تحل اليوم ذكرى رحيل واحدة من أعظم الشخصيات النسائية في تاريخ مصر الحديث، رائدة جمعت بين الفن والصحافة والنضال الوطني والتمكين النسائي، هي فاطمة اليوسف، المعروفة باسم روزاليوسف، التي أسست مدرسة صحفية لا تزال آثارها ممتدة حتى يومنا هذا. في مثل هذا اليوم من عام 1958، أسدلت الستار على حياة حافلة بالعطاء والنضال، بعد أن كتبت اسمها بأحرف من نور في سجل الصحافة المصرية. ** من الطفولة اليتيمة إلى بطلة المسرح المصري اقرأ أيضا | معرض الكتاب يحتفي بمئوية مجلة «روز اليوسف» ولدت فاطمة اليوسف عام 1898 بمدينة طرابلس في لبنان، وعاشت يتيمة منذ السابعة من عمرها، قبل أن تشد الرحال إلى مصر وهي في الرابعة عشرة، بدأت حياتها الفنية كممثلة في فرقة عزيز عيد وجورج أبيض، ثم أصبحت البطلة الأولى في فرقة رمسيس مع يوسف وهبي، حيث تألقت في أعمال خالدة مثل "غادة الكاميليا" و"دافيد كوبرفيلد"، وكانت خلال تلك الفترة تتعلم القراءة والكتابة إلى جانب التمثيل، حتى أصبحت الممثلة الأولى في مصر. ** من خشبة المسرح إلى صدارة الصحافة لم تكتفِ روزاليوسف بمجد المسرح، فانتقلت إلى عالم الصحافة، وأسست مجلة روزاليوسف عام 1925، لتكون منبراً للتنوير والمعارضة السياسية. لم تلبث المجلة أن تحولت إلى لسان حال الشعب في مواجهة الاستعمار والفساد، وشاركت في تغطية أبرز المحاكمات السياسية في عصرها، متحدية سلطات الاحتلال والحكومات المتعاقبة، مما جعلها هدفاً دائماً للرقابة والملاحقة. ** مواقف وطنية وخلافات سياسية اقتربت روزاليوسف من حزب الوفد، وانضمت إليه هي ومجلتها، حتى أصبح خصوم الحزب يلقبونه ب"حزب روزاليوسف". لكن هذا التقارب لم يدم، إذ انفجرت الخلافات بعد انتقادها اللاذع لحكومة نسيم باشا ومطالبتها بعودة دستور 1923. أسفرت حملتها القوية عن استقالة الحكومة وعودة الدستور، لكن الوفد قرر فصلها هي ومجلتها، في مشهد يكشف شجاعتها واستقلالها الفكري. ** صحف ومجلات في خدمة الوطن والمرأة أسست روزاليوسف جريدة يومية عام 1935، شارك فيها كبار الأدباء والمفكرين مثل العقاد ومحمود عزمي، وأطلقت عدداً من المجلات منها "الرقيب"، و"الشرق الأدنى"، و"مصر حرة"، إلى أن أصدرت مجلة "صباح الخير" عام 1956، التي جمعت بين الأدب والسياسة والرسوم الساخرة، لتؤكد مجدداً ريادتها. ** رائدة نسوية ملهمة لم تكن روزاليوسف مجرد صحفية، بل كانت ناشطة نسوية رائدة، شجعت النساء على العمل والاستقلال الاقتصادي، وحرصت على توظيف الفتيات في مجلتها، لترفع راية التمكين قبل أن يكون مصطلحاً متداولاً. ** حياة شخصية ثرية ومؤثرة تزوجت ثلاث مرات، أبرزها زواجها من المهندس محمد عبد القدوس، وأنجبت منه الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، كما تزوجت من المسرحي زكي طليمات، ثم من المحامي قاسم أمين حفيد رائد تحرير المرأة. ** نهاية تليق بعظمة صاحبتها في يوم 10 أبريل 1958، وبينما كانت روزاليوسف تشاهد فيلماً في سينما ريفولي، أصيبت بأزمة قلبية، لكنها قاومت الألم وطلبت العودة إلى منزلها، حيث استلقت على سريرها وتوفيت في هدوء. وقد وصف الكاتب أحمد بهاء الدين وفاتها بأنها "درس في القوة"، وقال يوسف إدريس: "إن روزاليوسف استأذنت من عزرائيل نصف ساعة فقط". روزاليوسف لم تكن مجرد امرأة، بل كانت ظاهرة. جمعت بين الفن والصحافة والسياسة والنسوية، وتركت إرثًا لا يزول، وستظل ذكراها خالدة، تضيء درب الأجيال القادمة من الصحفيين والكاتبات والمثقفين. اقرأ أيضا | كنوز| «العدد 5000».. روزاليوسف فى مرآة وحيدها إحسان عبد القدوس