لم يتردد لحظة في تلبية نداء الوطن.. ترك مشاغله العلمية في أمريكا وحضر لمصر في زيارة خاطفة ليدلي بدلوه ويطرح رؤيته حول دستور مصر الجديد. كعادته استثمر زيارته في دفع عجلة الأبحاث التي تجري في مصر حول العلاج المأمول للسرطان وحرص علي التنسيق بين باحثي المركز القومي للبحوث وأساتذة المعهد القومي للأورام لاستكمال تلك الأبحاث العلمية التي تعد أملا كبيرا للبشرية في علاج هذا المرض اللعين. وعالم مصر الكبير الدكتور مصطفي السيد الذي انفردت (الأخبار) بهذا الحوار معه أثناء زيارته القصيرة لمصر مؤخرا.. حيث كانت آخر زياراته لها قبل إجراء إنتخابات الرئاسة. وفي هذا الحوار يطالب المصريين بالصبر وإعطاء الرئيس الدكتور محمد مرسي الفرصة لكي يعمل وألا يتم إرباكه بتوافه الأمور ونضطره ليكون دائما في موقف المدافع عن نفسه ثم نحكم بعد ذلك علي أدائه. كما طالب الرئيس في ذات الوقت أن يتسع صدره لكل نقد أو رأي بناء وأن يثبت بالفعل لابالقول أنه رئيس لكل المصريين. وأبدي إنزعاجه من تلك الحالة العبثية التي تعيشها مصر والتي يتكلم فيها الجميع ويصرخ دون أن يعطي أحد للآخر فرصة لسماعه بعد أن افتقدنا أبسط قواعد الحوار. طالب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور بالمضي في مهمتهم بمنتهي الثقة والسرعة حتي يمكن إنجاز دستور عصري للبلاد في أقرب وقت ممكن. وأكد علي أهمية استثمار وقتنا المهدر في جدل سوفسطائي يفتقر للمعلومات لمواجهة قضايانا ومشاكلنا المعقدة والمزمنة حتي نتخطي عنق الزجاجة وننطلق للمسقبل بخطي ثابتة. وأعرب عن تفاؤله بنجاح الأبحاث التي تجري حاليا حول الطاقة الشمسية في مصر واستخدامها في توليد الكهرباء حيث يمكن باستثمار جزء صغير جدا من صحراء مصر إمداد نصف أوربا بالكهرباء. قلت لعالمنا الكبير .. غادرت مصر قبل انتخابات الرئاسة بعدة أشهر وعدت لها الآن فهل حدث تغيير واضح خلال هذه الفترة ؟ نعم .. لقد حدث تغيير كبير للغاية، ربما لم يحدث علي مدي قرون في تاريخها فقد حدثت انتخابات رئاسية خلال هذه الفترة وكنت أتابعها بالتأكيد كما كان يتابعها العالم كله وكانت سعادتي كبيرة وأنا أري أولاد بلدي يخرجون للإدلاء بأصواتهم بحرية في هذه الإنتخابات التي أسفرت عن انتخاب رئيس جديد. وهل كان هذا تغييرا للأفضل من وجهة نظرك؟ التغيير دائما يكون للأفضل وهو من سنة الحياة وأمر محمود ومطلوب .. لكن الأمور تحتاج لوقت وصبر حتي يري الإنسان نتائج هذا التغيير ويجني ثماره. لكن هناك انتقادات كثيرة توجه للرئيس وحدث انقسام حول قراراته بدءا من قرار إعادة مجلس الشعب وحتي قرار التغيرات الأخيرة لقيادات الجيش؟ من الطبيعي أن يختلف الناس حول أي قرار ومن الوارد أن تكون هناك قرارات خاطئة ويتم تصويبها ..وكي أكون واضحا فلم يتح لي دراسة هذه القرارات وخلفياتها وليس لدي معلومات كافية حول كل منها ..لكن الأمر الذي يزعجني أني أري الجميع يتحدث بعلم وبغير علم في كل شيء . وليت الذي يتحدث يعطي فرصة للآخر للاستماع إليه ومحاورته ومعرفة وجهة نظره بهدوء لكن تحول الحوار لدينا إلي حوار الطرشان فليس هناك من هو مستعد للاستماع للآخر. وأعتقد أننا مطالبون بالصبر وإعطاء الرئيس الجديد الفرصة التي حددها له القانون وانتخب علي أساسها وهي ال4 سنوات وقبل نهايتها يمكننا تقييم أدائه. تخوفات الكثيرين من أخونة الدولة ربما هي التي تدفعهم دائما للتشكك في كل قرار يصدره الرئيس فكيف يمكن أن يتعامل الرئيس مع تلك الحالة التي لايبدو في الأفق أنها سوف تنتهي قريبا..؟ علي الرئيس أن يدرك أنه يمسك بمجداف البلاد وهو يعلن دائما أنه سيكون رئيسا لكل المصريين وعليه أن يثبت ذلك عملا لا قولا وأعتقد أنه سيكون حريصا علي ذلك ..وعلي كل أبناء الشعب أن يساعدوه وألا يتم تشتيت تركيزه وإشغاله دائما بالرد علي الانتقادات التي توجه له ..فكل تفكيره وتركيزه يجب أن يكون منصبا علي مصر ومواجهة مشاكلها ومستقبل أبنائها. ويشير محدثنا إلي أنه في كل المجتمعات المتقدمة فور إنتهاء المعركة الانتخابية يتصل الخاسر بالفائز مهنئا ومتمنيا له التوفيق .. بل لايتوقف الأمر عند هذا الحد إنما يتقدم الخاسر بكل الأفكار والدراسات التي يري أنها من الممكن أن تكون ذات فائدة لبلاده للرئيس الناجح علها تساعده في مهمته وهذه هي الديمقراطية ويجب أن نستوعبها هكذا فالجميع في مركب واحد . وفي المقابل لايجب علي أي رئيس أن يصفي حسابات أو يمنح أنصاره امتيازات أو يغض الطرف عن أي كفاءات مهما كانت إنتماءاتها السياسية أو الأيدلوجية فالصالح العام دائما فوق أي تحزب أو انتماء. لكن أليست هذه الانتقادات تكون ضرورة في كثير من الأحيان لتصحيح المسار ووضع كافة الرؤي أمام الرئيس وقطع الطريق علي المحيطين به من حجب أي معلومات عن الرئيس ؟ لابد أن نفرق بين النقد البناء القائم علي طرح الآراء الموضوعية التي تستند لمعلومات دقبقة غير مبتسرة أو مجتزأة من سياقها وبين التجريح والهجوم الشخصي الذي لايهدف إلا للهدم والبلبلة ونشر الشائعات والأكاذيب. وأنا لا أقصد بالتأكيد النوع الأول من النقد إنما أقصد الثاني خاصة وقد لاحظت انتشاره في مصر بصورة تزعج أي غيور علي هذا البلد ..فلا يعقل أن أضع المسئول دائما أيا كان منصبه في موضع المدافع عن نفسه دائما. فكيف يفكر ؟ ومتي يعمل ؟ والنقد البناء لايوجه للأشخاص لكنه يوجه للأعمال من هنا يكون طرحها هاما وضروريا .. والمسئول الواثق من نفسه الحريص علي النجاح لاينزعج من هذا النوع من النقد بل يسعي للتعرف عليه دائما ليطمئن علي أنه يسير في الاتجاه الصحيح. وكيف يتعاطي الرئيس مع النقد ومع أفكار معارضيه؟ الرئيس بالتأكيد يجب أن يتمتع بسعة صدر وأن يدرس كافة الآراء والمقترحات التي يطرحها مؤيدوه ومعارضوه علي حد سواء وأن يسعي لتنفيذ مايراه الأصلح والأصوب للبلاد حتي لو أغضب ذلك مؤيديه ولا تكون عينه علي انتخابات رئاسية قادمة بل تكون عينه دائما علي مصر ومستقبلها . فالنقد يجب أن يكون بلباقة وبناء كما سبق أن ذكرنا والتعاطي معه يجب أن يكون برحابة صدر وسعة أفق وقدرة كبيرة علي فرز الغث من السمين. طرحت رؤيتك لدستور مصر الجديد أمام الجمعية التأسيسية للدستور ..فما الذي تأمل أن تراه في هذا الدستور؟ هناك أمور جوهرية لابد من الاهتمام بها بخلاف ماتم التوافق عليه بخصوص الحريات وغيرها وأهم هذه الأمور علي الإطلاق التعليم والبحث العلمي ولايمكن أن تحدث نقلة نوعية حقيقية في مصر بدون الاهتمام بالبحث العلمي وإصلاح منظومة التعليم المختلة. وإنني أتساءل: هل من المعقول أن تنفق إسرائيل علي البحث العلمي أكثر من10 أضعاف ماتنفقه مصر؟ فإسرائيل تنفق 9 مليارات و400 مليون دولار مقابل 900 مليون دولار فقط لمصر. كما أنه لايمكن أن نحقق هذا الهدف إلا بإحداث تنمية حقيقية في مصر وزيادة الدخل القومي وهذا يحتم البدء الفوري في التنمية الشاملة المأمولة باستثمار تلك الثروة البشرية الهائلة في مصر علي أن تعمل في إطار منظومة من الانضباط ووضوح الرؤية. وفي هذا يجب أن نستفيد بجميع تجارب الدول التي تتشابه مع ظروفنا وحققت معدلات نمو كبيرة خاصة الصين التي استطاعت تحويل العدد الكبير من السكان لطاقة كبري ومورد لاينضب ..لدينا تلك الثروة البشرية التي يجب أن نستفيد منها وألا تكون عبئا علي الوطن لتلتهم ناتج التنمية .وفي هذا الإطار يمكن عمل شراكة مع الصين ولانكتفي بمجرد الاستفادة النظرية من بعض جوانب تجربتهم. وهل لديك ثقة في قدرة أعضاء الجمعية التأسيسية الحالية علي إنجاز مشروع الدستور الجديد كمايأمله الجميع ؟ لقد سعدت جدا بالروح التي وجدتها داخل الجمعية وبالإدارة الحكيمة لرئيسها المستشار حسام الغرياني ..وجدت إصرارا من جانبهم علي إنجاز مهمتهم من خلال الحوارات الجادة والبناءة ورغم ذلك من الطبيعي أن تجد آراء تعارضهم ربما لنقص معلومات عن عمل الجمعية أولخلافات مع بعض أعضائها لكن العبرة في النهاية بمشروع الدستور الجديد. ولقد أحسنوا صنعا بحرصهم علي الاستماع لكافة الآراء قبل الصياغة النهائية للدستور. مدينة زويل مشروع مدينة زويل لنهضة مصر كيف يمكن إنجاز هذا المشروع ؟ أولا لابد أن نؤكد علي أهمية هذا المشروع لمستقبل مصر من كل إتجاه .. فالمشروع ليس جامعة فقط بل يشتمل علاوة علي الجامعة التي ستكون متميزة وفريدة في مجال العلوم الأساسية علي مراكز بحثية متخصصة في أدق وأعقد علوم العصر ثم علي هرم التكنولوجيا الذي ستترجم فيه نتائج الأبحاث العلمية إلي منتجات لتكون بعد ذلك جاهزة للتصنيع علي نطاق تجاري. كما إنه يجب نشر نتائج الأبحاث التي ستجري في تلك المدينة بأكبر المجلات العلمية في العالم سيكون أكبر دعاية لمصر بما يعطي الثقة للجميع في الاستثمار في مصر . كما ستتيح المدينة فرصة هائلة لشباب الباحثين المصريين من ذوي القدرة علي الإبداع والابتكار للعمل في بلدهم والاستغناء عن البعثات للخارج.. وعلي الإجمال المشروع سيكون قاطرة حقيقية للتنمية في مصر. من هنا يطالب عالمنا الكبير الدكتور مصطفي السيد المسئولين في مصر بسرعة الانتهاء من كافة الإجراءات كما يطالب كافة مؤسسات المجتمع بالإسهام في دفع العمل في المشروع . لكن في ظل الظروف الحالية ..كيف تري دور البحث العلمي في تلك المرحلة التي تمر بها البلاد من عنق الزجاجة ؟ في كل بلاد العالم تعتمد الحكومات علي مجموعات من العلماء في مختلف التخصصات يقومون بأفضل الأبحاث في الموضوعات والقضايا المطروحة في الصناعة والزراعة وغيرها . وهذا مانحتاجه في مصر نحتاج لمجموعات من العلماء يدرسون أفضل طرق استثمار الموارد الطبيعية والبشرية وماتحتاجه الأسواق الخارجية وكيف يمكن أن نحقق مميزات نسبية في صناعات بعينها أومنتجات زراعية لنضمن قدما راسخة في الأسواق العالمية. لابد أن تكون لدينا في مصر خريطة تنبؤات للمستقبل وهناك العقول المصرية القادرة علي رسم هذه الخريطة. لابد أن نبحث عن موارد غير نمطية لتمويل هذه الأبحاث وعدم الاعتماد علي التمويل الحكومي. أمامنا فرص سانحة يجب الإسراع في استغلالها.. يجب الإسراع في تنفيذ خطة للتوسع الأفقي والرأسي في الزراعة.. يجب الإسراع في تنفيذ خطة للتوسع الصناعي تتناسب مع مواردنا وقدرتنا علي التميز فيها.. يجب الإسراع في استغلال الثروة السمكية من تلك البحار والبحيرات الشاسعة.. البحث العلمي يجب أن يساهم في كل تلك المجالات الحيوية. آخر الاخبار ما هي آخر أخبار أبحاث علاج السرطان بجزيئات الذهب ؟ الأبحاث تسير بشكل مرض للغاية سواء في أمريكا أو في مصر فهناك مجموعة بحثية في كل من الدولتين ..ومنذ ساعات كنت أجري عدة اتصالات للتنسيق بين الباحثين بالمركز القومي للبحوث وأساتذة المعهد القومي للأورام لتنسيق العمل البحثي بينهما خلال المرحلة القادمة ..وفور انتهاء الأبحاث علي الحيوان سيتم تجربتها علي الإنسان ومعرفة المتغيرات التي يمكن أن تحدث أثناء هذه التجارب . وبعدها ستدخل الأبحاث مراحلها الأخيرة بإجازة الأطباء ووزارة الصحة للدواء وكل المؤشرات تؤكد أننا نسير في الطريق الصحيح. وما هو الجديد في ابحاثك العلمية التي يمكن أن تستفيد منه مصرقريبا؟ البحث العلمي لايتوقف.. فبجانب الأبحاث الهامة التي ترجي علي علاج السرطان بجزئيات الذهب هناك أبحاث هامة تجري علي طاقة الشمس بصفة خاصة والطاقة بصفة عامة. وهذه الأبحاث تجري في أمريكا وفي مصر علي قدم وساق ..فهناك مجموعات بحثية في جامعة عين شمس والمركز القومي للبحوث بخلاف مايجري في أمريكا وفي حال نجاح هذه الأبحاث سيكون لها مردود اقتصادي هائل. ويمكن لمصر باستغلال جزء صغير من صحرائها أن تصدر لنصف أوربا احتياجاتها من الطاقة. أنا متفائل معني ذلك أنك متفائل بالمستقبل؟ نعم لدي تفاؤل كبير للغاية.. فمصر لاتنقصها الموارد ولا الامكانيات ولا الكفاءات ..لكن ينقصها نظام وانضباط وروح عمل جماعي ومحاسبة ..ويمكن في فترة زمنية معقولة أن تتجاوز هذه المرحلة وتحقق نقلة كبيرة. وأخيرا قلت لعالمنا : رغم كثرة الحديث عن عقول مصر المهاجرة إلا أنه علي أرض الواقع لم نجد لهم إسهاما كبيرا في مواجهة مشاكل الوطن.. فكيف يمكن الاستفادة منهم خلال المرحلة القادمة؟ لاأحد يدرك قدر ارتباط المصريين بالخارج خاصة العلماء منهم بوطنهم الأم لكن الخشية كانت دائما من تبدد الوقت والجهد في مسائل روتينية وصراعات لاعلاقة لها بالبحث العلمي المستهدف أما إذا وجدت بيئة مناسبة فالجميع لايتأخر للحظة واحدة. وأملي قيام الرئيس الدكتور محمد مرسي باعتباره أستاذا جامعيا بالعمل علي جذب العقول المصرية للوطن من خلال منظومة محددة الأهداف والرؤي وفق الأولويات التي نحتاجها في مصر.. وأثق تماما في أن أحدا منهم لن يتخلف أو يتردد في وضع كل إمكانياته لخدمة وطنه مهما كانت التضحيات.