ألحت علىّ ذاكرتى المتصحرة مساء أمس، وأنا اتهيأ لحضور احتفالية مئوية روزاليوسف، كلمات من نظم طيب الذكر «مأمون الشناوى» بصوت كوكب الشرق «أم كلثوم»: «سنين ومرت زى الثوانى فى حبك إنت.. وإن كنت أقدر أحب تانى أحبك إنت». (من أغنية «أنساك يا سلام» لحن عبقرى زمانه بليغ حمدى). بينى وبين «روزاليوسف» حب عميق، بيتى الأول، وحبى الأول، وكما قال شاعر العربية الكبير أبوتمام: «نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ كَم مَنزِلٍ فى الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ» نعم كانت أول منزل نزلته، وأرحب منزل سكنته، حصيرتها واسعة وعتبتها خضراء، وعلى درجها صعدت، وفى حضن كبارها شببت، وبصحبة أصدقاء العمر عشت حياة عريضة لا تحدها طموحات ولا تعوقها عكوسات، فقط كنا ومازلنا نحب روزاليوسف لأنها الحب الأول. روزاليوسف (فاطمة هانم طيب الله ثراها) صاحبة الفضل على أجيال، رسمتنى صحفيًا، عمدتنى مهنيًا، ومنذ وعيت.. وعينا، وتشكل وعينا صغارا، وهى تخوض بنخبة كتابها معركتها التنويرية، نذرت نفسها من تلقاء نفسها، وبوحى من مكنون صدرها، نذرت صفحات مطبوعتها للتنوير، ونهر التنوير مر ببابها، روزا عيّنت نفسها فى موقع متقدم فى مواجهة جيوش الظلام. كل من انتمى أو تطوع لحرب الجهل، الظلام، الإرهاب، كان يحتمى بجدارها العالى، يتموضع فى موقعها الحصين، وكم استضافت روزاليوسف وفتحت صفحاتها لمقاتلين أشداء، كانت مثالا للمقاومة الشعبية ضد الإرهاب، وتوزع نسخها كمنشورات بين طلاب المدارس والجامعات التى كانت تسيطر عليها جماعات ظلامية لا ترعوى لوطن ولا لعلم ولا نشيد. روزاليوسف لاتزال تصلى فى محراب الوطن، وتحيى العلم صباحًا وتنشد النشيد مع شروق الشمس، وتناضل ليل نهار فى سبيل دولة مدنية ديمقراطية حديثة. روزاليوسف شجرة تنويرية طيبة، أصلها ثابت وفرعها فى السماء، شجرة توت عتيقة تنشر ظلالها على ربوع الوطن، تتحدى رياح الهبوب التى تهب صرصر عاتية على قلاع الصحافة المصرية الصامدة. وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر والإعصار، روزاليوسف ستبقى يا ولدى، روزا ليست جملة اعتراضية فى تاريخ وطن، بل قلعة تنويرية، شجرة عفية لا تزال تنبض بالحياة، وترمى بأطيب الثمر، وإذا توفر لها بعض من هواء نقى لاستعادت قواها وقامت قيامتها وعادت تتصدر المشهد الصحفى. روزاليوسف لن تذهب إلى متحف التاريخ كما يتقول المضللون بل هى تكتب التاريخ بمداد من نور يتحدى دياجير الظلام. أمامها مستقبل واعد، يتوفر عليه مؤتمنون، مهنيون، متطلعون إلى المستقبل الرقمى، ومع توافر إرادة سياسية تعنى باستمرارية صحافة أسهمت ولا تزال فى معارك الوطن المصيرية قد يكون الغيب حلو/ إنما الحاضر أحلى. روز اليوسف تحديدًا لم تفقد بعد أسباب الحياة، تحتفل بالحياة، تحب الحياة، خلقت للحياة، وتملك مقومات الحياة، وتشعل شمعة مئويتها الثانية واثقة الخطوة. ثروتها مجلات عريقة اسمها يوزن بالذهب الخالص، ومدرسة أقرب إلى جامعة خريجوها ملء السمع والبصر، وكتابها هم عمد الصحافة الخاصة والتليفزيونية والإلكترونية. روزاليوسف ليست سطرًا يمكن أن ينسحب من الحياة إلى كتب التاريخ.. روزاليوسف من علامات حياة هذا الوطن، تملك أهلية صحفية للعودة إلى الحياة، وعودة الروح عنوان يصلح لهذه الليلة، ليلة المئوية، عنوان المئوية الثانية فى مسيرة سيدة الصحافة العربية.