كلنا نعرف الدكتور محمود شريف وزير الادارة المحلية والتنمية الريفية سابقا واستاذ الاورام الشهير والمرشح السابق للرئاسة، ولكن الذي قد لا يعرفه الكثيرون ان هذا الرجل هو واحد من عشاق سيناء، كان له دور كبير في مشروعات تنميتها منذ تحريرها، وهو الدور الذي بدأ منذ اختياره عضوا في لجنة تنمية سيناء في الثمانينات مع مجموعة من كبار العلماء، واستمر اهتمامه بقري سيناء في اطار عمله كوزير للتنمية الريفية ثم رئيسا للجنة متابعة المشروع القومي لتنمية سيناء، واخيرا رئيسا لجامعة سيناء حتي عام 2007. ود. محمود شريف يعرف كل خبايا واسرار شبه الجزيرة العريقة، ويعرف ايضا اهم مشكلاتها، وفي هذا الحوار يكشف د. شريف عن اهم اسرار تعثر تنمية سيناء واسباب هذا التعثر وكيفية علاجه، ويؤكد ان مشكلة الانفاق ظهرت مع اهمال تنمية سيناء، وان القضاء علي الارهاب لن يأتي الا بالتنمية، ويوجه رسالة للرئيس الدكتور مرسي مؤكدا ان تنمية مصر تبدأ من سيناء وان هذه التنمية ستعيد تشكيل خريطة مصر بما يضمن حمايتها ويعود بالخير علي كل المصريين. سنوات التجريف أهملت مشروعات زراعية وصناعية ودمرت الثروة الزراعية ضياع حلم التنمية بعد توقف مشروعات ترعة السلام مطلوب صلاحيات أكبر لجهاز تنمية سيناء في البداية سألته: ما هو سر ارتباطك بسيناء؟ بعد تحرير سيناء ب 48 ساعة فقط سافرت للعريش ورأيت بذور المشاكل والتغيير الاجتماعي في المجتمع السيناوي، حيث تم ارسال الشباب للعمل في اسرائيل بينما اصبحت المرأة هي مصدر الدخل للاسرة، بعد ذلك اصبحت عضوا في لجنة دراسة تنمية سيناء مع مجموعة من كبار العلماء مثل الدكتور ابراهيم بدران والدكتور محمود محفوظ، ومن عام 1991 حتي عام 1999 كنت وزيرا للادارة المحلية ثم التنمية الريفية، ووقتها قمت بدعم مشروعات صغيرة مثل بعض المشروعات الزراعية وشراء معاصر زيتون وغيرها .وفي عام 1996 توليت رئاسة اللجنة الوزارية لمتابعة المشروع القومي لتنمية سيناء، كأول رئيس لها، و من عام 2004 حتي 2007 اقمت في العريش اقامة دائمة بعد ان شاركت في انشاء جامعة سيناء واصبحت رئيسا لها . وخلال كل هذه المراحل كنت مؤمنا بان تنمية سيناء محور اساسي في تنمية مصر. من واقع ارتباطك بسيناء، لماذا تعثرت تنميتها طوال هذه السنوات وحتي الآن؟ في فترة رئاستي للجنة متابعة مشروع تنمية سيناء تم جزء من مشروع حفر ترعة السلام من نهر النيل الي قناة السويس، كما انتهي عمل اربعة انفاق لنقل المياه وعمل البوابات، ثم تم حفر فرع الترعة من سهل الطينة الي بئر العبد الي جنوب القنطرة ليروي خمسة وسبعين الف فدان في جنوب القنطرة، وتم اعطاء 12 ألف فدان للشباب في سهل الطينة، اما شمال الترعة فتم توزيعها علي رجال الاعمال لاستصلاحها لكنهم للأسف حولوها الي مزارع اسماك . والمشكلة ان مشروع ترعة السلام توقف عند بئر العبد منذ عشر سنوات رغم انها كان من المفروض ان تتجه الي منطقة السر والقوارير، وهي منطقة منبسطة وسهلة في وسط سيناء وارضها خصبة، وهي حيوية جدا لأنها علي امتداد الطريق الاوسط في سيناء فلو تمت تنمية هذه المنطقة سيكون التحكم في الطريق سهلا . ولكن المشكلة ان وزارة الزراعة وقتها رأت ان امتداد الترعة للسر والقوارير يتطلب تكلفة مرتفعة، بينما كان اهالي سيناء يرون ان امتداد الترعة لوسط سيناء ضرورة لتنمية المنطقة وحمايتها، لان منطقة وسط سيناء خالية من السكان مما يشكل خطرا امنيا كبيرا عليها حيث تستطيع الدبابة عن طريق وسط سيناء ان تصل الي الاسماعيلية خلال ساعة واحدة، كما ان اقتصار التنمية علي الشمال والجنوب سيؤدي الي الهجرة من الوسط الي مناطق التنمية مما يؤدي لمزيد من التفريغ السكاني. وهل كانت هناك حلول بديلة لتنفيذ باقي المشروع بتكلفة اقل ؟ نعم.. هناك دراسات قامت بها جامعة سيناء في ذلك الوقت ونجحت خلالها في التوصل الي تحديد ثلاثة مسارات بديلة تقلل التكلفة وتروي مائة الف فدان زيادة عن المتوقع . ولكن لم يكن هناك من يتحمس للتنفيذ، خاصة ان لجنة المتابعة لم يعد تشكيلها بعد حدوث تغيير وزاري، فتوقف مشروع امتداد ترعة السلام وتوقفت معه مشروعات التنمية الزراعية وكافة مشروعات التنمية واستمر الخلل الامني في منطقة وسط سيناء وهو ما ادي الي عدم اقدام اي مستثمر علي اقامة مشروعاته بدون تأمين كاف، لأن التأمين الحقيقي في التنمية الحقيقية. ومن بين المشروعات التي توقفت ايضا مشروع توزيع اراضي مساحتها 150 ألف فدان جاهزة للزراعة حيث اعلنوا انهم سيبيعونها بالمزاد وهو ما يتعارض مع متطلبات التنمية التي يجب ان تقوم علي التخصيص وليس المزاد، والنتيجة ان هذه الاراضي لم يتم توزيعها حتي الآن . ومن بين المشروعات التي توقفت ايضا مشروع تخصيص مائة الف فدان لبنكين حكوميين فرغم موافقة كل الجهات الا ان المشروع توقف ايضا . وبعيدا عن الزراعة .. ماذا عن التنمية الصناعية في سيناء ؟ التنمية الصناعية تتساوي في اهميتها مع الزراعية وترتبط ايضا بوسط سيناء، وهي تقوم اساسا علي استغلال الرمال البيضاء والتي تقوم عليها صناعات السليكون والخلايا الشمسية والزجاج وشرائح الكمبيوتر، ويوجد في سيناء افضل رخام في العالم وللاسف فبدلا من انشاء مصنع رخام في سيناء فاننا نصدره ليتم تصنيعه في الخارج ثم نعود لنستورده باعلي الاسعار، وحينما كنت وزيرا للتنمية المحلية اتفقت مع المهندس ابراهيم سمك، وهو مستثمر مصري عالمي علي انشاء مصنع للخلايا الشمسية بسيناء، وكان له مطلب واحد هو شراء مصنع سيناء للمنجنيز والذي كان معروضا للبيع وقتها وذلك ليوفر جزءا من التكلفة الابتدائية، ولكن للاسف فان وزير الاستثمار المسئول وقتها رفض بحجة انه تم بيعه رغم ان ذلك لم يكن صحيحا، والمشكلة الوحيدة ان الصناعة في سيناء تحتاج نفق اسفل قناة السويس، وهو مشروع مهم جدا لتنشيط الصناعة في سيناء ويدخل ضمن المشروع التنموي لشرق التفريعة الذي يمكن ان يترتب عليه مضاعفة دخل القناة الي مائة مليار دولار سنويا، ووقتها عرضت شركة فرنسية انشاء النفق علي نفقتها مقابل الحصول علي رسوم العبور لعدة سنوات، ولكن الحكومة فاضلت بين انشاء نفق او كوبري، واستقر الرأي في النهاية علي انشاء كوبري السلام، وللاسف فان الكوبري يواجه مشكلات كبيرة لعدة اسباب اولها انه يبعد عن وسط سيناء 30 كيلو، ثانيا ان المرور يتم منعه علي الكوبري كلما مرت قافلة سفن لدواعي الامن، وهو ما يؤدي لمشاكل تكدس واهدار في الوقت . وبماذا تفسر كل هذا التهاون في تنمية سيناء ؟ افسره بأمرين، الاول :ان تنمية سيناء لم تكن من اولويات الارادة السياسية، اما الامر الثاني فهو الخلل الاداري في تنمية سيناء، فحينما تم شق ترعة السلام في سيناء حدث نزاع بين الري والزراعة علي الاراضي، وصدر قرار جمهوري بتبعية ارض الترعة لوزارة الري، ولكن كانت النتيجة ان وزارة الري اهتمت بالمجاري المائية فقط لكنها لم تهتم بتوزيع الاراضي التي يتم اصلاحها، فصدر قرار جمهوري آخر بأن تتولي وزارة الري مسئولية المجاري المائية فقط، علي ان تتولي وزارة الزراعة مسئولية توزيع الاراضي المستصلحة، ولكن المشروع ظل متعثرا، فصدر قرار جمهوري ثالث بإنشاء شركة كبري تتولي مسئولية المشروعات الكبري مثل ترعة السلام وتوشكي، ولكن الشركة ايضا تعثرت، فكان القرار الرابع بانشاء شركة لمشروعات سيناء، واخري لمشروع توشكي، ولكن ظلت النتيجة صفر، والتنمية محلك سر. جهاز تنمية سيناء الذي صدر قانون بانشائه منذ خمسة شهور هل يمكن ان يعمل علي تصحيح مسار التنمية بسيناء ؟ الجهاز صدر منذ خمسة شهور لكن لائحته التنفيذية لم تصدر حتي الآن، كما ان رئيسه بدرجة نائب وزير، وهذا خطأ كبير، فكيف يتعامل نائب وزير مع عشرة وزراء وخمسة محافظين، والمفروض ان يكون رئيس الجهاز بدرجة نائب رئيس وزراء، وان تنقل الي الجهاز جميع الاختصاصات الخاصة بتنمية سيناء، وكذلك تنقل له جميع الموازنات المالية الخاصة بمشروعات التنمية في هذه المنطقة. وماذا عن تأثير تأخر التنمية علي الامن الخارجي لسيناء ؟ تأثير كبير جدا، فمن عوامل الخطورة في سيناء ان المنطقة الشرقية علي حدود غزة واسرائيل - من رفح الي زويد الي الكونتيللا - هي اقل المناطق حظا في التنمية رغم ان بها مياه جوفية يمكن استغلالها في الاستصلاح والزراعة بأقل التكلفة، وقد ترتب علي غياب التنمية في هذه المنطقة ان اصبحت محط اطماع اسرائيلية، حيث تقترح العديد من دراسات مراكز الابحاث الامريكية الاسرائيلية ان يتم اخذ جزء من الشريط الشرقي في سيناء بعرض 20 كيلو مترا ليصبح امتدادا لغزة ويساهم في حل مشكلة التكدس السكاني بها، علي ان تعوض اسرائيل مصر وتعطيها قطعة صحراوية من النقب وتقوم امريكا واسرائيل بمساعدة مصر في تنميتها . التنمية لا يمكن ان تتم في سيناء بدون تواجد امني مكثف، وقد تكون بنود اتفاقية كامب ديفيد هي التي تحد من هذا التواجد الامني وتحدد حجم القوة العسكرية ؟ ربما، فالاتفاقية تحدد الوضع الامني في ثلاث مناطق، المنطقة "أ" وتضم طبقا للاتفاقية 22 الف جندي بمعداتهم، والمنطقة " ب " وتضم اربعة آلاف جندي، اما المنطقة " ج " فلا تضم سوي 750 جنديا من سلاح حرس الحدود، وهي بالطبع اعداد قليلة جدا، وقد ترتب علي هذا الغياب الامني في سيناء تعثر التنمية. هل من حق مصر تغيير بنود اتفاقية كامب ديفيد بما يضمن وضع أمني افضل في سيناء؟ نعم، فالبند الرابع ينص علي انه من حق اي طرف طلب تعديل الجزء الخاص بالترتيبات الامنية، وانا اطالب بتغيير بنود الاتفاقية وتعديل الوضع العسكري والاوضاع الامنية وخاصة في المنطقتين ب، ج، واتصور انه سيحدث خلال الاسابيع القادمة. ومن ناحية اخري اطالب ايضا بسرعة هدم الانفاق وعدم السماح بعودة نفق واحد مهما كان السبب، واطالب كذلك باخلاء منطقة موازية لحدودنا مع غزة بعرض ستمائة متر مع وضع اجراءات عقابية قاسية علي من يقوم باي تجاوزات، وان يتم تسهيل دخول ما يحتاجه قطاع غزة بشكل رسمي عن طريق المعبرفقط . وماذا عن مشكلة الانفاق ؟ ظهور الانفاق هو احد الكوارث التي ترتبت علي عدم التنمية في سيناء، وهي مهزلة حقيقية ان نسمح بانشاء انفاق تحت الارض تصل الي 1200 نفق معظمها في المنطقة كثيفة السكان، ويتم خلالها نقل كل ما يمكن تصوره من الابرة للسلاح، مرورا بالسيارات المسروقة والسولار والبنزين والمهاجرين الافارقة، حتي اصبحت هذه الانفاق هي احد اسرار الانهيار الامني في مصر، والمذهل ان النقل خلال هذه الانفاق يعدد من ناحية مصر تهريب، بينما من ناحية غزة يعد امرا مقننا يتم تحصيل جمارك عليه، حتي ان هذه الانفاق صنعت مليونيرات من الجانب الفلسطيني .كما ان هذه الانفاق اصبحت مناطق تمركز الجماعات الارهابية التي تقوم من وقت لآخر بعمليات مسلحة مثل قطع الطرق والهجوم علي الاسواق واحتجاز السياح و وتستخدم في ذلك الاسلحة الضخمة المهربة من الانفاق، والحقيقة ان الحادث الاخير الذي راح ضحيته ستة عشر شهيدا دق اكبر ناقوس خطر وترتب عليه الحملة التأديبية التي تقوم بها القوات المسلحة حاليا لهدم الانفاق وقتل واعتقال الارهابيين. ونرجو الا تتوقف هذه الحملة، والحل هو التعامل بحسم مع كل من يتم اكتشاف فتحة نفق داخل بيته.