بعد أيام، تحتفل «روزاليوسف» بمئوية ميلادها الأول.. مئة عام من الصحافة التى لم تكن يومًا مجرد مهنة؛ بل شغف ورسالة وموقف. مئة عام من الحبر والفكر، من المواجهة والتنوير، من الدفاع عن الحقيقة فى وجه الزّيف، ومن الإيمان العميق بأن الكلمة الحرة قادرة على أن تغير وجه التاريخ. منذ أن قرّرت السّت «روزا»، القادمة من خشبة المسرح، أن تؤسّس مَجلة تحمل اسمها، كانت تعرف أن ما تفعله ليس مشروعًا صحفيًا عابرًا؛ بل مغامرة فكرية كبرَى. آمنت بأنّ الصحافة يمكن أن تكون مسرحًا للفكر، وأن الكلمة قد توازى فى أثرها ضوء المسرح وحرارة المَشهد. ومن هنا بدأت الحكاية التى امتدت قرنًا كاملاً؛ لتصنع واحدةً من أعظم مدارس الصحافة فى العالم العربى. فى زمن كان فيه التعبير الحر مغامرة، والرأى الجرىء تهمة، قررت «روزاليوسف» أن ترفع شعارًا بسيطا وعميقًا «الانحياز للوطن لا للسُّلطة، وللحقيقة لا للهوَى». ومنذ عددها الأول، ظلت المَجلة مرآةً لمصر بكل ما فيها من نبض وتنوُّع وصراع وتغيير. على صفحاتها وُلدت المعارك الفكرية الكبرَى، ومن بين سطورها خرجت أجيال من المفكرين والصحفيين والمبدعين الذين صنعوا الوعى العام فى هذا البلد. كانت المَجلة، ولا تزال، صوتَ العقل إذا ساد الصخب، وصوتَ الضمير إذا عَمَّ الخوف. دفعت أثمانًا باهظة فى سبيل الكلمة، لكنها لم تتراجع.. صُودرت أعدادُها، وتعرضت لحملات تشويه؛ لكنها خرجت من كل معركة أكثر صلابة وأكثر إيمانًا بدورها. واليوم، ونحن نقف على أعتاب مئة عام من تلك المسيرة، لا نحتفل فقط بماضٍ مجيد؛ بل نحتفى بقدرة الفكرة على البقاء. فلا تزال «روزاليوسف»، بعد قرن كامل، تحمل نفسَ البريق، وتكتب بنفس الشغف، وتؤمن بنفس الحقيقة؛ أنّ الصحافة ليست أرشيفًا للذاكرة فحسب؛ بل طاقة للمستقبل. فى مئويتها، تعيد «روزاليوسف» قراءة تاريخها كما يليق بها؛ عَبْرَ مجموعة من الإصدارات الخاصة التى لا تسرد الماضى أو تعيد نشر مواد أرشيفية؛ بل تعيد صياغته برؤية مُعاصرة. إصدارات توثق ذاكرة وطن كامل، وتستعيد وجوهًا وأحداثًا صنعت الوعى، وتقدِّم للأجيال الجديدة صورةً من مصر كما رآها كتّابها ومفكروها عَبْرَ عقود.. نفتح الكنز أمامَ القراء؛ لنرَى جميعًا مصر برواية «روزا» ورؤيتها.. من خلال أهم المعارك والتحقيقات.. أبرز المقالات والحوارات.. ونَمُرُّ على 100 سنة كاريكاتير بألبوم كامل من الرسومات.. مشروع ثقافى متكامل يعيد تقديم «روزاليوسف» كأيقونة فكرية، وبيت مفتوح لكل العقول التى تؤمن بأنّ الحرية هى جوهر الصحافة، وأنّ التنوير هو الغاية الأسمَى من كل ما يُكتب ويُقال. مئوية «روزاليوسف» إذن ليست مجرد مناسبة احتفالية؛ بل شهادة على قرن من الجرأة والنبل، على مؤسّسة حملت عبء الكلمة الحرة وظلت واقفة ومستمرة رغم العواصف. هى أيضًا وعدٌ جديدٌ؛ بأنْ تستمر الرسالة بذات النقاء والصلابة التى بدأت بها، وأن تظل المَجلة بيتًا للفكر، ومنبرًا للضمير، ومساحة دائمة للحوار والموقف والاختلاف. مَرّت أجيال وتبدّلت عصور؛ لكن «روزاليوسف» لم تعرف الشيخوخة أبدًا، حتى وهى تتم عامَها المئة. بقيت كما أرادتها مؤسِّسَتُها.. جريئةً حين يصمت الآخرون.. مستقلةً حين ينحاز الجميع.. وطنيةً حين يُساء للوطن. وها هى تدخل قرنَها الثانى.. تفتح نوافذها على المستقبل، متسلحة بتاريخ من التنوير لا يَصدأ، وبإيمان أن الصحافة ستظل تعرف كيف تجمع بين الفن والفكر، بين الجَمال والحقيقة. لتبقى «روزاليوسف».. مَجلة القرن.. وذاكرة مصر التى لا تشيخ، وصوتها الذى لا ينطفئ.