من بين عشرات الشخصيات الأدبية، تحتلّ السيدة روزاليوسف مكانة مهمة؛ فهي أول سيدة تُصدر مجلة باسمها، تكون ذات توجّه سياسي. والحقيقة أن حياة روزاليوسف تستحقّ أن تُخلّد عبر عمل درامي مؤثر؛ لأن محطات حياتها تتضمّن كل عناصر العمل الدرامي الناجح. وُلدت فاطمة محمد محيي الدين يوسف في طرابُلس شمال لبنان، يوم 15 يناير 1898، من عائلة ذات أصول تركية، وتُوفيت أمها بعد بضعة أيام من ولادتها، وسارع والدها بمغادرة لبنان إلى أسطنبول؛ تاركاً ابنته تترعرع مع أسرة مسيحية، هي التي قامت بتسميتها روزاليوسف؛ بدلاً من فاطمة اليوسف. ونشأت الفتاة وهي تظنّ أنها تعيش وسط أسرتها الحقيقية، إلى أن أخبرَتها الأسرة بحقيقة نشأتها في سنّ العاشرة، وعانت الضرب والحرمان في أسرة غير أسرتها، إلى أن وافقت الأسرة على هجرتها إلى البرازيل مع واحدة من الأسر المارونية. خشبة المسرح وأضواء الشهرة وأثناء توقف السفينة في الإسكندرية، غافَلت الطفلة روز الأسرة اللبنانية ونزلت مصر، وتعرّفت على عزيز عيد، الذي اكتشفها فنياً وضمّها لفرقته المسرحية، التي كانت تضمّ العملاق نجيب الريحاني. وبعد أن تألقت على مسارح الإسكندرية تطلّعت الفتاة الشابة إلى أضواء القاهرة، وبالفعل سافرت إلى القاهرة، والتحقت بفرقة جورج أبيض، ثم كوّن يوسف وهبي فرقة رمسيس، وأصبحت روزاليوسف بطلة الفرقة بلا منازع، وقامت بدور البطولة في مسرحية "غادة الكاميليا"؛ مما جعل النقاد يكتبون أن روزاليوسف قدّمت الدور أفضل من الممثلة البريطانية سارة برنارد.. وهكذا أُطلق عليها "سارة برنار الشرق". زواج وطلاق وحرمان اختلفت مع يوسف وهبي فانضمّت إلى فرقة الريحاني؛ ولكنها لم تجد نفسها في المسرح الساخر، فاعتزلت التمثيل وبدأت رحلة الأدب؛ خاصة أنها قبل الانضمام إلى فرقة جورج أبيض -وهي دون التاسعة عشرة- قابلت الأديب محمد عبد القدوس، الذي تزوّجها لبضعة أشهر، وطلّقها وهي حامل في شهرها السابع، وأنجبت الأسطورة الأدبية التي نعرفها كلنا اليوم باسم إحسان عبد القدوس. حُرمت روزاليوسف من ابنها البكر؛ حيث أصرّ والد طليقها الشيخ أحمد رضوان أن يأخذ الولد في بيته؛ ليقوم بتربيته، بعيداً عن "الصبيّة الشامية التي أفسدت ابنه"؛ كما كان ينظر لها الشيخ. أما الزيجة الثانية فكانت من الممثل والصحفي زكي طليمات، وأنجبت منه ابنتها آمال؛ ولكن طليمات طلّقها بدوره.. وكانت الزيجة الثالثة والأخيرة من المحامي قاسم أمين، وهو حفيد المفكّر قاسم أمين، صاحب كتاب "تحرير المرأة". وفي عام 1925 حصلت على ترخيص مجلة أدبية وفنية مسرحية، وهي "روزاليوسف"؛ ولكن كان للسياسة رأي آخر؛ فسكرتير حزب الوفد الزعيم مكرم عبيد، كان يرى في الكتابة الساخرة للناقد محمد التابعي وزملائه قوة تجعلها الأنسب لعالم السياسة؛ لذا سارع بطرح الفكرة على السيدة روز، فتحمست بسرعة؛ لأن الحس الوطني لديها كان في أوج حالاته. صحفية الشرق الأولى وبالرغم من نشأة روزاليوسف اللبنانية، وبالرغم من أصولها التركية؛ فإنها سيدة مصرية صميمة، خدمت القضايا المصرية السياسية والفنية والأدبية والصحفية طوال عمرها، ولم لا وقد كانت مصر هي الحضن الدافئ الذي تلقّاها في صدمات الحياة هنا وهناك؟ في مصر أصبحت روزاليوسف الممثلة الأولى في الشرق، ثم أصبحت الصحفية الأولى في الشرق، وأصدرت السيدة روزاليوسف جريدة يومية بنفس الاسم. وما هي إلا فترة، وبدأ حزب الوفد يعارض المجلة والجريدة، بعد أن أصبحت مؤسسة روزاليوسف الصحفية حزباً بحد ذاته.. وراح كبار الصحفيين يكتبون في صفحاتها، والأهم أن هذه الصفحات أنجبت للصحافة المصرية أسماء من العيار الثقيل. ومن أجل ضرب "حزب" روزاليوسف، تعمّد حزب الوفد أن يُعلن قطع العلاقة بينه وبين روزاليوسف بشكل موسّع ومهين، وشاركت صحف أخرى في هذا الأمر بُغية ضرب توزيع روزاليوسف، الذي هيمن على الصحافة المصرية خلال النصف الأول من الأربعينيات؛ فكانت الضربة القاضية للجريدة. أما المجلة فقد تماسكت وظلّت على قيد الحياة حتى يومنا هذا. وفي 12 إبريل 1958، رحَلت السيدة فاطمة اليوسف عن الحياة، بعد أن ملأت الصحافة والفن والفكر والمسرح بأعمالها وخطواتها الباهرة.