مرت ذكري وفاة طه حسين عميد الأدب العربي بدون أن تلقي الاهتمام الذي يناسب مكانة الرجل . ظلم العميد كثيرا في حياته ، بعد أن ابتلي بالعمي بسبب الجهل والإهمال عاش في صراع لا ينتهي مع التخلف والتقاليد والتطرف ومات في خضم حرب أكتوبر فلم يلتفت إليه كثيرا في ظل الاحتفال بعبور القناة وتحقيق النصر . قصة طه حسين هي قصة العظمة والإعجاز لرجل عاش ضريرا ولكنه كان بصيرا . كافح من أجل أن يتعلم ، وببصيرته ورؤيته الثاقبة انتقل من رحاب الأزهر إلي الجامعة الجديدة ، جامعة فؤاد الأول أو القاهرة حاليا ، ليسافر إلي فرنسا ليحصل علي أول دكتوراه مصرية . كان ظهور طه حسين ، بشيرا بإحياء ثقافة التنوير ووصل الماضي بالحاضر . فقده البصر لم يحل دون أن يكون موسوعي الثقافة وأن يلتهم ويستوعب اللغة والتاريخ والشريعة فكانت أدواته لإحياء الثقافة العربية وأن يصيغ منها ما يتناسب مع الحاضر ويتطلع به إلي المستقبل . تولي طه حسين العديد من المنصب المهمة التي من خلالها استطاع أن يحيي الثقافة العربية ، فمن خلال كتاباته في الصحف ورئاسته تحرير بعضها ومن خلال مسئوليته عن اللجنة الثقافية بالجامعة العربية ومن خلال عمادته كلية الآداب وتوليه وزارة المعارف ، استطاع أن يعبد الطريق لأفكاره وأن يجعلها تصل إلي الناس ، وبعد توليه الوزارة طبق مشروعه الكبير ، مجانية التعليم ، فأصبح التعليم علي يد طه حسين كالماء والهواء . موسوعية ثقافة العميد وإمكانياته جعلته يكتب في كل شيء، حتي أنه كتب قصصاً لأفلام السينما ، فكان دعاء الكروان والحب الضائع وغيرهما. وكان من أهم كتب العميد التي نتذكرها الآن ، المعذبون في الأرض ، وكم نتمني أن يعود العميد للحياة معنا لكي يرشدنا إلي الطريق القويم في ظل المحن التي نعيشها ، كم نتمني أن تلد مصر وتنجب كل مدة عميدا جديدا يحيي ثقافتها العربية وينشر التنوير في عصر يحتاج فعلا إلي النور والتنوير . لقد استطاع رجل أعمي أن ينير لنا الطريق من قبل ، فلم لا يستطيع المبصرون أن يروا الطريق ؟ . رحم الله طه حسين الذي لا تكفي أية ألقاب لوصف أثره وبيان دوره في حياتنا الثقافية والأدبية .