فهم النص القرآنى وتفسيره، وتأويله من أهم قضايا الفكر الدينى الآن، بل هى قضية المستقبل لأن الفهم الخاطئ أو التفسير الذى يجافى العقل، ولا يستند إلى التأويل الصحيح للآيات القرآنية الكريمة هو الذى تسبب فى كثير من المحن الفكرية، والفتاوى التى أهدرت دم المفكرين على مر العصور. وأرى أن صدور الكتاب الذهبى عن «روزاليوسف» بعنوان: «شيوخ التنوير وزعماء التكفير»، هو خطوة مهمة لتوثيق دور الصحافة المصرية فى دعم رسالة التنوير، فمن خلال جهد بحثى لافت لرئيس تحرير الكتاب أيمن عبدالمجيد، وفريق عمل متميز تم التأريخ لدور مجلة «روزاليوسف»، فى مواجهة دعاوى التكفير، وفتاوى إهدار الدم. ومن خلال الحوارات والمقالات والتحقيقات التى قام بها كتاب المجلة نوقشت أهم قضايا الفكر والثقافة، والتصدى للفتاوى الإرهابية التى تسببت فى محاولة اغتيال نجيب محفوظ، بل تسببت فى اغتيال الشيخ الذهبى ود. فرج فودة. وكانت المجلة منبرًا للتعبير عن الرأى الحر، والمطالبة بمواجهة حاسمة للإرهاب، والتأكيد على أن أى محاولة لتكفير المفكرين أو ترويعهم هى محاولة فاشلة لإهدار قرنين من التنوير، وما تحقق على يد الإمام محمد عبده، ولطفى السيد، وطه حسين، وسلامة موسى، والشيخ على عبدالرازق. لأن التطرف ضد إعمال العقل فالذين اغتالوا الشيخ الذهبى كانوا يريدون اغتيال فكره بعد أن أصدر كتابا عن «التطرف»، ناقش فيه أفكارهم، رافضًا رغبتهم فى السيطرة على عقول الناس، وفرض الجمود الفكرى على عقول لا يشغلها سوى التفكير والتطور. والذين اغتالوا فرج فودة كانوا يخشون تفكيره الناقد للخطاب الدينى، وإدانته للإرهاب «لأنه فعل وقول بالتى هى أسوأ، والإسلام دين القول بالتى هى أحسن». والذين حاولوا اغتيال نجيب محفوظ لم يقرأوا له كتابا مما جعله يمنح رواياته للمحقق ليهديها للذين حاولوا اغتياله ليقرأوها ويعرفوا ماذا يكتب! إنها رحلة الدفاع عن حرية الفكر ونبذ العنف والإيمان بالكلمة التى آمن بها كتاب «روزاليوسف» التى كانت المنبر الذى كتب فيه نصر حامد أبوزيد مقالاته ضد تكفيره، ومنها مقالته: «بيان للأمة.. الحقيقة أو الشهادة»، ومقالته «المؤلفة جيوبهم»، والتى قال فيها: «لقد اختلف الفقهاء فى فهم الأحكام وتأويلها ولم يحكم فقيه على آخر بالردة، بل إن عمر بن الخطاب اجتهد فى حكم نصيب المؤلفة قلوبهم فى الزكاة المنصوص عليه فى القرآن الكريم، وكان رده واضحًا بأن هذا الحكم كان فى بداية الدعوة وحاجة الإسلام إلى أنصار وتألف القلوب، وعندما اجتهد عمر فى حكم قرآنى منصوص عليه ولا يحتمل التأويل لم يرد عليه الصحابة اجتهاده، ولم يتهموه بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فالاجتهاد فى فهم الأحكام وربطها بأسبابها وتنزيلها على الواقع أمر لا يخرج الإنسان من العقيدة وليس مبررًا للحكم عليه بالردة». ومن هنا نؤكد أن فهم النص القرآنى وتفسيره وتأويله سيظل أهم قضايا الفكر الدينى الآن، بل هى قضية المستقبل.