر الذي لحق بالدولة التي تطلب الاسترداد كأساس قانوني لإرجاع هذه الممتلكات إليها. وهكذا تبدو شروط إعادة الاموال المتحصلة من اختلاس المال العام او غسل الاموال العمومية في الحالة الاولي اكثر يسراً ولو نسبياً من شروط اعادة الاموال المتحصلة عن اي جرائم اخري مشمولة بالاتفاقية. ويضيف نصر الدين أن الحالة الثالثة ان تنظر الدولة التي توجد فيها الممتلكات أو الأموال المتحصلة من إحدي الجرائم المشمولة بالاتفاقية علي وجه الأولوية في اتخاذ أحد أمرين: إما إرجاع الممتلكات أو الاموال بتعويض ضحايا الجريمة. ويؤكد د. نصر ان الإشكالية الحقيقية ان الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لم تحدد كيفية استرجاع الأموال ولذلك لابد لمصر علي سبيل المثال من آليات لاسترداد أموالها من الدول مثل توقيع الاتفاقيات الثنائية، مضيفا أن الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والتي تم توقيعها في ديسمبر 2010 لم تدخل حتي الآن حيز النفاذ حيث يستلزم ذلك تصديق 7 دول عربية عليها. أما عامر خياط الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد فيؤكد ان إجمالي الدخل القومي العربي في الفترة من 1950 وحتي 2000 بلغ ثلاث آلاف مليار دولار وتم إنفاقه علي النحو التالي: ألف مليار دولار للتسليح والصفقات الملتصقة به والثلث الثاني ألف مليار دولار تم إنفاقه علي إنشاء البنية التحتية أما الثلث الأخير وقدره ألف مليار دولار فقد تم إهداره في عمليات رشوة وفساد ومحسوبية وإهدار المال العام وأضاف أنه بالنسبة لأموال مصر المنهوبة فإن الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد تحتاج لآليات مكملة مثل إتفاقيات ثنائية خاصة أنه بالنسبة لمصر فالمنهوب ليس أموالاً فقط بل آثار منهوبة وأنا أقول و الكلام لعامر خياط: إنني متفائل أن الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد سوف تثبت فاعليتها لأنه من حق مصر إستعادة هذه الأموال التي تحتاجها في خطط التنمية لأن مسألة إسترداد الأموال ليست مسألة فنية من خلال إتفاقيات دولية فقط بل ان لها جانباً سياسياً وأعتقد أن هذا الجانب سوف يساعد في إستعادة مصر لأموالها خاصة في المرحلة الحالي . د. خالد المعموري رئيس اللجنة المشرفة علي تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالعراق أن بلاده صادقت علي إتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في مارس 2008 ومن وقتها أصبح العراق طرفاً في هذه الإتفاقية وأشار إلي أنه من أهم ما تتضمنه الإتفاقيه مسألة استرداد الموجودات والتي تسمح بقيام الدول الأطراف في الإتفاقية بالتنسيق مع بعضها البعض في فتح نقاشات تمهيداً للدخول في مفاوضات لعقد إتفاقيات ثنائية لاستعادة الأموال مضيفا: العراق شكل لجنة وطنية أتولي رئاستها وتضم في عضويتها أعضاء من الإدارة القانونية في هيئة النزاهة لدراسة كل الاتفاقيات المعقودة مع الدول الأخري خاصة مع الولاياتالمتحدة للوصول إلي اتفاقية ثنائية حول آلية استرداد الأموال والثروات المنهوبة ويدخل ضمن هذه الاتفاقية مسألة صدور حكم قضائي ضد أحد الأشخاص يكون علي سبيل المثال قام بتهريب أمواله للولايات المتحدة وبموجب الاتفاقية المزمع توقيعها تكون أمريكا ملزمة بإرجاع الثروات كما سيقوم العراق بعقد مثل هذه الاتفاقيات مع دول عربية وأوروبية. ويضيف د. خالد المعموري قائلا: لقد استفدنا من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في قضية "زينة" وهي موظفة في أمانة بغداد اختلست 12 مليون دولار وهربتها إلي الاردن ولبنان، وبالتعاون مع الأشقاء في الدولتين عن طريق الاتفاقية الدولية تم تجميد هذه الأموال تمهيداً لاعادتها الي العراق. ويؤكد د. خالد المعموري أنه كخبير في قضايا الفساد ورئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد بالعراق يري أن هناك أموالاً مصرية تقدرها هيئات دولية ب 225 مليار دولار تم نهبها وتهريبها في عهد النظام السابق ناصحا بأن تتعاون الأجهزة الرقابية وأجهزة الكسب غير المشروع في مصر مع وزارتي العدل والخارجية للوصول إلي آليات محددة للتعاون بشأن هذه الأموال مع كل دولة علي حدة من الدول التي تم تهريب هذه الأموال لها. وتري د. بلقيس أبو إصبع نائب رئيس الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد أن هناك بنوداً في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد تسمح باسترداد الأموال وهذه الاتفاقية ملزمة ويمكن أن يتم استكمالها عن طريق الاتفاقيات الثنائية وتري ان استرداد هذه الأموال ضروري لانها سوف تساعد في إحداث التنمية لان مصر في هذه المرحلة من حقها ان تسترد اموالها المنهوبة. ويري د. صلاح الغزالي رئيس جمعية الشفافية الكويتية أنه لابد من توسيع دور مؤسسات المجتمع المدني للمساعدة في استرداد هذه الأموال ليكون هذا الجهد بجانب الجهود الحكومية ويضرب مثلاً بأن منظمات مكافحة الفساد غير الحكومية ووسائل الاعلام الخاصة يمكن أن تلعب دوراً هاماً لمساندة الجهود الحكومية في استعادة هذه الأموال المنهوبة.مسئول بالأممالمتحدة ل »الوفد الأسبوعي«: تعيين قضاة اتصال يساعد مصر علي عودة أموالها المهربة 14ملياراً و337 مليون دولار نهبها 11 رئيساً أفريقياً لم يعد منها سوي 500 مليون دولار أكد مسئول في مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومقره الرئيسي في ڤيينا أن المادة 57 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في الفقرة (ج) تسمح للدول التي توجد لديها الأموال المنهوبة بإعادة هذه الأموال إلي الدولة التي تم نهب الاموال منها دون حتي صدور حكم قضائي وذلك وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل ومبدأ المجاملة. وطالب المسئول الدولي - الذي تحتفظ الوفد باسمه - مصر بأن تبذل جهوداً إضافية لجهودها القضائية والسياسية مثل إنشاء نقاط اتصال في الدول التي يوجد بها أموال مصرية منهوبة أو تعيين قضاة اتصال في تلك الدول و هو إجراء اتخذته علي سبيل المثال المملكة المغربية حيث قامت بتعيين قضاة اتصال لها في اسبانيا وبلچيكا وفرنسا. وقال المسئول الدولي ان الاموال التي نهبها 11 رئيساً سابقاً لنيجيريا، ساحل العاج، زائير "الكونغو الديمقراطية " حالياً، ومالي، الكونغو، الجابون، الكاميرون، اثيوبيا، تشاد بلغت 14 ملياراً و337 مليون دولار وأضاف ان هذه الأموال المهربة بالتفصيل وفقاً لتقرير أعده مكتب الأممالمتحدة الانمائي علي النحو التالي: 3.5 مليار دولار هربها للخارج فيليكس هوڤيه رئيس ساحل العاج الاسبق و3.4 مليار دولار قام بتهريبها ساني اباتشي رئيس نيجيريا الاسبق و3 مليارات دولار قام بتهريبها ابراهيم بابا نجيدا رئيس نيجيريا الاسبق و18 مليار دولار قام بتهريبها موسي تراوري رئيس مالي الاسبق و200 مليون دولار قام بتهريبها هنري كونان رئيس ساحل العاج الاسبق و120 مليون دولار قام بتهريبها دينيس ساسونجيو رئيس الكونغو الاسبق و50 مليون دولار قام بتهريبها عمر بونجو رئيس الجابون الاسبق و20 مليون دولار قام بتهريبها منجستو هيلا ماريام رئيس اثيوبيا الاسبق وأخيراً 2 مليون دولار تخص حسين حبري رئيس تشاد الاسبق. مشيراً إلي ان معظم هؤلاء الرؤساء رحلوا ...و لذلك تبذل حكومات دولهم جهوداً مضنية لاستعادة هذه الاموال لكن ما تم استعادته حتي الآن هو 500 مليون دولار استعادتها نيجيريا عام 2005. وفي تصريح خاص أكد إيميلي ڤاندر دوس المسئول بالبنك الدولي ان فكرة تعيين قضاة اتصال هي فكره جيدة تستحق الدراسة لكن علي ان يتم ذلك بالتوازي مع عمليات الاتصال المؤسسي بين جهات انفاذ القانون في الدولتين المعنيتين وأضاف ان هناك بعض المؤسسات غير الحكومية قامت بدور الوكيل لبعض ضحايا جرائم الفساد وطالبت بحقوق الضحايا وان ذلك حدث في كل من اسبانياوفرنسا مشيراً إلي ان هناك منظمة في فرنسا تقوم بمساعدة ضحايا الفساد من أي دولة في العالم لاسترداد حقوقهم. واعترف ايميلي ڤاندر دوس بأن هناك صعوبات تواجه عمليات الاسترداد ومنها سويسرا مثلاً لو كان الامر يتعلق بعمليات غسيل أموال حيث تعمل الدول التي يتم مطالبتها بإعادة الاموال علي توسيع الإطار التجريمي حتي لا يصبح في إطار غسيل اموال و تصبح الدولة هنا لزاماً عليها إعادة الأموال أو الممتلكات.